باريس ــ بسّام الطيارة
قلّد الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس زعيم الأكثرية النيابية النائب سعد الحريري وساماً من رتبة فارس، بحضور أبرز وجوه «١٤ آذار»، تقدمهم رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، إضافة إلى النائبة بهية الحريري.
وقال شيراك، خلال الحفل، إن فرنسا «ستبقى غداً مثل اليوم وفية للبنان وللبنانيين». وبرّر منح الوسام بأنه «للإشادة بدور سعد الحريري ونضاله إلى جانب أكثرية ١٤ آذار وحكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة من أجل استقلال تام للبنان، ولما يراه من لبنان كمركز مشع وملتقى وملجأ استقرار وتسامح في منطقة تسودها الاضطرابات».
ونوّه شيراك بجهود النائب الحريري من «أجل صداقة بين لبنان وفرنسا مبنية على أواصر القلب وعلى التاريخ والتمسك المشترك بأسمى قيم الحرية والاحترام والحوار».
وعقد شيراك مع كل من جعجع وجنبلاط والحريري اجتماعاً مغلقاً، اعتبره أكثر من شخص مقرّب إلى الفريق الثلاثي «لقاء وداع». إلا أن مقربين من جعجع قالوا إن لديه برنامجاً للاجتماع بمحازبيه لتنظيم صفوفهم.
ورغم عدم تسرّب أي معلومات رسمية عن مضمون النقاشات، إلا أن مصادر موثوق بها، أكدت أن البحث لا بد أن يصب في «جولة أفق واسعة تتجاوز الحدود اللبنانية»، وخصوصاً أن هذا اللقاء هو الأخير الذي يستطيع الرئيس الفرنسي أن يدعم به حلفاءه «بشكل رسمي باسم الجمهورية الفرنسية».
وكانت للبنانيين مجموعة تحركات سبقت الحفل في الإليزيه؛ فقد فاجأ جعجع المصلين في كنيسة سيدة لبنان المارونية حيث حضر قداس الظهيرة قبل أن يتوجه لاجتماع لبناني مغلق في أوتيل رفاييل، حيث يقيم جنبلاط.
وتحدثت مصادر مقربة من «١٤ آذار» عن اجتماعات مكثفة للناشطين فيه مع المسؤولين اللبنانيين للتحضير للفترة المقبلة. إذ إنه من المتوقع أن ينقل الفريق اللبناني للرئيس شيراك، بحسب هذه المصادر، نتيجة لقاءات النائب الحريري مع رئيس المجلس نبيه بري التي حسب قولهم «لم تعط أي نتيجة حتى الآن». وفي المقابل، بحسب هذه المصادر المقربة من القوات اللبنانية، فإنه «يمكن التباحث بمسألة قانون المحكمة إلا أن المعارضة لا تتقدم حتى الآن بأي ملاحظات في شأن هذا القانون».
ومن هنا، تكتسب جولة المباحثات مع شيراك أهمية كبرى بالنسبة إلى فريق الأكثرية، إذ إن الرئيس الفرنسي، بحسب مصدر دبلوماسي مقرّب من الملف اللبناني، «لا يفهم الفارق بين ١٠ وزراء للمعارضة ووزير محايد و١١ وزيراً للمعارضة»، ما دامت الموافقة على المحكمة مؤمنة حسب ما تواتر إلى المراجع الفرنسية.
ويرى البعض أن فرنسا على لسان شيراك كانت أول من فتح كوة في ملف المحكمة المغلق، حين قالت «بإمكان إعادة درس قانون المحكمة ليكون منصفاً». ويتخوّف هؤلاء من أن يمثّل ضغط شيراك «للحصول على تقدّم ملموس قبل خروجه من القصر» نوعاً من «التراخي لدى تيار المستقبل» يمكن أن يضعف تماسك كتلة الأكثرية.
ويؤكد دبلوماسيون عرب في باريس أن شيراك يحاول منذ مدة «تليين موقف الأكثرية» للوصول إلى حلحلة الوضع الداخلي، لأنه على يقين من أن «المنطقة مقبلة على تفاعلات عميقة يمكن أن تعيد خلط الأوراق» بشكل يخرج المسألة اللبنانية من واجهة الأحداث. وهو يتخوف من أن تمثّل هذه التقلبات ضغطاً «لا يستطيع لبنان مقاومته».
ومن هنا، يشير البعض إلى أن فريق «١٤ آذار» رأى في حفل تقليد الوسام مناسبة ليطرح أمام شيراك «مجمل ما وصل إليه الحريري خلال لقاءاته مع بري» من جهة، ومحاولة للانفتاح على المرشح اليميني نيكولا ساركوزي من جهة أخرى، بحيث يمكن استشفاف بعض توجهاته في ما يتعلق بالملف اللبناني، بعيداً عن أضواء الحملة الانتخابية وضروراتها المكبّلة للكلام الصريح.
ولم يتأكد بعد ما إذا كان ساركوزي حضر الاجتماع الرباعي بين شيراك وجعجع والحريري وجنبلاط.
إلا أنه لا يستبعد أن يحاول شيراك جس نبض رد فعل ساركوزي على ما يدور من طروحات بين بري والحريري، وأن يكون هذا «ضمن سلة التحفيزات» التي يحضرها شيراك قبل إعلان دعمه العلني في انتخابات الرئاســة.
إلا أن بعض المراقبين يرون أن هذه الخطوة، التي هي إجابة عن طلب زعيم تيار المستقبل للإبقاء على بعض الخطوط المفتوحة مع مراكز القرار في باريس، يمكن أن تمثّل بعض الإحراج لبعض حلفائه اللبنانيين، وفي مقدمتهم الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار اليسار الديموقراطي الذين لهم مواقف على الساحة الفرنسية يمكن وصفها بالمقربة من المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال.