موسكو ــ الأخبار
هل انزعجت روسيا من عدم استجابة إيران لنصائحها... أم من تقاربها المحتمل مع أميركا؟

“انقلبت” روسيا على إيران. نتيجة يمكن استخلاصها بسهولة مما يصدر عن موسكو من تصريحات منذ أيام، ومما يتبلور في نيويورك في المداولات الجارية بشأن تشديد العقوبات عليها. فهل ما يجري فعلاً انقلاب، أم أنه مجرد جولة جديدة من لعبة المصالح؟
بدأت الحكاية يوم الاثنين الماضي عندما وجّهت روسيا تحذيراً شديد اللهجة، ولا سابق له، إلى إيران: على طهران الاستجابة لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإلا فإن موسكو ستتخلى عن مساندتها لها. جاءت على لسان “مصدر مطلع في موسكو” قال لثلاث وكالات أنباء روسية، إن الكرملين “لن يلعب مع طهران لعبة معاداة أميركا”.
وأُتـْبـِع هذا التحذير بتصريحين من الوكالة الفدرالية الروسية للطاقة النووية “روس آتوم” ومؤسسة “آتوم ستروي برويكت”، مقاولة مشروع بناء المفاعل الإيراني، اللتين تؤكدان تأجيل البدء بتشغيله وتأجيل شحن الوقود النووي الروسي اللازم له.
كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد اتهم قبل ذلك طهران بغياب الروح البناءة لديها، ودعاها إلى تنفيذ مطالب مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول إيقاف تخصيب اليورانيوم.
وحاول المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية ميخائيل كامينين التخفيف من وقع هذه التصريحات بالتأكيد أن “من المهم عند إعداد قرار دولي جديد بشأن إيران عدم السماح بأن يعاني الشعب الإيراني” من جرائه.
ولكن كامينين أكد من جديد، بعد زيارة نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سيد علي حسيني تاش إلى موسكو في 12ــــــ 13 آذار الجاري، أن روسيا تصر على تنفيذ إيران قرارات مجلس الأمن الدولي ومجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتفسّر صحيفة “كوميرسانت” الروسية الحنق الروسي بأن موسكو حاولت بقدر الإمكان، وطوال الوقت، الحؤول دون فرض عقوبات مشددة على إيران، وفي الوقت نفسه كانت تحاول إقناع طهران بتقديم تنازلات معقولة للمجتمع الدولي. ولكن إيران، برأي الصحيفة، لم تستعجل لمساعدة روسيا في جهودها، ما أثار غضبها.
وفي الوقت نفسه، كما ذكرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”، استمرت روسيا باستخدام “ورقة الوقود النووي”، وأفهمت إيران أنها لن تتسلم الوقود لمفاعل بوشهر، الذي يقوم الخبراء الروس ببنائه، ما لم تسوَّ الأزمة حول البرنامج النووي حتى النهاية، لكن يبدو أن ذلك كان من دون جدوى.
وذكرت مديرة فرع مركز “كارنيغي” الأميركي في موسكو، روز غيتي ميللير، لصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”، أن ما يجري هو “استخدام متقن للوضع في بوشهر كأداة ضغط في العلاقات الدبلوماسية بين إيران وروسيا”. وأضافت أن خطوات الجانب الروسي هي تعبير عن الاستراتيجية، التي وضعها الروس في عامي 2002 ــــــ2003، حيث “أصيب الكرملين بالقلق لاكتشاف الروس برنامجاً نووياً سرياً لدى الإيرانيين لتخصيب اليورانيوم”. وتتلخص هذه الاستراتيجية، بحسب الصحيفة، باكتشاف روسيا بشكل منتظم لمشكلات ما، لكن المقاولين كانوا يتابعون تنفيذ بعض الأعمال لعدم إعطاء مبرر لقطع مفاجئ للعلاقات الروسية مع طهران.
وتحدثت صحيفة “نوفيي إزفيستيا” عن وصول معلومات إلى موسكو حول بدء إيران ببناء محطة كهرباء نووية جديدة بطاقة 360 ميغاواط، وأن الأموال المخصصة لبوشهر تحوّل بالسر إلى هذا المشروع.
وكان رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، ميخائيل مارغيلوف، أول مسؤول روسي رفيع المستوى لا يستبعد أن “يكتسب البرنامج النووي الإيراني في المستقبل طابعاً عسكرياً”. وهو أول من وجه تحذيراً جدياً لطهران، عندما سئل في مؤتمره الصحافي الذي عقده في الأول من شهر آذار الجاري في موسكو، “أين يقع الخط الأحمر، الذي إذا تم تعديه، يجعل روسيا تقوم بتغيير جوهري لموقفها؟”. وقال إنه “توجد قواعد للعبة وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوجد مهل وضعها مجلس الأمن”.
ولم يأخذ المراقبون تصريحات مارغيلوف على محمل الجد، ولا سيما أنه يحب الإكثار من الإدلاء بالتصريحات، التي تعبّر أحياناً عن رأيه الشخصي لا عن الرأي الرسمي الروسي. لكن الأحداث التالية أثبتت اتساع الشرخ بين طهران وموسكو.
في هذه المرة، فضّلت روسيا تحذير إيران بشكل علني، لا بواسطة الوسائل الدبلوماسية، وهي بذلك، بحسب المصادر الروسية، “لا تسعى إلى الحؤول دون تشديد العقوبات الدولية على طهران وحسب؛ فروسيا تدرك أنه إذا لم تقدم طهران، ولو بعض التنازلات، فإن إدارة جورج بوش يمكن أن تقرر القيام بعملية عسكرية ضد إيران، وذلك بالنسبة إلى موسكو هو أسوأ من اللعب بسيناريو إيران ضد الولايات المتحدة”.
ومن ناحية أخرى، يرى بعض المراقبين أن موسكو تخشى، بعد عقد الاجتماع الأول لمؤتمر بغداد الدولي لدعم الأمن في العراق، من التقارب الإيراني ــــــ الأميركي المحتمل، الذي يمكن أن يفقدها الورقة الإيرانية، لذلك تريد التذكير بمصالحها، لكي لا يكون التقارب المحتمل على حسابها. وعلى أي حال، فموسكو تريد حصتها من الطبخة الكبرى التي تعد للشرق الأوسط مهما كان شكلها.
الجدير بالذكر أن عقد بناء “بوشهر” الموقع في عام 1995، لم ينص على تمويل إيراني إضافي للمشروع، وأبرم “تحت المفتاح”، ما يعني أنه يجب أن تدفع طهران آخر قسط من العقد، البالغ 200 مليون دولار بعد تشغيل المفاعل.
وفي ضوء هذه التسريبات الإعلامية واشتداد اللهجة الروسية بالنسبة إلى إيران وتأكيد صحيفة “إزفيستيا” أن “روسيا أوقفت بناء المفاعل النووي الإيراني”، يمكن القول إن “موسكو تستعد للموافقة على تشديد العقوبات على إيران”، كما أشارت صحيفة “كوميرسانت”.


كان رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي ميخائيل مارغيلوف، أول مسؤول روسي رفيع المستوى لا يستبعد أن “يكتسب البرنامج النووي الإيراني في المستقبل طابعاً عسكرياً”. وهو أول من وجه تحذيراً جدياً لطهران، على اعتبار أنه “توجد قواعد للعبة وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوجد مهل وضعها مجلس الأمن”.