strong>القاهرة ــ عبد الحفيظ سعد
غليــان في الشـارع وتوتّــر داخل الحكــومة ومبــارك يبــرّر التعــديلات بضمــانها عــدم الاقتتــال الطائفي

تعيش مصر اليوم بكلّ أطيافها السياسيّة يوماً طويلاً أضحت تسمية «يوم الاستفتاء الصعب» صالحة عليه؛ ففيما لا يضمن ناشطو المعارضة قضاء ليلتهم في بيوتهم، وخصوصاً مع بدء حملة اعتقالات واسعة في أوساطهم، تخشى الحكومة من حدوث أي شيء يمكن أن يعكّر صفو السيناريو الذي أعدّته جيّداً.
وأصابت حالة الاستنفار شوارع القاهرة أمس، مع احتلال آليّات الأمن المركزي والشرطة لوسط العاصمة بأكمله. وقمع عناصر الشرطة اعتصاماً دعت إليه حركة «كفاية»، محتجزين جميع المصريّين الموجودين في ميدان «طلعت حرب»، ومستثنين فقط المراسلين الأجانب الذين كان لهم حظّ «الرعاية الحكوميّة»، وخصوصاً بعد أن عقد جمال مبارك، نجل الرئيس حسني مبارك ورئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني الديموقراطي، مؤتمراً صحافيّاً حول «التعديلات» وحصر حضوره بهم.
وجاء مؤتمر جمال مبارك، بعد ساعات قليلة من انتقادات وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للتعديلات معتبرةً إيّاها «معوقة للديموقراطية»، وكردّ عليها. وقد أفاد أحد المسؤولين أنّ مؤتمراً ثانياً سيُعقد اليوم، أثناء عمليّة الاستفتاء.
وتزامن المؤتمر مع قيام الشرطة بإلقاء القبض على 25 من الناشطين في «كفاية»، وتمّ شحنهم في عربات الأمن المركزي إلى منطقة المعادي جنوب القاهرة، بعد رشّ المتظاهرين بمواد كيميائيّة ومنع الحركة تماماً من الدخول إلى «ميدان التحرير» حيث كان مقرّ إجراء الاعتصام.
وتحصّن حوالى 150 من المتظاهرين في باحة مبنى نقابة الصحافيين بعد أن فرّقهم ما يزيد على 1500 شرطي وجندي.
وأكّد مصدر أمني لـ«الأخبار» أنّ «تعليمات عليا» صدرت بمنع أيّ تظاهرات ضدّ الاستفتاء، وأن الشرطة «ستتعامل بحزم مع المتظاهرين»، في وقت حذّرت فيه الداخليّة المصريّة المعارضة من «أيّ خروج عن القواعد العامّة وتعطيل حركة المرور».
وتأتي هذه الأحداث بعدما كانت المعارضة المصرية قد فشلت فى وقف الاستفتاء بالأساليب القانونية، واصطدمت مطالبها برفض محكمة القضاء الإداري طعنين، يطالبان بوقف الاستفتاء، وإحالة ثلاثة طعون أخرى الى المحكمة الدستورية العليا. بينما قبلت المحكمة طعناً آخر تقدّم به البرلمانيّ المستقلّ محمّد العمدة ينتقد فيه قرار عدم تخصيص قاضٍ لكلّ لجنة فرعية أثناء الاقتراع على تعديل الدستور، إلّا أنّ الداخلية المصريّة قدّمت «استشكالاً قانونياً» فى الحكم يمكّنها من إجراء الاستفتاء بشكل قانوني.
ومن ناحية أخرى، شدّد المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» محمّد مهدي عاكف على أنّ «التعديلات المزمع الاستفتاءُ عليها تخدم المشروع الصهيو ــــ أميركي»، معتبراً إيّاها «إجراءً غير مسؤول لضرب المعارضة وفي القلب منها جماعة الإخوان» ومحذّراً من أنّ «النظام يسعى إلى تقنين استبداده، بتغيير المواد الدستورية وسط الاعتقالات التي شملت خيرة أبناء الوطن، وتحويلهم إلى المحاكمات العسكرية».
وأوضح عاكف أنّ جماعته «لن تغيّر مناهجها وخططها التي تسعى إلى الإصلاح، مهما حدث من تعديلات في الدستور المقصود منها اغتيال الإخوان والمعارضة من طريق النظام».
