strong>علي شهاب
احتمالات نشوب مواجهة عسكرية بين إيران والولايات
المتحدة تتجاوز في تداعياتها الرقعة الجغرافية في الشرق الأوسط، لتشمل العالم بأسره، من حيث الآثار الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية، فما هي الأوراق المتوافرة لدى واشنطن وطهران، في حال الدخول في مواجهة مفترضة؟

يتطلّب الإعداد لأي حرب مستلزمات مسبقة تسهّل تحقيق الأهداف. في حال طهران، تقول واشنطن إنها تريد وقف البرنامج النووي الإيراني، خشية خروجه عن مساره باتجاه تصنيع اسلحة نووية. غير أن التدقيق في المعطيات الواقعية يكشف قصوراً أميركياً في القدرة على وضع خطط ضربة عسكرية محتملة.
الحرب الأمنية
قبل أيام قليلة، كشف تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت ستة من دبلوماسييها إلى مدينة دبي الإماراتية بهدف العمل على جمع معلومات استخبارية عن القدرات العسكرية لإيران، في إشارة واضحة إلى نقص بنيوي في المعلومات الموجودة داخل غرف العمليات العسكرية الأميركية عن القدرات الإيرانية.
وتجدر الاشارة إلى أن معظم الدراسات الغربية، في الآونة الأخيرة، تتجه نحو حسم فشل نظرية الضربة الجوية الخاطفة، لاعتبارات جمة، يعددها الخبير النووي فرانك بارنابي، في تقرير نشرته مجموعة اوكسفورد للأبحاث، في السابع من آذار الجاري.
فإضافة إلى المعلومات «غير الصحيحة» للاستخبارات عن المنشآت النووية الإيرانية، بحسب تأكيد مصادر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يرسم بارنابي سيناريو رد الفعل الايراني، عقب تنفيذ اي هجوم، باستشراف الخطوات التالية:
ـــ ستلجأ ايران إلى استخدام وقود نووي مخزّن ونقي لتصنيع اليورانيوم المشبع في منشأة طرد صغيرة لصنع سلاح.
ـــ ستنزع مادة البلوتونيوم بواسطة عمليات كيميائية من مفاعل بوشهر أو من آراك، وستستخدمها لتصنيع سلاح نووي.
ـــ ستقوم ايران بتركيب آلات طرد جديدة وتصنيع اليورانيوم المشبع، مع الاشارة الى أن طهران «قد تكون خبأت آلات طرد إضافية في أماكن محمية».
ـــ ستكون هذه العملية مستعجلة إذا كانت إيران تتزود سراً بمادة سداسي فلوريد اليورانيوم، أو أنشأت مفاعلاً صغيراً بدائياً مزوداً باليورانيوم الطبيعي لتصنيع البلوتونيوم الضروري لإنتاج سلاح نووي، مع الإشارة إلى فرضية أن شراء مواد إضافية لازمة من السوق السوداءويشير بارنابي، الذي شغل منصب مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام منذ عام 1971 حتى عام 1981، الى أنه بإمكان ايران «تصنيع قنبلة نووية، خلال أشهر، لا سنوات، عقب أي هجوم عسكري»، مشدداً على أن النظرية القائلة إن «الهجمات العسكرية ستوفر المزيد من الوقت، هو خاطئ، لأن هذه النظرية لا تأخذ في الحساب الوقت المتوفر للمسائل الدبلوماسية، وتضخم احتمال نجاح العملية العسكرية، وتقلّل من أهمية التصميم الإيراني الصلب الذي قد يؤدي إلى برنامج نووي في حالة طوارئ».
في الجهة المقابلة، تبدو يد ايران ممتلئة عند الخوض في الجانب الاستخباري لـ «العدو» الأميركي. اعلان المرشد الأعلى للثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي أن «مصالح أميركا ستضرب في كل أنحاء العالم» إذا تعرضت إيران لأي هجوم، إشارة واضحة إلى القدرة الايرانية.
اتهامات الاميركيين أنفسهم تعزز هذه القدرة. يتحدّث الأميركيون عن «خلايا نائمة» تنتظر أوامر طهران في أوروبا وكندا وأميركا اللاتينية، إضافة إلى انتقال هذا «الهاجس» الى داخل الولايات المتحدة نفسها.
