حسام كنفاني
منذ دخوله مبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بدأ الوزير الجديد روبرت غيتس التعامل مع التركة الثقيلة، التي تركها له سلفه دونالد رامسفيلد. تركة لا تشمل فقط حرب العراق وتداعياتها، بل أسلوب إدارته للوزارة وتهميشه لهيئات صنع القرار داخلها.
الخطوة الأولى لغيتس كانت إعادة صياغة تعامل البنتاغون مع وكالات الاستخبارات وتطوير التعاون معها ومحاولة إصلاح الشرخ الذي أحدثه رامسفيلد، بعد قيامه بتجاهلها، وإنشاء فرق استخبارية خاصة للبنتاغون.
أما الخطوات اللاحقة فكانت تغيير الأولويات في نفقات وزارة الدفاع، وإحياء الحوار مع القيادات الأميركية عبر البحار، ما يمثّل نهجاً مخالفاً تماماً لما كان يقوم به رامسفيلد. نهج بدأ بزيادة عديد القوات الأميركية 92 ألف جندي، بعد سنوات من الإهمال في عهد رامسفيلد، الذي كان هدفه توفير مليارات الدولارات لتطوير الأسلحة ووسائل الاتصال.
وفي إطار الإشارة إلى التغيير الذي طرأ على عمل وزارة الدفاع، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن غيتس أعاد جمع القادة العسكريين في غرفة الاجتماعات في “قيادة الأركان المشتركة”، التي كان رامسفيلد يتجاهلها.
وفي خطوة هي الأبرز في التغيير السياسي في وزارة الدفاع، أسس غيتس لجنة استخبارات، مؤلفة من مديري وكالات الاستخبارت المحلية، لتقويم التعاون بين البنتاغون وهذه الوكالات.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن بعض المسؤولين الاستخباريين قولهم إن العلاقة بين وكالة الاستخبارت ووزارة الدفاع تحسنت في الآونة الأخيرة، وردت ذلك إلى الخلفية الاستخبارية التي يأتي منها غيتس، الذي أدار في السابق قيادة الاستخبارات المركزية.
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن الجهود الاستخبارية في عهد رامسفيلد ركّزت على إنشاء شبكات تجسّس تابعة لوزارة الدفاع، تتضمن إرسال بعثات استخبارية إلى الخارج، حيث كانت تعمل من دون علم السفارات الأميركية أو مراكز الاستخبارات الأميركية، ما كان يؤدي إلى “مشاكل حقيقية”، بحسب السيناتور جون روكفلر.
وتنقل الصحيفة عن السفير الأميركي السابق لدى الأردن، إدوار غنيم، قوله إنه عام 2003، نقلت إليه بعثة وزارة الدفاع رسالة من البنتاغون تشرح فيها طبيعة عملها وهو جمع معلومات عن استقرار الحكومة الأردنية. وأضاف إن الرسالة كانت تنص على ضرورة عدم معرفة السفارة أو مكتب الاستخبارات بمهمة بعثة وزارة الدفاع.
وتابع غنيم إنه استدعى سفيرين أميركيين آخرين في بلدين شرق أوسطين، واكتشف أن وزارة الدفاع تعمل بهدوء على زرع فرق استخبارات في هذين البلدين أيضاً. كذلك عمد رامسفيلد إلى وضع فرق قوات خاصة في السفارات الأميركية في الخارج لجمع معلومات استخبارية عن عمليات عسكرية مستقبلية.
وتقول “نيويورك تايمز” إن غيتس لم يخف بغضه للتحليلات الاستخبارية التي كان يقوم بها مسؤولون في وزارة الدفاع في عهد رامسفيلد، وخصوصاً الفريق الصغير الذي عمل على جمع معلومات لربط العراق بالشبكات الإرهابية.
وإضافة إلى التغييرات في العمل الاستخباري، يعمد غيتس إلى تغيير العلاقة بحلفاء الولايات المتحدة، الذين كان رامسفيلد يتعامل معهم كأتباع، ولا سيما بنظريته التي استنبطها بعد حرب العراق عن “أوروبا القديمة” و “أوروبا الحديثة”، وهو ما دفع غيتس نفسه إلى الإعلان أمام مؤتمر ميونيخ في كانون الثاني الماضي أن “هذه الصفات تنتمي إلى الماضي”.
أما ملف العراق، فهو التركة الأثقل التي خلفها رامسفيلد لغيتس، الذي قال، بحسب “واشنطن بوست”، في إحدى الجلسات الخاصة للكونغرس، إن لديه ثلاث أولويات “العراق، العراق، والعراق”، ولا سيما أنه كان ضمن لجنة “بيكر ـــ هاملتون” التي قدّمت إلى الإدارة الأميركية تقريراً عن طريقة التعامل مع العراق، وهو ما قد يكون خريطة عمل غيتس في المرحلة المقبلة. هذه بعض التغييرات غير المعلنة التي عمد إليها روبرت غيتس. وتشير “نيويورك تايمز” إلى أن “أي تغييرات رسمية لم يتم الإعلان عنها، لكن يبدو أن غيتس نجح في إعادة التوازن إلى الوزارة”. وتنقل الصحيفة عن مسؤول في البنتاغون قوله “إن غيتس لم يتنازل عن السلطات التي كان يمارسها رامسفيلد، لكنه لا يمارسها لغرض ممارستها فقط”.