وكان عضو الكتلة البرلمانية لـ«الإخوان» علي لبن قد تقدّم بـ«طلب إحاطة» إلى رئيس الوزراء المصري ضدّ تصريحات شيخ الأزهر محمد سيّد طنطاوي، التي أكّد فيها أنّ مقاطعة الاستفتاء تعدّ بمثابة «كتمان للشهادة».
ورأى لبن أنّ تلك التصريحات مخالفة للدستور وللقانون، إذ تنصّ قوانين الأزهر على أنّ مجمع البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا التي لها حق إبداء الرأي فى هذه القضايا. وقال إنّه «رغم احترامنا لتصريحات شيخ الأزهر، إلّا أنّ الأزهر مؤسّسة عالمية، ولا بد أن يكون أيّ رأي يمثله صادراً عن مجمع البحوث الإسلامية».
وكان طنطانوي قد اعتبر في مؤتمر صحافي، الجمعة الماضي، أنّ «على كل مواطن أن يدلي بصوته، ولا أحد سيجبره على اختيار ما لا يريده، فمن حقّه أن يرفض التعديلات أو يؤيدها».
وكانت القوى السياسية المصرية المعارضة من أحزاب وقوى ومنظمات المجتمع المدني قد اتّخذت قراراً موحّداً بمقاطعة الاستفتاء على «التعديلات»، ودعت المصريين إلى مقاطعة الاستفتاء اليوم، الذي سيشمل التصويت على تعديل 34 مادة من الدستور.
وبرّرت المعارضة موقفها الموحّد، الذي اتّخذه كل فصيل على حدة، على قاعدة أنّ «الحزب الوطني الحاكم تسلّط واستخدم غالبيّته البرلمانيّة وسلق التعديلات الدستورية في أقل من 48 ساعةً، وقدّم موعد الاستفتاء عليها من بدايةِ نيسان المقبل إلى اليوم».
وفيما يرى محللون أنّ التعديلات تستهدف بشكل رئيسي جماعة «الإخوان»، وهي الحركة التي أصبحت أكبر قوّة معارضة في مصر في انتخابات عام 2005 والتي تعارض أي محاولة لتنصيب جمال مبارك رئيساً مقبلاً خلفاً لوالده، قال الرئيس مبارك إنّ «حظر الأحزاب الدينية يستهدف منع أيّ صراع بين المسلمين والأقليّة المسيحية، التي تمثّل نحو عشرة في المئة من السكان».
وأضاف مبارك، في كلمة ألقاها في مدينة أسيوط في جنوب البلاد، «كنت مدركاً أنّ قوّة مصر تكمن فى وحدة شعبها، وواعياً لمحاولات مستمرّة لإحداث وقيعة بين مسلمي الوطن وأقباطه، ومتحسّباً ممّا تشهده دول عزيزة علينا من فتن الطائفية والانقسام».
وتابع مبارك «علمت من دروس التاريخ وحياتنا السياسية قبل الثورة وبعدها ومن موروثنا الثقافي الممتدّ لقرون عديدة، مخاطر خلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين»، لافتاً إلى أنّ التعديلات «جاءت لتعطي دفعة جديدة لأنشطة الأحزاب باعتبارها عصب الحياة السياسية ومحرّكها ولتقطع الطريق فى ذات الوقت على المتاجرة بالدين وممارسة العمل السياسي خارج الشرعيّة ومحاولات ضرب وحدة هذا الوطن بمسلميه وأقباطه».
ومضى الرئيس المصري يقول «كنت مقتنعاً بأنّ مصائر الأوطان والشعوب لا تترك فى مهب الريح، وأن أمن مصر واستقرارها هو خط أحمر لم ولن أسمح لأحد بتجاوزه، ولا أملك التفريط فى حمايته من مخاطر الإرهاب وتهديداته».



strong>التعديلات إجراء غير مسؤول لضرب المعارضة وفي القلب منها جماعة الإخوان... والنظام يسعى إلى تقنين استبداده، بتغيير المواد الدستورية وسط الاعتقالات التي شملت خيرة أبناء الوطن، وتحويلهم إلى المحاكمات العسكرية