وفي هذا السياق، نقل موقع «القمة الاستخبارية» الإلكتروني، الذي يضم مسؤولين سابقين في الاستخبارات الأميركية أخيراً عن مسؤولين في شرطة نيويورك خشيتهم من تنفيذ هجمات ايرانية ضد أهداف داخل العاصمة المالية الاميركية في حال وقوع مواجهة بين الطرفين.
الحرب البريةوفي هذا الإطار، اصدر الخبيران في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية «سي اس أي أس» أنطوني كوردسمان وخالد رودحان تقريراً أخيراً عرضا فيه القدرات العسكرية الايرانية، ومن بينها البرية.
ويشير التقرير إلى أن الجيش الإيراني يتمتع بحجم كبير من القوات البرية مقارنة بجيوش دول الخليج، حيث شهد عدد الدبابات الموضوعة في الخدمة زيادة ملحوظة في السنوات الاخيرة، فارتفع من 1135 في عام 2000 إلى 1613 عام 2006، مع الإشارة إلى أن 480 من هذه الدبابات هي من طراز «تي 72» الروسية.
ويذكر التقرير أن إيران تستورد الصواريخ المضادة للمدرعات من روسيا والصين وأوكرانيا، وتصنعها محلياً طبقاً للنماذج السوفياتية التي تمتلكها. وتنتج المصانع الحربية المحلية قاذفات الصواريخ المتعددة، مع ملاحظة أن بنية القدرات الدفاعية الايرانية تقوم على عقيدة دفاعية في طبيعتها، أي القتال على ارض يعرفها الايرانيون جيداًتجدر الاشارة الى ازدياد حجم الإنفاق العسكري الايراني، بحسب تقرير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، في السنوات الماضية، بسبب ارتفاع صادرات النفط من 23 مليار دولار عام 2000 إلى 62 ملياراً عام 2006، الأمر الذي ساهم في تطوير الصناعات العسكرية المحلية.
في المقابل، ينتشر ما يقارب من 138 ألف جندي أميركي في كل من العراق وأفغانستان. والمفارقة أن التحليلات العسكرية تشير إلى هذا العدد الضخم للجيوش الاميركية في المنطقة باعتباره نقطة ضعف في الحسابات الأميركية، الى حد أن تقريراً صدر عن منتدى النزاعات البريطاني، بُعيد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، رأى أنه «اذا ما شنت الولايات المتحدة هجوماً على الحكومة الايرانية، فسيصبح 138 الف جندي أميركي في العراق (وأفغانستان) أسرى لدى الشيعة».
وبالتالي لا يبدو الحديث عن قدرات بريّة أميركية في مواجهة محتملة مع ايران منطقياً.
الحرب الجوية والبحرية
لعل سيناريو شن سلاح الجو الأميركي ضربات سريعة على المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية هو الأكثر تداولاً في الأروقة العسكرية الأميركية، ذلك أنه بمقدور المقاتلات الأميركية الانطلاق من حاملات طائرات تنتشر في الخليج أو من قواعد جوية في دول مجاورة، على أن تترافق هذه الخطوة مع حصار بحري يتم فرضه على ايران.
وفي السياق، تواصل الولايات المتحدة تعزيز حشودها العسكرية في المنطقة؛ فوصلت حاملة الطائرات «يو اس اس جون» في شهر شباط الماضي، لتنضم الى الحاملة الأخرى «يو اس اس دوايت ايزنهاور»، علماً بأن هذه هي المرة الأولى التي تحشد فيها الولايات المتحدة حاملتي طائرات في الخليج، منذ غزو العراق في عام 2003.
وتردّ ايران على عروض القوة الاميركية في الخليج باجراء مناورات بين الفينة والأخرى، تستعرض فيها اسلحة وصواريخ جديدة. ولعل أبرز هذه المناورات، تلك التي انطلقت في 31 آذار الماضي، تحتاسم مناورات «الرسول الأعظم»، واتخذت من الشواطئ الايرانية على الخليج مسرحاً لها. وفي اليوم الأول من بدء المناورات، أعلنت ايران عن صاروخ «الشبح» أرض ـــ بحر، الذي يتميّز بدقته العالية وقدرته على تجنّب الرادار. وصاروخ «كوثر» المتوسط المدى، بالاضافة إلى زورق طائر حديث.
