وائل عبد الفتاح
«ثورة دستورية». هكذا يسمّي المتحمسون لنظام الرئيس حسني مبارك التعديلات، التي طالت 34 مادة من الدستور المصري. الطرف الآخر أو الغاضبون على النظام والهاربون من سفينته يصفون التعديلات نفسها بأنها «الكارثة» التي «ستعيد الحياة السياسية في مصر إلى الوراء»

بين «الثورة» و«الكارثة» تبدو «تعديلات مبارك» محور استقطاب سياسي حاد يقود مصر إلى حافة خطرة، قد تكون نهاية النظام الحالي وبداية نظام جديد بفوضى سياسية واجتماعية تنتج من تضيّق حصار الأمل في تغيير سلمي ينهي ربع قرن من حكم رئيس واحد.
وقد تكون أيضاً مجرد «ضربة استباقية» لتولى جمال مبارك السلطة خلفاً لأبيه لتصبح التعديلات من وجهة النظر هذه هي حجر الأساس لدستور «جمهورية وراثية» أو «ملكية عرفية» ترفضها أجنحة مختلفة في مؤسسة الرئاسة، الا أن هناك قوى خفية تدفع مشروع «الوراثة العائلية» إلى التحقق بعدما كانت «الوراثة» في حدود «صفوة مختارة» من نخبة محيطة بالرئيس.
قرر مبارك التعديلات في وقت يناسبه هو، وبعدما كان يقول إن المساس بالدستور «خط أحمر ومنطقة محظور الكلام فيها»، فاجأ الناس قبل نهاية العام الماضي بأيام بتعديلات ضخمة دفعت بعض الصحف المحايدة إلى وصفها بـ «الانقلاب الدستوري».
الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد، وهو مقرّب من الرئاسة، ويحظى باحترام فى أوساط المعارضة، كشف بعضاً من سر «انقلاب مبارك»، عندما قال «لا شك في أن التعديلات الدستورية التي طلب الرئيس مبارك إجراءها استناداً إلى حقه الدستوري، هي التعديلات الأوسع في تاريخ مصر الدستوري،‏ لأنه لم يحدث من قبلُ أن طلب رئيس الجمهورية أو البرلمان،‏ إجراء هذا العدد الكبير من التعديلات، وكان التفكير يتجه دائماً في مثل هذه الحالات إلى إنشاء دستور جديد‏». وأشار إلى أن «الرئيس مبارك، الذي يلتزم نهج الإصلاح السياسي المتدرّج، يخشي من أن يؤدي التفكير في إنشاء دستور جديد إلى قسمة الوطن حول مادتين أساسيتين في الدستور لا يقع حتى الآن في شأنهما وفاق وطني، أولاهما المادة الخاصة بحق العمال والفلاحين في الحصول على نصف المقاعد الشعبية ثم المادة الأخرى المتعلقة بمجانية التعليم، التي يتشكّك كثيرون في جدواها،‏ إضافة إلى سلطات رئيس الجمهورية التي ينبغي الحد منها في إطار متدرج يحفظ لمصر طبيعة نظامها السياسي الذي يأخذ بنهج وسط بين النظام الرئاسي البرلماني والنظام البرلماني الرئاسي‏».
واختار مبارك «التعديل» لا «التغيير»، كما اختار التعديلات السرية التي تُعدّ في مطبخ الحزب الوطني، وتمرّر بالطرق المعهودة والقديمة حيث يضمن النظام أن البرلمان تحت السيطرة.
التعديلات من وجهة نظر المعارضة هي «دستور التوريث»، الذي يريد جناح في قصر الرئاسة من خلال إقرارها حماية النظام بعد اختفاء مبارك وتولي ابنه ضد الرغبة الشعبية، والأهم ضد أجنحة أخرى في الحكم يمكنها تعطيل مشروع «الوراثة العائلية». وهذا ما يضفي السرية على فكرة التعديلات من بدايتها، أو كما يرى مسؤول اللجنة السياسية في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان أنها «إملاءات» لا «تعديلات»، مشيراً الى أنه «لا أحد يعلم حتى الآن من وضع هذه التعديلات. قد تكون لجنة سرية هي التى تدير كل شيء فى الخفاء ولا أحد يعلم عنها شيئاً، حتى أعضاء الحزب الوطنى أنفسهم لم يشاركوا في تلك التعديلات، بل أُُمليت عليهم ليوافقوا عليها من دون مناقشة أو فرصة فى التغيير».
قد يكون هذا «شعوراً طبيعياً» من قيادي في «الجماعة»، التي ترى أن «التعديلات» في المقام الأول تهدف إلى تحجيمها وإبعادها عن ساحة العمل السياسي. الضربة القوية لـ«الإخوان» كانت في المادة الخامسة التي طلب مبارك تعديلها لتحظر أي عمل سياسي على أساس ديني، وهو ما يمنع قيام حزب لـ«الإخوان» في المستقبل، كما قد يجعل وجودهم الحالي فى مجلس الشعب غير «دستوري»، لأنهم نجحوا في الانتخابات تحت شعار «الإسلام هو الحل».
