strong>حسام كنفاني
حيثيات كثيرة تقف خلف قرار المقاطعة الليبية للقمة العربية، ليس أقلها الخلاف مع السعودية، إلا أنها مرتبطة أكثر بالسعي الليبي إلى استحداث دور على الساحة الإقليمية، بعد الفشل المتتالي للعقيد معمر القذافي في المراهنة على العروبة و«الأفرقة»، وتلبية الشروط والمطالب الغربية من دون مقابل

  • توتّر علاقات طرابلس مع الرياض قاصر وحده عن تفسير مقاطعتها للقمة العربية

    عادة ما يكون الزعيم الليبي معمر القذافي نجم القمم العربية، سواء بمداخلته أو اقتراحاته أو قراراته، التي كان آخرها مقاطعة القمة العربية المقررة في الرياض بعد غد الأربعاء، الأمر الذي استدعى وساطات عربية، لا تزال نتائجها غير محسومة لجهة عودة ليبيا عن قرارها أو مشاركة القذافي شخصياً، مع ما لذلك من دلالات بالنظر إلى تاريخ العلاقة الليبية ــــ السعودية، ولا سيما في السنوات الأربع الأخيرة.
    حيثيات القرار الليبي لم تتطرق صراحةً إلى الخلاف مع السعودية كأحد أسباب المقاطعة، إلا أنها عبّرت، بشكل غير مباشر، عن اعتراضها على عقد القمة في الرياض، بعدما قررت قمة الخرطوم العام الماضي استضافة دولة المقر (الجامعة العربية)، أي القاهرة، اجتماعات القمم العربية الدورية، إلا إذا رغبت الدولة، التي من المتوقع أن ترأس القمة، استضافتها.
    وكانت السعودية قد أعلنت تنازلها للقاهرة عن عقد القمة على أراضيها، إلا أنها تراجعت عن قرارها، الأمر الذي وصفه أمين لجنة العلاقات الخارجية الليبي (وزير الخارجية) عبد الرحمن شلقم بأنه «خلل إجرائي»، متسائلاً «من قام بتغيير قرار قمة الخرطوم؟».
    أسباب المقاطعة الليبية تضمّنت أيضاً معطيات سياسية، أبرزها تهميش ليبيا في تقرير السياسة العربية، التي بات من المتعارف عليه أن السعودية والقاهرة تقودانها. ورغم أن شلقم لم يسمِّ بلاده بشكل صريح، إلا أنه أشار إلى «تهميش اتحاد المغرب العربي»، الذي يبدو انه الوجهة الجديدة للقذافي بعد فشله في الجبهة الأفريقية، مستدلاً على ذلك بعدم مشاركة «أي من ممثليه في اجتماع إسلام أباد»، في إشارة إلى اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية السبع (السعودية ومصر والأردن والإمارات وتركيا وماليزيا، وباكستان)، «ولا في اجتماعات وزراء الخارجية في الأردن»، في إشارة إلى اجتماع وزراء خارجية الرباعية العربية (السعودية ومصر والأردن والإمارات)، معتبراً أن «المغرب العربي لا يعرف ماذا يدور في الكواليس».
    وحاول شلقم أيضاً في الحيثيات المساواة بين «تهميش» دول المغرب العربي وسوريا، مشدداً على «أهمية سوريا في المنطقة ودورها التاريخي».
    ويبدو أن أسباب المقاطعة الليبية غير متوقفة فقط على الخلاف مع السعودية، رغم ما شهدته العلاقات بين البلدين من مرحلة متوترة، وصلت إلى حد قطع العلاقات وسحب السفراء؛ فالقضية لها أيضاً أبعاد سياسية، وبحث عن دور في المنظومة العربية الجديدة، ولا سيما أن ليبيا قدمت فروض الولاء والطاعة للراعي الأميركي، وتنتظر الثمن، بحسب ما أعلن الزعيم الليبي بنفسه الشهر الماضي.
    مشادة شرم الشيخ وما بعدها
    شهدت العلاقات السعودية ــــ الليبية توتراً بعد المشادة الشهيرة في قمة شرم الشيخ لعام 2003 بين العقيد القذافي والملك السعودي، ولي العهد آنذاك، عبد الله، على خلفية اتهام القذافي للمك فهد بالتعاون مع الأميركيين للتخلص من الخطر العراقي، على حد تعبير القذافي، وهو ما رد عليه الأمير عبد الله بحدة، وانسحب من الجلسة.
    نجحت الوساطات خلال القمة وبعدها في التقريب بين الزعيمين، اللذين تصافحا في نهاية المؤتمر، إلا أن الأمور لم تعد إلى نصابها، فحفلت الصحف السعودية بالهجوم على القذافي، فيما حاولت الصحف الليبية تجنّب المشادة، وكأنها لم تكن.
    عاشت العلاقة بين البلدين شبه قطيعة، رغم نفي المسؤولين السعوديين والليبيين وجود أي أزمة، إلى أن تم في أواخر عام 2004 الكشف عن «مؤامرة» لاغتيال الأمير عبد الله.
