strong>طهران ــ محمد شمص
بعد مؤتمر الدول الإسلامية السبع في باكستان في 25 من شهر شباط الماضي، يبدو أن العلاقة بين إسلام آباد وطهران اتخذت منحى تصعيدياً، ولا سيما بعد الأنباء عن استهداف المؤتمر تشكيل تحالف سني لمواجهة النفوذ الشيعي بمبادرة من الرئيس الباكستاني برويز مشرف، الأمر الذي قد يرتب مواجهة سياسية محتملة بين البلدين

  • طهران تتهم نظام مشرّف بالضلوع في هجمات زاهدان والسعي إلى تأجيج فتنة طائفية

    لم تثبت العلاقة الإيرانية الباكستانية على وتيرة واحدة، فتراوحت خلال تاريخها بين الفتور والتحسّن، على خلفية القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك، ولا سيما الوضع في العراق وفلسطين والفتنة السنية ـ الشيعية.
    ورغم أن إسلام آباد حريصة كل الحرص على بناء علاقات جيدة ومستمرة مع جارتها الكبرى ايران لجهة تأمين مصالحها السياسية والاقتصادية، وخصوصاً لما تمثله ايران من شريان اقتصادي مهم بالنسبة إليها، إلا أنها تبتعد أو تقترب من طهران بقدر قربها وبعدها عن واشنطن؛ فتنامي العلاقات الباكستانية ــــــ الأميركية يؤثر بصورة مباشرة على العلاقة بين البلدين الجارين، الأمر الذي بدأت تتضح معالمه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، حيث تعهّد حينها برويز مشرف مساندة البيت الابيض ودعمه في الحرب على الإرهاب، واصفاً علاقة بلاده مع الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجيةلكن الأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، بل تعداه إلى حلف أميركي ــــــ باكستاني ودخول إسلام آباد في قلب المعسكر الأميركي الساعي إلى محاصرة إيران وتوجيه ضربة عسكرية لها على خلفية أنشطتها النووية، بحسب المراقبين في طهران.
    ويشكّل دخول باكستان في حلف أميركي ضد إيران أساساً صالحاً لتسهيل العمل العسكري المحتمل، لما لباكستان من موقع جغرافي وديني ومدى تأثيرها في المواجهة. ويقول زعيم «مجلس العمل الموحد» في باكستان قاضي حسين أحمد إن «الأميركيين يرون أنه عندما يتناحر المسلمون الشيعة والسنة فإن الهجوم على إيران سيكون أسهل». وأشار أحمد إلى نيات ومحاولات أميركية لإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية بين إيران وباكستان، على اعتبار أن الفجوة ازدادت اتساعاً بين البلدين بعد دخول باكستان إلى المعسكر الأميركي، محذّراً الحكومة الباكستانية من ارتكاب المزيد من الأخطاء.
    هذا الخطر بدأت تستشعره القيادة الإيرانية، وخصوصاً بعد انعقاد اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية السبع في إسلام آباد، حيث ضم كلاً من السعودية والأردن ومصر وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان، بالإضافة إلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إكمال الدين إحسان اوغلو.
    واعتُبِرَ المؤتمر مؤامرة خفية على إيران وجبهة إسلامية سنية ــــــ أميركية تشكِّل النواة للمعسكر الأميركي في المواجهة العسكرية المحتملة مع إيران. وبدا أن أكثر ما يقلق ايران هو عزف هذه الدول على نغم الطائفية والمذهبية والتحذير من الهلال الشيعي، الذي تتهم ايران بالسعي لإنشائه، بحسب التحذير الذي أطلقه الملك الأردني عبد الله الثاني العام قبل الماضي.
    على هذا الأساس، شنّت طهران هجوماً عنيفاً على المؤتمر، واصفة الدول المشاركة فيه بأنها متواطئة مع أميركا واسرائيل خلف الكواليس. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني إن هذا المؤتمر أثار تساؤلات وغموضاً عن كيفية انعقاده وظروفه، وانه تم استدعاء سفير باكستان في إيران لهذا الشأن.
    من جهته، قال آية الله احمد خاتمي إن هناك مشروعاً خفيّاً وراء مؤتمر إسلام آباد، وعلى الدول المشاركة فيه ان تجيب عن هذا الغموض. وقال «تواطأوا مع أميركا واسرائيل خلف الكواليس من اجل ان تعترف الدول الاسلامية باسرائيل». وأوضح أن «المشاركين في المؤتمر أدلوا بتصريحات عن فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، فيما لم يشارك ممثلو هذه البلدان في المؤتمر»، متسائلاً: «ما هي مكانتكم لكي تصرّحوا نيابة عن هذه البلدان وما هي المشاكل التي قمتم بحلها لهذه الدول؟». وتابع: «أنتم لستم بمكانة كي تقوموا باتخاذ قرارات نيابة عن هذه البلدان»، مضيفاً: «لماذا تعملون بسرية اذا لم تكن نياتكم مبيتة؟».