لكن «الإخوان» لعبوا على الطرف الاخر من الحبل، واستبدلوا الشعار بآخر هو «المادة الثانية هي الحل»، في إشارة إلى المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن «الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع»، والتي التقى الإخوان فيها مع غالبية الحزب الوطني، وعلى رأسهم جمال مبارك فى عدم المساس بها.
وفي مقابلهم، كانت رموز ليبرالية وعلمانية قد وقّعت عريضة تطالب بتعديل المادة، التي تخلط بين هوية الدولة المدنية والدينية.
وبعيداً عن اللعب على هوية الدولة بين «المدنية» و«الدينية»، فإن التعديلات تضرب المساحة التي يلعب فيها الإخوان بين «السري» و«العلني»، وبين «المحظور» و«الشرعي»، وهي مساحة «المستقلين» عن الأحزاب التي ألغت التعديلات وجودهم السياسي بتعديل نظام الانتخابات ليكون بالقائمة الحزبية النسبية، إضافة الى إلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات التي كانت تنص عليه المادة 88، واستبدالها بلجنة عامة على الانتخابات.
«مطبخ التعديلات» يقدّم مبرراً موضوعياً لفكرة تعديل الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، معتمداً على آراء تعلن رغبتها في عدم تورط القضاة في عملية سياسية تعطلهم عن دورهم الأساسي في المحاكم، وخصوصاً أن هناك اتجاهاً لكي تتم الانتخابات كلها فى يوم واحد وهو ما يعني «صعوبة الإشراف القضائي».
ويرى المستشار طارق البشري، النائب السابق لمجلس الدولة وأحد الفقهاء الدستوريين، أن التعديلات بتغييرها النظام الانتخابي تهدف أولاً، وقبل كل شيء الى «ترسيخ استمرار الوضع القائم والنظام الحالي». ويرى البشري أن الخطوة الأخطر فى تعديلات مبارك هي «إضفاء شرعية دستورية على الطوارئ وهو ما يؤكد ان النظام يريد إبقاء الوضع على ما هو عليه».
وما يقصده البشري هو المادة 179، التي ألغت 33 مادة من مواد الحريات فى الدستور لتمنح مشروع قانون الإرهاب دستورية تحصنه من الاعتراضات القضائية، في مقابل إلغاء منصب المدعي العام الاشتراكي، الذي اقره دستور 1971 ليكون بمثابة «قضاء استثنائي» يحمي الدولة في مواجهة خصومها السياسيين اولاً، ولكي يتيح مساحة أوسع لتدخل الدولة في قضايا الفساد. من المتوقع أن يحل «المدعي العام للإرهاب» محل «الاشتراكي»، وبدلاً من استثنائية «قانون الطوارئ»، الذى تُحكم به مصر منذ 27 عاماً، فإن تعديلات مبارك «ترغب في نص دستوري يسمح بإنشاء قانون جديد لمكافحة الإرهاب، يتيح الاقتراب من الحرية الشخصية، والقبض على الأفراد وتفتيشهم وحبسهم وتقييد حريتهم ومنعهم من التنقل من دون إذن قضائي ومن دون تحقيق قضائي وكذا انتهاك حرمة المساكن ودخولها وتفتيشها من دون أمر قضائي مسبب، وكذا إمكان التصنت ومراقبة المراسلات البريدية والمحادثات الهاتفية من دون إذن قضائي، وهذا يعني في مجمله أن كل الحقوق والحريات الشخصية والفردية للمواطنين ستكون في خطر بالغ ويمكن أن يُقضى عليها تحت دعوى مكافحة الإرهاب»، بحسب الدراسة التى وضعها المركز العربي لاستقلال القضاء و المحاماة.
وأعلن رئيس حزب «الوفد» الدكتور محمود أباظة الحرب على التعديلات، بعد الموافقة الأولية. كما وصفها رئيس حزب التجمع الدكتور رفعت السعيد بأنها تشبه «تفصيل بدلة على مقاس زبون واحد». وقال أبو العز الحريري، نائب رئيس «التجمع»، إن «التعديلات الدستورية تغلق أي ثُغَر وأمل في التغيير عندما تقوم بتحصين مبادئ الطوارئ بالدستور».
عصام العريان يرى أن التعديلات بهذه الطريقة تشير الى أن النظام مشرف على النهاية وأن «التغيير القادم لن يكون تغييراً سلمياً بل سيكون أقرب إلى انقلاب في القصر. وأظنّ أن من سيقوم بالانقلاب هم عقلاء داخل النظام الحالي».
ورغم اختلاف الأهداف الفكرية والعقائدية التقى «الإخوان» وحركة «كفاية» مع قوى أخرى محظورة مثل حزب «العمل» و«الاشتراكيين الثوريين»، في صياغة عريضة رفض للتعديلات، فصّلت رفض التعديلات بالآتي:
1 - إن هذه التعديلات لا ترضي طموح الشعب المصري بل تُعد اعتداءً على حقوقه فى التعبير عن نفسه وإرادته.
2 – إن هذه التعديلات تكرس استعباد الشعب خارج معادلة الحكم وذلك بإلغاء المادة (88) الخاصة بالإشراف القضائي على الانتخابات حيث إن إلغاءها يسمح بتزوير إرادةالشعب.
