محمد بديرحملة تحريض إسرائيلية جديدة يجد فلسطينيو 48 أنفسهم في مواجهتها على خلفية مواقفهم القومية من القضايا المطروحة للنقاش على الساحة السياسية. التطور البارز هذه المرة هو تطابق الآراء بين الجمهور اليهودي وبين قادته الأمنيين والسياسيين، في حساب فلسطينيي 48 خطراً استراتيجياً مستقبلياً على طابع الدولة اليهودية ووجودها

رأى جهاز الامن الاسرائيلي العام «الشاباك»، فلسطينيي 48 «تهديداً» استراتيجياً حقيقياً لدولة إسرائيل على المدى البعيد. وجاء ذلك خلال «اجتماع مغلق» جمع رئيس «الشاباكيوفال ديسكين ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ومسؤولين أمنيين، أوصى خلاله «الشاباك» بـ«دعم» من سماهم «المعتدلين العرب ممن يرون في الدولة اليهودية بيتاً لهم».
وخُصص الاجتماع، الذي أوردت صحيفة «معاريف» خبره، لبحث قضية «عرب اسرائيل» (الفلسطينيون في الداخل) و«ابتعادهم عن الدولة وانخفاض نسبة تضامنهم معها» وتنامي «القوى المتطرفة (وسطهم) والمخاطر الناجمة عن ذلك».
وذكرت الصحيفة أن مسؤولين رفيعي المستوى في «الشاباك» رأوا في «جلسات داخلية ومغلقة وخاصة» أنَّ ما يجري وسط عرب الداخل يعدّ «تهديداً استراتيجياً جاثماً وحقيقياً للمدى البعيد على الطابع اليهودي للدولة ولأصل استمرار وجود اسرائيل دولة يهودية».
وأشارت إلى أنَّ المعطيات التي تمَّ جمعها في أجهزة الشاباك «مقلقة للغاية»، وتتمحور حول «ارتفاع تضامن عرب اسرائيل مع الفلسطينيين، وارتفاع نسبة تضامنهم أيضاً مع منظمات ارهابية ومع ايران»، اضافة إلى «تأييدهم لحزب الله وأطراف لا تعترف بشرعية قيام إسرائيل دولة يهودية».
وشدد «الشاباك» في تقاريره، التي عُرضت أمام رئيس الحكومة، على أنَّ هذا الواقع قائم على الملأ، وهو يلتقي مع «تحريض تمارسه القيادة العربية في الداخل»، مشيراً إلى عدم «وجود رد فعلي على هذه الظاهرة في القوانين الإسرائيلية أو في أجهزة فرض القانون».
ويبدو أن القلق الإسرائيلي لا ينبع فقط مما تراه الأوساط الإسرائيلية تعاطفاً مع كل الجهات والمحافل المعادية لإسرائيل، بل أيضاً من مجرد تنامي الوعي المدني والقومي لدى فلسطينيي 48، والذي يتجلى في تقديمهم لأوراق عمل وأطروحات وتصورات ذات طابع ثقافي ودستوري، يطالبون من خلالها بالحصول على حقوقهم القومية والمدنية التي كفلتها المواثيق الدولية.
وذكرت «معاريف» أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى من إمكان «توحيد هذه التصورات المتعددة، التي تجمع على رؤية إسرائيل دولة لكل مواطنيها، لا دولة يهودية، في وثيقة واحدة وتحويلها الى رؤية متفق عليها من كل ابناء الاقلية العربية في البلاد».
وبحسب «معاريف»، فإن رئيس جهاز الأمن العام حذر من «استمرار التباعد بين عرب إسرائيل والدولة»، وأوصى، في المقابل، بضرورة مطالبة الدولة للعرب في الداخل بـ «اثبات ولائهم» لها. ورأى ديسكين أنَّ على الدولة، في المقابل، «العمل من أجل المساواة بين الجمهور العربي والغالبية اليهودية وتشجيع من يرى إسرائيل بيتاً له، ووقف التمييز بما يتعلق بالاستثمار في البنى التحتية والتعليم ومجالات أخرى».