    وطالب خاتمي جميع الدول التي شاركت في المؤتمر أن توضح الغموض، ولا سيما الدولة المضيفة باكستان. وأشار إلى أن «الإرهابيين الذين يقومون بعمليات القتل في زهدان ملاذهم باكستان»، داعياً إسلام آباد إلى «التحلي باليقظة لكي لا تقع اكثر من هذا في فخ الاميركيين وستكون حينها من دون شك الخاسر في الساحة».
    إسلام آباد حاولت، من جهتها، تبديد الشكوك حول المؤتمر، ونفت أن يكون محوراً أو جبهة أو تحالفاً إسلامياً من دول سنية ضد إيران. لكن هذا الكلام لم يقنع الإيرانيين، وعبرت عن ذلك الصحافة الايرانية عبر ما وصفته بأنه «مؤامرة خفية»، فما تسرّب من معلومات عن المشاركين في المؤتمر يؤكد، بحسب المصادر نفسها، أنه يستهدف الحد من النفوذ الايراني المتنامي في المنطقة، وخصوصاً بعد تعثّر المشروع الاميركي في العراق ولبنان وفلسطين. وتشير المعلومات، بحسب المراقبين في طهران، إلى أنه نواة محور اسلامي سني في مواجهة ايران والهلال الشيعي بمركزية طهران.
    وبدأت إيران تعتقد بالفعل بتورّط باكستان في هذه المواجهة المباشرة بين اميركا وايران، موضحة أن القرائن والشواهد تشير إلى ضلوع إسلام آباد بدعم وتدريب الارهابيين الذين يقومون بتنفيذ اعتداءات في الأراضي الإيرانية، ولا سيما الاحداث الاخيرة في مدينة زاهدان في محافظة سيستان وبلوشستان المتاخمة للحدود الباكستانية، ومحاولات اثارة الفتنة السنية الشيعية في ايران، حيث يشكل السنة أكثر من عشرة في المئة من عدد السكان.
    فقد أعلن وزير الداخلية مصطفى بور محمدي، بعد تفجيرات زاهدان، ان «الارهابيين هم من الاجانب ويتلقون تدريبات وتجهيزات عسكرية من الدول المجاورة لشرق البلاد ويقومون بالتنسيق معها»، في اشارة ضمنية الى باكستان. واضاف: لقد استدعينا سفراء هذه الدول في طهران بهذا الخصوص، كاشفاً عن خطة لرفع الجهوزية وعدد القوات الحدودية مع باكستان وأفغانستان الى 40 الف شخص خلال العامين المقبلين.
    في هذه الاثناء، ارتفعت اصوات من مجلس الشورى الإيراني تطالب بضرورة معاقبة باكستان. ودعا النائب عن مدينة زاهدان حسين علي شهرياري الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد إلى الاحتجاج لدى الحكومة الباكستانية، متهماً الحكومة بالتقاعس عن رد فعل قوي على باكستان لاحتضانها ارهابيين ومجرمين من اعداء الثورة.
    هذا القلق والغضب الايراني من مؤتمر إسلام آباد حاولت باكستان تبديده، فقد أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الباكستانية تسنيم أسلم، أن المؤتمر رفض أي استخدام للقوة ضد ايران لحل القضية النووية، لأن مثل هذا الاجراء سيعرض الشؤون الاقتصادية والسياسية في المنطقة إلى مخاطر جادة، وسيترك تأثيرات سلبية على باكستان أيضاً. وفي السياق نفسه، رفض الرئيس الباكستاني ان تتحول ايران الى هدف، مشيراً إلى أنه لو تم استهداف ايران فلن تكون باكستان المتضرر الوحيد، بل المنطقة بأسرها. واضاف ان هذه الخطوة ستثير نزاعات طائفية وتؤدي الى مشاكل اخرى معقدة، لهذا يجب أن تنصب الجهود على ايجاد حل سلمي للبرنامج النووي الايراني.
    ونفى مشرف ان تكون بلاده تتصرف وفق املاءات اميركية، موضحاً أن «باكستان ليست في نزاع مع احد». وتحاول إسلام آباد من خلال هذه التصريحات الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية مع ايران. وفي الوقت نفسه، الا تتأثر علاقاتها مع الادارة الاميركية، ما قد يفرض ضغوطاً اميركية جديدة على اسلام اب


    • مشرّف ونجاد في القصر الرئاسي في طهران الشهر الماضي  (إي بي أي)

      مشرّف ونجاد في القصر الرئاسي في طهران الشهر الماضي (إي بي أي)