3 – إن تعديل المادة 179 بالنص على قانون للإرهاب أسوأ من قانون الطوارئ يعصف بثلاث وثلاثين مادة من الدستور ــــ باب الحريات وباب سيادة القانون ــــ التي تصون الحريات العامة والخاصة للمواطنين وتُخضع الجميع لسيادة القانون، وتحمي استقلال القضاء وحصانته.
4 – لقد تم تعديل المادة 76 مرتين الأولى من أجل التمديد في العام الماضي والثانية من أجل التوريث هذه المرة والشعب المصري يرفض مبدأي التمديد والتوريث فنحن شعب يرفض الاستعباد.
5 – إن عدم تعديل المادة 77 يؤدي إلى حكم أبدي ويمنع التداول السلمي للسلطة ويكرس الفساد ويصادر حق الشعب في اختيار حاكمه.
العريضة لا تزال قيد التنفيذ وتجمع اليسار واليمين، العلماني والأصولي، فى اشارة الى «تيارات خارج الشرعية» و«محظورة»، هي التي ستقود المعارضة ضد انقلاب مبارك المضاد على الديموقراطية. وهذا يعطي ملمحاً غامضاً بعض الشيء للمستقبل، فلا أحد يعرف بالضبط ماذا سيحدث اذا اختفى مبارك فجأة، وبدستور يحصن القمع والاعتداء على الحرية؟


102 نائب يفترشون البرلمان احتجاجاً على «اغتيال الدستور»


القاهرة ـــ عبد الحفيظ سعد

بدأ 102 نائب من المعارضة المصرية أمس اعتصاماً داخل مجلس الشعب، يستمر لمدة ثلاثة أيام، احتجاجاً على التعديلات الدستورية، التي بدأ المجلس بمناقشتها، تمهيداً للموافقة عليها قبل طرحها للاستفتاء في النصف الثاني من شهر نيسان المقبل.
وافترش النواب المعتصمون، من جماعة الاخوان المسلمين والمستقلين وحزب الكرامة واثنان من نواب حزب الوفد، ارضية حديقة البرلمان، ونصبوا سرادق عزاء تعبيراً عن «وفاة الشرعية الدستورية».
وارتدى النواب أوشحة سوداءَ كُتب عليها «لا للانقلاب الدستوري»، ورفعوا لافتاتٍ كُتِبَ عليها «لا للمحاكمات العسكرية، لا لمصادرة الحريات، لا لزوار الفجر»، في إشارة الى الشرطة المصرية.
واعلن النواب المعترضون انسحابهم أمس من أولى الجلسات التي خُصصت لمناقشة التعديلات الدستورية.
وفي السياق، قال رئيس كتلة الاخوان البرلمانية، محمد سعد الكتاتني، إن النواب «يترجمون رفض سيطرة الحزب الوطني الحاكم لهذه التعديلات، التي يتعامل معها من وجهة نظر أحادية، وهي خطوة لكشف تمرير التعديلات التي لا تعبر عن مصلحة الوطن وأهدافه في إصلاح سياسي حقيقي».
وأوضح الكتاتني أن أهم أسباب رفض التعديلات هي «أنها تُقصي طوائف كثيرة من الشعب المصري عن ممارسة حقوقها، وكذلك الصياغة التي أتت بها المواد الدستورية المعدلة، إضافةً إلى إقصاء القضاة عن الإشراف الحقيقي على الانتخابات، فضلاً عن أن إقرار هذه التعديلات سيزيد من تكبيل الحريات والاعتداء على حرياتهم الشخصية».
بدوره، قال وكيل مؤسس حزب الكرامة حمادين صباحي، إن نواب الإخوان والمستقلين والكرامة «خرجوا في هذا اليوم المشهود للإعلان عن رفضهم القاطع لجريمة اغتيال الدستور المصري التي يرتكبها الحزب الوطني، وإدانة هذه التعديلات التي يُقدم عليها النظام بدم بارد».
من جانبه، رأى المتحدث باسم كتلة المستقلين في البرلمان المصري جمال زهران ان موقف الانسحاب من جلسات مناقشة تعديل الدستور «اردنا من خلاله اثبات عدم تورطنا فى جريمة اغتيال الدستور، حتى يتحمل الحزب الوطنى وقادته مسؤولية التعديلات امام الشعب والتاريخ»، واصفاً هذه التعديلات بأنها «كارثة بكل المقاييس، ويكفي انها تمهد لتزوير الانتخابات، وتسعى لكبح الحريات، بل إنها تكرس بقاء قانون الطوارئ في الدستور».
في هذا الوقت، بدأ مجلس الشعب، برئاسة فتحي سرور، بمناقشة تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية عن طلب رئيس الجمهورية حسني مبارك تعديل 34 مادة من مواد الدستور. وتستغرق المناقشات ست جلسات صباحية ومسائية يصوّت في نهايتها النواب المشاركون، علماً أن الموافقة على التعديل تتطلب تصويت ثلثي الأعضاء بالإيجاب.