ومع أن طهران لم تعلن «رسمياً» نيتها تعطيل مضيق هرمز في حال نشوب حرب اميركية علبها، فإن استخدام ألغام بحرية في المناورات المذكورة، وكشفها عن طوربيد سرعته 100 متر في الثانية تحت الماء أطلقت عليه اسم «حوت»، والطائرة المائية الهجومية، كلها إشارات إلى خطط طهران.
ويدل تقرير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية على نقص في المعلومات الاستخبارية بشأن قدرات إيران العسكرية البحرية.
أما في ما يتعلق بسلاح الجو الايراني، فيشير التقرير إلى أن القوات الجوية تتألف من 52 الف عنصر، و300 مقاتلة عسكرية، معظمها روسي الصنع (يتضمن الاسطول الجوي الايراني مقاتلات اعتراضية من طراز «ميغ 29»، وقاذفات «سوخوي 25»)، علماً بأن طهران كشفت في الآونة الأخيرة عن مقاتلة محلية الصنع، تحاكي الـ «أف 18» الأميركية، أطلقت عليها اسم «صاعقة»، خلال مناورات «ضربة ذو الفقار» في شهر ايلول الماضي.
ويقود الحديث عن أوراق القوة الايرانية إلى الصواريخ الباليستية، التي تمثّل تهديداً، لا للقوات الاميركية في المنطقة فحسب، بل لاسرائيل وأوروبا الغربية، حيث يصل المدى المعلن لـ «شهاب3» إلى 2000 كيلومتر، مع الاشارة الى أن غرفة ادارة نيران الصواريخ اصبحت قادرة على الاستفادة من قمر التجسس «سينا 1»، الأمر الذي يعزز دقة اصابة الصواريخ بنسبة خطأ تصل الى متر واحد فقط.
وتشمل الترسانة الصاروخية الايرانية صاروخ «شهاب1» الذي يصل مداه الى 330 كيلومتراً، و«شهاب 2»، الذي يبلغ مداه 700 كيلومتر، في وقت تتزايد فيه تكهنات الخبراء بشأن الجيلين الخامس والسادس من صاروخ «شهاب»، بما يؤمن مدى يصل حتى عشرة آلاف كيلومتر.
وبالاضافة الى تشكيلة الصواريخ هذه، عززت طهران من دفاعاتها الأرضية في مواجهة الطيران المعادي بشراء أنظمة صواريخ «تور أم 1» القادرة على صد المقاتلات الاميركية طراز «أف 16» و«أف 16 إي» المطوّرة وتدميرها.
وقد أوضحت وكالة «انترفاكس» الروسية أن نظام «تور أم 1» هذا «قادر على تحديد 48 هدفاً معادياً، أي طائرة أو صاروخ معادي، وضرب هدفين في وقت واحد على ارتفاع 20 ألف قدم».
ويمتلك الجيش الايراني نظام «ميثاق 2» النقّال والمضاد للطائرات وهو محلي الصنع. وإذا صدقت المخاوف الاميركية من حصول ايران على انظمة الدفاع الروسية الجوية البعيدة المدى «أس 300»، فإن طهران تكون قد أكملت تحصين أجوائها بالكامل.
في المقابل، تعتمد الولايات المتحدة على شبكة من صواريخ «باتريوت باك 3»، التي أعلن عنها الرئيس الاميركي جورج بوش، لدى كشفه عن استراتيجيته الجديدة بشأن العراق.
إن معطيات مماثلة هي التي دفعت القائد الأسبق للقيادة الأميركية الوسطى جوزف هوارد والمدير السابق لمركز المعلومات الدفاعية الاميركية جاك شانهان والجنرال روبرت غارد، من مركز السيطرة على الأسلحة ونشر أسلحة الدمار الشامل في واشنطن، إلى بعث رسالة، من خلال صحيفة «صاندي تايمز» البريطانية مطلع الشهر الجاري، الى رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير لمناشدته التدخل لمنع أي هجوم عسكري على ايران، فهل يستجيب الرئيس الاميركي جورج بوش لجنرالاته؟ أم يهرب الى الأمام بفتح جبهة جديدة مع ايران، قبل أن يغادر البيت الأبيض؟