حيفا ــ فراس خطيب
سمحت السلطات الإسرائيلية أخيراً بالكشف عن «وثائق سريّة للغاية» في أرشيف الجيش الإسرائيلي، تتضمّن تفاصيل «صفقة» تمَّت عام 1956، بين الحكومتين الإسرائيليّة والألمانيّة، قضت ببيع 35 ألف رشّاش إسرائيلي من نوع «عوزي» إلى الجانب الألماني في أكثر الفترات حساسيّة بين الدولتين، جاءت قبل مرور عقد على «المحرقة اليهوديّة».
وحَكَمت «سريّة» الوثائق وقتها تكتّم المسؤولين الإسرائيليّين، رغم قيام صحف ألمانية بتداول إحداثيّاتها، في ظلّ تصميم رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها، ديفيد بن غوريون، على تقوية العلاقات بين تل أبيب وبرلين على اعتبار أنّ «ألمانيا عدوّة الأمس، والعرب أعداء اليوم».
وبرّر نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز، الذي كشف أنّ «إسرائيل حصلت على الصاروخ الأوّل من ألمانيا»، في حديث إلى القناة العاشرة، «الصفقة» بقوله إنَّ إسرائيل أرادت ان تكون بندقية «عوزي» بمثابة السّلاح التقليدي لدول حلف شمال الأطلسي، مشيراً إلى أنَّ «السبيل الوحيد لإدخال الأسلحة إلى هناك (الحلف) كان عن طريق ألمانيا لأنَّ باقي الدولة امتلكت في حينه أسلحة من نوع آخر».
وجاءت «الصفقة» بعد ثلاث سنوات من إثارة توقيع «اتفاق التعويضات» بين الحكومتين الألمانيّة والاسرائيلية، والقاضي بدفع الألمان تعويضات لليهود «الناجين من المحرقة»، موجة غضب عارمة وصلت إلى حدّ تعرّض بن غوريون لمحاولات اغتيال من الإسرائيليين، إضافة إلى تعرض الكنيست لهجوم بالحجارة، ما جعل الألمان يحفظون صفقة الأسلحة سراً، خشية توسيع دائرة الاحتجاج.
وعلى رأس وزارة الدفاع الألمانية في حينه وقف شخص يُدعى شتراوس، طلب الاتصال بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أجل الحصول على «معلومات استخبارية جمعها الإسرائيليون أثناء حملة سيناء عام 1956»، إضافةً إلى فحص إمكان شراء أسلحة اسرائيلية تجعل من إسرائيل «مشهورة في العالم أجمع».
عندئذ، قام صحافي ألماني بدور الوسيط بين شتراوس والمدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية حينها، بيريز، الذي سافر على أثرها سرّاً إلى ألمانيا للقاء الوزير، ولدى عودته أبلغ بن غوريون تفاصيل الزيارة، قائلاً، بحسب وثائق الجيش الإسرائيلي، «وصلنا إلى قرية صغيرة اسمها روت، على بعد 60 كيلومتراً جنوبي ميونيخ، والتقينا شتراوس وتحدثنا إليه عن عوزي (السلاح)، وردَّ شتراوس إنَّ عوزي من أفضل ثلاث بنادق موجودة وهي في الحسبان».
وبعد تلقّي شتراوس نسخة من «الرشّاش» من بيريز، نقله مباشرة إلى «الفحص التقني»، وأمر بعد أسبوعين بشراء 35 ألف «قطعة»، ومع بداية عام 1958، بدأت السفن بمغادرة الموانئ الإسرائيلية «بشكل سري للغاية»، ناقلةً، بحسب «ملفّ الصفقة»، «350 ألف قنبلة و10 آلاف عوزي مع ذخيرة، و30 ألف قذيفة مدفعية».
وفي ذلك الحين، تتبّع الإسرائيليّون ما يجري مع «بضاعتهم»، وكانوا بانتظار طلب الألمان لـ25 ألف بندقية جديدة، في وقت زار فيه شتراوس، الذي «شفّر» اسمه الإسرائيليون بـ «باتيانا»، الجنود في المعسكرات الألمانية سائلاً إياهم رأيهم بـ«عوزي»، فأبلغوه أنَّ البندقية جيدة، وعندما سألهم ما اذا كانوا يعلمون شيئاً عن مصدرها، قالوا له «إسرائيل، لأنّهَ كتب عليها بالعبرية».
عندئذ تحدثت الصحف الألمانية عن الصفقة وظهر «باتيانا» مع «عوزي» في إحداها، ما أخاف الإسرائيليّين من انتشار السمعة، فبعثوا برقية للألمان وطلبوا منهم منع نشر الموضوع وتشغيل الرقابة لمدى غير محدد.
وبعد عشر سنوات من الاتصالات، بدأت القضية بالتوسّع وثار الشارع الإسرائيلي واصفاً الصفقة بـ«المشبوهة»، إلّا أنّ هذا لم يمنع بن غوريون من استقبال شتراوس في تل أبيب، وصمّم على المضيّ قدماً رغم اشتداد المعارضة، ما أدَّى إلى تطويقها وتحجيمها، والاحتفاظ بتفاصيل الصفقة سراً حتى قبل أيّام معدودة.