غزة ــ الأخبار
عندما انخرط أبو علي في التهريب عبر الأنفاق، كان دافعه البحث عن لقمة العيش، بعدما حرمته قوات الاحتلال الإسرائيلي الوصول إلى عمله داخل الخط الأخضر، كآلاف عمال غزة.
لكن اليوم، يُعدّ أبو علي واحداً من كبار التجار «المهربين» في «مدينة الأنفاق»، التي تضم شبكة من الأنفاق الأرضية التي تربط بين شطري مدينة رفح الفلسطينية والمصرية، جنوب قطاع غزة.
وظل أبو علي من دون عمل يوفّر لقمة العيش لأسرته المكونة من 11 فرداً، إلى أن أقنعه شقيقه الأكبر محمود، بالعمل معه في إدارة نفق أرضي للتهريب من القطاع وإليه.
ويقول أبو علي (41 عاماً) «إن التحايل على الإجراءات الأمنية التي تفرضها السلطات المصرية ضد الأنفاق بات أصعب من حفر قناة تحت الحدود تربط بين مدينة رفح الفلسطينية وقرينتها المصرية». ويضيف ممازحاً «تخيّل أن عمليات التهريب كانت أسهل إبان سيطرة قوات الاحتلال على الشريط الحدودي قبل انسحابها عن القطاع».
ويفسر أبو علي حديثه قائلاً: «في السابق كان الأمر سهلاً على الجانب المصري الذي لم يكن يبذل الجهد الكافي لمحاربة الأنفاق. أما اليوم فالوضع مختلف تماماً، لأن حفر الأنفاق من الجانب الفلسطيني أصبح سهلاً بعد زوال الاحتلال، لكن أن تصل بالنفق إلى الأراضي المصرية، فان الأمر يحتاج إلى المخاطرة».
وشنت قوات الاحتلال الاسرائيلي حرباً ضارية ضد أنفاق التهريب قبل انسحابها من القطاع صيف عام 2005. وفي ظل إجراءات الأمن المصرية، وعدم تعاون سكان المنازل المصرية المحاذية للشريط الحدودي مع أصحاب الأنفاق، ابتدع الفلسطينيون طرقاً جديدة في هذا المجال.
وأشار أبو علي إلى أن الأنفاق أصبحت تمتد لمئات الأمتار داخل الأراضي المصرية بحيث تصل إلى الحقول الزراعية، وعندها يقوم أصحاب النفق برفع أنبوب إلى الأعلى للمتعاونين معهم من المصريين لتحديد عين النفق (مكانه)».
وبحسب أبو علي، فإن «المهربين»، يلجأون إلى فتح «عين» النفق في الجانب المصري في ساعات الليل، بحيث تكون البضائع المتفق عليها موجودة بالقرب منه، ويتم استخدامها لمرات قليلة ثم يتم إغلاقها أو تركها.
ولم يكتف أبو علي خلال السنوات الماضية من عمله في هذه المهنة، بإدارة نفق واحد، بل أصبح مشهوراً بحفر الأنفاق لغيره، في مقابل أموال كثيرة، لم يكشف عن قيمتها.
وكانت الصحف الإسرائيلية قد نشرت قبل أيام معلومات استخبارية تشير إلى أن حفر النفق الواحد يكلف نحو 30 ألف دولار، ويدخل على صاحبه مبلغ 2 مليون دولار سنوياً.
ويقول أبو علي «إن العمل في الأنفاق يشهد تطوّراً ملحوظاً باستمرار، وهناك يوميّاً طرق جديدة للتغلب على الإجراءات الأمنية المشددة من جانب السلطات المصرية».
وتفرض السلطات المصرية إجراءات صارمة على الجانب المصري من الحدود، وتقوم بضخ المياه وإلقاء قنابل الغاز السامة في الأنفاق التي تكتشفها.
وقال أبو علي، الذي يمتلك منزلاً يطل على الحدود، «إن عدداً من الشبان قتلوا نتيجة استنشاقهم للغاز داخل الأنفاق خلال العام الماضي». وأفاد طبيب فلسطيني «أن هذا الغاز يؤدي عند استنشاقه إلى تجلّط في الدم ويسبب الوفاة في غالب الأحوال».
وتطوّرت أهداف الأنفاق منذ الثمانينيّات، من استخدامها لأغراض إنسانية وتبادل الزيارت بين العائلة الواحدة، إلى عمليات التهريب الكبيرة التي لا تقتصر على نوع محدد من البضاعة سواء كانت مشروعة أو غير المشروعة، وحتى تهريب البشر.
وبحسب أبو علي، فإن طول الأنفاق الأولى في ذلك الوقت كان لا يتعدي الثلاثين متراً، وكان يتم حفرها من الجانبين، ويربط كل نفق بين منزلين متقابلين على جانبي الحدود. ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 بدأت الأجهزة الأمنية محاربة الأنفاق، في إطار «التنسيق الأمني مع إسرائيل».
وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى قامت قوات الاحتلال بتدمير آلاف المنازل المحاذية للشريط الحدودي، الأمر الذي زاد من طول هذه الأنفاق، حيث يبلغ حالياً ما بين 700 إلى 1000 متر، بعمق يصل إلى ما بين 15 إلى 40 قدماً.