strong>القاهرة ــ خالد محمود رمضان
عودة العلاقات المصرية ـ السورية إلى جزء من طبيعتها يحمل الكثير من المعطيات الإيجابية للساحة اللبنانية، ولا سيما أن جهود مصالحة شاملة تتسارع قبل القمة العربية المقررة في الرياض نهاية الشهر الجاري

الملف اللبناني كان حاضراً بقوة في زيارة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى القاهرة، حيث سلّم الرئيس المصري حسني مبارك رسالة من نظيره السوري بشار الأسد؛ وقد شدد على دعم سوريا لصيغة “لا غالب ولا مغلوب”، مجدداً رفض بلاده “تسييس” المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع استعدادها للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في هذه القضية.
كما أكد الشرع أن الرئيس السوري سيحضر القمة العربية في الرياض، وسيقدّم ورقة لإصلاح الوطن العربي وإحياء التضامن، مشيراً إلى أن الأسد ومبارك سيجتمعان للمرة الأولى هذا العام على هامش اجتماعات هذه القمة.
وأكد الشرع أن الأسد، في خطابه الشهير فـي آب من العام الماضي، “لم يكن يقصد أياً من الزعماء العرب” بعبارة “أنصاف الرجال”، وموضحاً أن تصريحاته فسرت بشكل خاطئ.
وحصل الشرع على تطمينات مصرية بعدم وجود أي نية لتعديل مبادرة السلام العربية وفقاً للشروط الإسرائيلية. وقالت مصادر مصرية، لـ “الأخبار”، إن الشرع شدد في اللقاء مع مبارك على استراتيجية العلاقات بين مصر وسوريا، مذكّراً بأجواء وحدة البلدين في 1959.
واستقبـــــــــل مبـــــــــارك إشارات نائب الرئيس الســـــــــوري بإيجابية جعلت اللقـــــــــاء، الـــــــــذى دام ساعتـــــــــين، “ودياً” و“دافئـــــــــاً”، على حـــــــــد توصـــــــــيف الشرع، الذي نفى وجود أي توتر أو فتور في العـــــــــلاقات بـــــــــين مصر وسوريا، والتي وصفها بأنها “تاريخية”.
وعلمت “الأخبار” أن الشرع لم يحصل على موافقة القاهرة على عقد قمة فورية بين الأسد ومبارك، كما أن القاهرة رفضت مقترحه بترتيب قمة ثلاثية تجمع الرئيسين المصري والسوري مع الملك السعودي عبد الله قبل القمة العربية.
وعن خطاب الرئيس السوري بعد العدوان على لبنان، وما نشر عن انتظار السعودية لاعتذار أو توضيح، قال الشرع “لن يكون توضيح لأن الخطأ في نقل بعض وسائل الإعلام لتفسير هذا الخطاب كما يحلو لها”. وأضاف إن الأسد لم يقصد أياً من القادة العرب بل كان يقصد بعض القادة الصغار فى بعض البلدان العربية، واصفاً الجهود المصرية بهذا الخصوص بأنها “مشكورة” وموضع تثمين.
وفى الشأن اللبناني، قال الشرع إن “المحكمة الدولية المنوط بها التحقيق فى ملابسات عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري خاصة بلبنان ولم يؤخذ رأي سوريا بنظامها الأساسي”، مشيراً إلى تعاون سوريا الكامل مع التحقيق الدولي. وأوضح أن بلاده ستظل على موقفها إلى نهاية التحقيق.
وقال الشرع إن “المحكمة تمت الموافقة عليها من حيث المبدأ من جانب الأطراف اللبنانيين، لكن يجب ألّا تُستخدم كسيف معلق أو ورقة تهديد لأن من يفعل ذلك يريد فعلياً ألّا تكشف الحقيقة”.
ورأى أن “الدور السوري في لبنان لا يزال موجوداً والدليل أن آلاف النازحين بسبب العدوان الإسرائيلي كانت سوريا وجهتهم”.
وأكد الشرع أن “سوريا تسهم دائماً في تهدئة الأوضاع اللبنانية”، مشيراً إلى أنه “تحدّث إلى الرئيس مبارك مطولاً عن دور سوريا فى التهدئة ومسؤولية إسرائيل في ما خلفه عدوانها على لبنان في تموز الماضي”.
ورأى الشرع أن المعارضة اللبنانية عندما تطلب “المشاركة في الحكم في لبنان لا يمكن أن يكون في ذهنها إلغاء طرف آخر، لذلك سوريا مع وفاق وطني لبناني ــــــ لبناني وهذا هو جوهر اتفاق الطائف وجوهر أي تسوية تقوم على صيغة لا غالب ولا مغلوب”.
وكشف الشرع عن عزم بلاده طرح ورقة عمل على القمة العربية المقبلة تستهـــــــــدف إصلاح الوطن العربي وإحيـــــــــاء التضامن العربي إضافة إلى مواجهـــــــــة التحديات، وفي مقدمتها الفتن التي تزرع في المنطـــــــــقة مثل العراق، مشـــــــــيراً إلى أن العمل العسكري فشل في احتلال بلاد الرافدين لكنه لم يفشل في التداعيات الناجمة عنه. وقال “علينا أن نواجه هذه التداعيات، ومنها الاقتتال غير المبرر الذي يجري بين العراقيين بسبب الاختلاف المذهبي والتفجيرات اليومية وقتل مدنيين بسبب الهوية وتهجير أكثر من مليونين داخل العراق، وسوريا تتحمل العبء الأكبر من هذه الهجرة”.
وفي شأن المبادرة العربية والمطالبة الإسرائيلية بتعديلها، شدد الشرع على أن المبادرة صارت ملكاً للدول العربية. وقال إن “ما تطرحه إسرائيل من أن ما ورد في المبادرة العربية لا يعجبها، وخصوصاً موضوعي الجولان واللاجئين، يستهدف نفض يد إسرائيل من أي حركة في اتجاه السلام العادل والشامل المطلوب منها، كما يستهدف التنكر لما أنجز حتى الآن من خطوات في اتجاه تحقيق هذا السلام”.
وفي ما يتصل باللقاء الأميركي ـ السوري في بغداد وانعكاساته على العلاقات بينهما، قال نائب الرئيس السوري “إن الحديث عن دفء العلاقات السورية ـ الأميركية خطأ لأن الدفء يأتي بعد حوار عميق لفترة طويلة تزول فيها الشكوك المتبادلة، لذلك لا نعلق أهمية كبرى على ما جرى فى بغداد”.
وقال الشـرع، في معرض رده على سؤال عن احتمال أن يعقب مؤتمر بغداد مقايضة بـين دمشق وواشنطن، إن “سوريا لا تقايض شيئاً بشيء”. وأضاف “الحوار في بغداد كان مجرد
بداية ونأمل أن تكون النهاية أو الخطوات المقبلة إيجابية وبناءة، كما كانت الخطوة الأولى إيجابية”.
وكان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير سليمان عواد قد قال، في مؤتمر صحافي له، إن المحكمة ذات الطابع الدولي “جزء من الحوار الدائم بين أبناء لبنان مع عناصر عديدة أخرى، وإن مصر تحتفظ بمسافات متساوية مع كل أبناء الشعب اللبناني بمختلف توجهاتهم وتقدم النصيحة الخالصة إلى كل الشعب اللبناني ولا تتدخل لإملاء وجهات نظر معيّنة على لبنان”.
وأضاف عواد إن “المبادرة العربية تعكس مواقف الدول العربية وليس العيب في المبادرة، والمطلوب أن تتجاوب إسرائيل مع المبادرة العربية وجهود السلام”.