استطلاع
وتزامنت تحذيرات «الشاباك» مع نشر نتائج استطلاع رأي أجرته جامعة حيفا عن الشرخ العربي ــــــ اليهودي داخل إسرائيل. وأظهر الاستطلاع، الذي أُعد العام الماضي، أن 68 في المئة من اليهود في اسرائيل «متخوفون من انتفاضة عربية»، فيما قال 63 في المئة منهم إنهم يمتنعون عن الدخول للقرى العربية إضافة إلى 64.4 في المئة قلقين من نسبة الولادة العالية لدى العرب. وعبرت نسبة 83 في المئة من المستطلعين اليهود خشيتها من «دعم عرب اسرائيل للفلسطينيين»، بينما شككت نسبة 73 في المئة من اليهود في «ولاء الجمهور العربي لدولة اسرائيل».
وفي المقابل، بيّن الاستطلاع بعض مخاوف الجمهور الفلسطيني داخل إسرائيل، حيث أعرب 62 في المئة منهم عن خشيتهم من ضم منطقة المثلث الى دولة فلسطينية في اطار اتفاق مستقبلي، فيما قال 60 في المئة إن لديهم قلقاً من إمكان ترحيلهم.
وأظهر الاستطلاع أن 77.4 في المئة من فلسطينيي الداخل يخشون المسّ بحقوقهم المدنية، وأن نحو 80 في المئة قلقون من مصادرات عامة لأراضيهم، و 73.8 في المئة يخشون من العنف الذي تمارسه الدولة ضدهم و71.5 في المئة يخشون من العنف من جانب اليهود. أما في ما يتعلق بالنظرة إلى هوية الدولة، فيعتقد 76 في المئة من الجمهور العربي أن اسرائيل كدولة صهيونية هي دولة عنصرية.
عزمي بشارة
وتعليقاً على ما نشرته «معاريف»، قال رئيس حزب التجمع الوطني الديموقراطي، الدكتور عزمي بشارة، إنَّ مثل هذه التحاليل والتقارير والجلسات تعتمد في الاساس على «التحليل غير الدقيق ووجهة النظر الأمنية والعنصرية في آن واحد»، مشيراً، في حديث لمراسل «الأخبار» في حيفا فراس الخطيب، إلى أن مثل هذه التقارير «ليست جديدة في طريقة عرضها للفلسطينيين في الداخل على أنَّهم تهديد استراتيجي».
وبعيدا عن دقة هذه التقارير والتقديرات الاستخبارية أو عدم دقتها، أشار بشارة إلى أنَّ القضية المهمة في هذا السياق تكمن في «وجهة نظر» هذا التوجه، موضحاً أن الشاباك الاسرائيلي يرى ضمن مهماته «حراسة مصالح هذه الدولة من الاخطار الممثلة بالفلسطينيين في الداخل». ولفت بشارة إلى أنَّ التقديرات التي عرضها «الشاباك» تتراوح بين «العنصرية والمبالغة»، ورأى أن هناك صراعاً في اوساط فلسطينيي الداخل بين تيارات قومية وطنية تسعى للحفاظ على هويتهم القومية وحقوقهم السياسية، في مقابل «تيارات أسرلة» ترى فيها اسرائيل «تيارات معتدلة» وتسعى إلى تقويتها عن طريق زيادة الاستثمار في البنى التحتية وما شابه».
ورأى بشارة أنّ الاوساط الامنية «قلقة من كون العرب في الداخل أكثر وعياً بخصوص مسألة الهوية»، مشيراً إلى صعود قوى سياسية لدى الفلسطينيين في الداخل أخيراً «مضادة للصهيونية وجذرية من حيث المطالبة بالمساواة».