strong> بول الأشقر
تطرح الجولة اللاتينيّة الأخيرة، التي قام بها الرئيس الأميركي جورج بوش، مجموعة من التساؤلات تبدأ بـ«الحوافز»، لتتشدّد في إطار مدى تأثير «الجولة المضادّة» التي ابتكرها الغريم اليساري في القارّة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، ولعلّ المحاور الثلاثة التالية توفّر خير مقاربة لها.
لماذا قام بوش بهذه الزيارة في هذا الظرف؟
السؤال وجيه، لأنّها أطول جولة خارجية يقوم بها بوش منذ تولّيه سدّة الرئاسة عام 2000. أتت لتلبية حاجات متمايزة، تتجسّد في خلق حدث سياسي بعيداً عن العراق يسمح للرئيس باستعادة المبادرة داخلياً، واستقطاب حلفاء جدد، وخصوصاً في صفوف الزعماء اليساريين، وزيارة الرئيس المكسيكي الجديد فيليب كالديرون.
وقد تميّزت الزيارة، التي تمّ إقرارها بعد الانتخابات التشريعية في واشنطن، والتي ضخّمتها الإدارة الأميركية من خلال تقديمها كأنّها «انطلاقة سنة أميركا اللاتينية»، باللباس «اليساري» الذي ارتداه بوش خلالها، حيث بدأ فجأة يستشهد بسيمون بوليفار (رائد حركة التحرّر في فنزويلا في بداية القرن الماضي) ويتكلّم عن الفقر «اللاتيني» كأنّه اكتشاف عظيم.
إلّا أنّ المعضلة بقيت أن بوش قام بالجولة، التي أرادها شبيهة بتلك التي قام بها الرئيس الأميركي السابق جون ف. كينيدي في الستينيات لإنشاء «التحالف من أجل التقدّم» آنذاك لمحاربة نفوذ الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، من دون عدّة الشغل. فهو لا يملك مشروعاً يقترحه على محاوريه، ولا موازنة ولا حتى سلطة القرار، حيث إنّ الأجوبة على المطالب المختلفة التي تلقّاها لم تعد عنده بل هي في الكونغرس، فلو كانت الجولة تمّت قبل ست أو سبع سنوات، لكان وقعها بالتأكيد أضعاف ما وفّرت له اليوم.
ما هي نتائجها الفعلية على صعيد «وضع» بوش والمنطقة؟
قد تكون الجولة ساعدت بوش على إعادة التمركز في بعض الشؤون التي يطغى عليها الطابع الأميركي الداخلي، مثل تلميع صورته البيئية «المتردّية جدّاً»، أو في إعادة تظهير صورته المحورية و«الوسطية» في مسألة الهجرة اللاتينية.
وتظهر الفوائد التي جناها الرؤساء اللاتينيّون الذين زارهم واضحة، إذ سلّط البرازيلي لويس أغناسيو لولا داسيلفا الأضواء على موضوع «الإيتانول»، وهزّ رئيس الأوروغواي تاباريه فاسكيز العصا لشركائه في الـ«ميركوسور»، كما سمحت للمكسيكي فيليب كالديرون، المتهم بارتباطه بالولايات المتحدة، بأن يرفع صوته.
من جهة أخرى، عمّقت الجولة تدهور العلاقات مع الرئيس الأرجنتيني نستور كيرشنير وقد يكون لها الوقع نفسه بالنسبة لرافاييل كوريا في الإكوادور، فيما قد تكون جولة تشافيز هذه المرّة قلّصت هامش مناورة الرئيس البوليفي إيفو موراليس والنيكاراغوي خوسيه دانييل أورتيغا في علاقتيهما مع واشنطن.
والجليّ هو سعي الرؤساء المعنيّين إلى فصل «السياسي» عن «الاقتصادي»، حيث رفض لولا الحديث عن تشافيز مع بوش، وفيما كانت الحكومات اليسارية تستقبل الرئيس بوش بالحفاوة المطلوبة، كانت جماهيرها تتظاهر ضدّه في الشارع.
هل نجح تشافيز في «التشويش» على بوش؟
لا بدّ من الاعتراف لتشافيز بنشاطه المميّز، الذي أمّن له، ومن خلال «جولته المضادّة»، ترسيخ صورة الـ«أنتي ـــ بوش» (مضاد بوش) التي يهواها ويراكم عليها في قارّة تنبذ زعيم البيت الأبيض بنسبة تقدّر بـ80 في المئة.
وبذلك يكون تشافيز قد نجح في خلق الحدث الموازي، حيث كان في الأرجنتين عندما كان بوش في الأوروغواي، وفي بوليفيا عندما وصل بوش إلى كولومبيا، وانتقل إلى نيكاراغوا في أميركا الوسطى لدى زيارة بوش غواتيمالا، وكان ينتظره في هايتي وجمايكا عندما اجتمع بوش بكالديرون على خليج مكسيكو.
كان الفارق شاسعاً بين الطابع الأمني لزيارة بوش، التي اقتصرت تقريباً على لقاء الرؤساء، والتي أدّت إلى مراقبة المدن جواً وبراً وإقفال المطارات والشوارع، فيما تميّزت زيارات تشافيز بالمهرجانات الشعبية و«مصافحة المناصرين»، ولعلّ التواجد مع الفقراء في «القارّة الفقيرة» هو ترياق للتمدّد اليساري.