    قصة المؤامرة
    الكشف عن «المؤامرة» تم في حزيران عام 2004 عبر صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، التي كشفت أن المشاركَين فيها أبلغا مسؤولين اميركيين وسعوديين أن الاستخبارات الليبية كانت تتآمر لاغتيال الأمير عبد الله عبر إطلاق صواريخ على موكبه. وقالت الصحيفة إن أحد المشاركين، ويدعى عبد الرحمن العمودي، وهو زعيم مسلم أميركي مسجون الآن في مدينة الاسكندرية في ولاية فيرجينيا، أبلغ مكتب التحقيقات الاتحادي «اف بي اي» ومدعين اتحاديين أن معمرالقذافي أقر خطة الاغتيال.
    وأضافت الصحيفة إن محمد اسماعيل، وهو ضابط استخبارات ليبي رهن الاحتجاز بالسعودية، أدلى أيضاً بأقوال منفصلة لمسؤولين سعوديين توضح المؤامرة، وإن الأوامر التي كانت لديه بأن يكون القائد الميداني للعملية جاءت من اثنين من رؤساء الاستخبارات الليبية، اللذين يتبعان القذافي مباشرة.
    وتشعبت خيوط الاتهامات لتصل إلى المعارضين السعوديين، وفي مقدمتهم سعد الفقيه، الذي اتهمته وسائل إعلام الرياض بتوفير عناصر بشرية للقيام بالعملية، التي رصد لها مليون دولار كنفقات تنفيذ. وأشارت مصادر استخبارية آنذاك إلى أن العمودي واسماعيل توجها الى لندن للقاء الفقيه وقاما بتوزيع اكثر من مليوني دولار نقداً في العاصمة البريطانية. وكان من المقرر ان يتلقى كل من المشاركين في عملية الاغتيال مبلغ مليون دولار نقداً في مقابل ذلك.
    وقد اعتقلت سلطات الأمن في الرياض أربعة سعوديين، بعد ملاحقتها تحويلات ليبية بقيمة مليون دولار، قيل إنها لتأمين زيارة زوجة القذافي إلى المملكة، حسبما ذكرت مصادر صحافية سعودية.
    وفي كانون الأول 2004، وصلت الخلافات إلى ذروتها مع طلب الرياض من السفير الليبي مغادرة المملكة، بعدما سحبت سفيرها من الجماهيرية على خلفية ما كشف عن المؤامرة، رغم نفي طرابلس، التي اتهمت بدورها السعودية في مطلع تموز 2005 بتنظيم مؤتمر المعارضة الليبية في لندن، الذي طالب برحيل العقيد القذافي.
    غير أن القطيعة لم تستمر طويلاً، وكانت وفاة الملك السعودي فهد في الثاني من آب 2005 مناسبة لعودة بعض الود إلى العلاقات، مع وصول أحمد قذاف الدم، الموفد الخاص للزعيم الليبي، إلى الرياض لتقديم التعزية، التي تبعها تطبيع جزئي، فعاد السفير السعودي لدى طرابلس محمد الطاسجي إلى مقر عمله، والسفير الليبي محمد سعيد القشاط إلى الرياض في كانون الأول عام 2005.
    الأبعاد السياسية
    الحيثيات السياسية التي أعلنها شلقم، لتبرير قرار المقاطعة الليبية، تبعها هجوم عنيف من الصحف الليبية على القمة العربية، التي وصفتها بأنها «قمة دفن القضية الفلسطينية» وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما دفع ليبيا إلى التهديد بطرد اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها تحت ذريعة «حمايتهم من المؤامرة».
    غير أن هذا الهجوم وإضفاء طابع الحامي للثوابت والحقوق العربية، لا يعكس بالضرورة حقيقة الاستياء الليبي من تفرّد «جهات بعينها بتحديد جدول أعمال الجامعة العربية، وليس عبر التشاور بين أعضاء الجامعة»، حسبما أعلن شلقم نفسه.
    قد يكون هذا الاستئياء الليبي مرتبطاً بتعاظم دور السعودية وريادتها في الملفات العربية، ولا سيما في السنوات القليلة الماضية، التي تبعت تسلم الملك عبد الله زمام الحكم، وأثبتت خلالها المملكة قدرتها على الإمساك بخيوط الأزمات، وأن تكون لها الكلمة المسموعة في آلية حلها، سواء في الأراضي الفلسطينية أو العراق أو لبنان أو الملف النووي الإيراني.
    الاستياء الليبي من منظومة العمل العربي، ليست وليدة ساعاتها، بل قد تكون نتاج تراكمات بدأت قبل المشادة الشهيرة في شرم الشيخ، حيث كانت طرابلس قد أعلنت رسمياً في تشرين الأول عام 2002 نيتها الانسحاب من الجامعة العربية، فيما أعلن القذافي بنفسه الانسحاب في الثالث من آذار عام 2003 بعد المشادة، مشيراً إلى ان «الوقت قد حان لكي نعيش عصر الفضاء الأفريقي بأبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية»، وحذر من أن «الاستمرار في إطار الدولة الوطنية سيضع العرب في مهب الريح». كما أعلن القذافي ان العرب خسروا معركة القومية العربية وفشلوا في تحقيق مشروعهم التاريخي منذ انشاء الجامعة العربية عام 1945. إلا أن وساطات عربية قادتها مصر والجزائر واليمن خصوصاً جمّدت القرار الليبي.
    التوجّه الأفريقي
    لعل تجاهل القمة العربية لما سمي «أفكار القذافي»، ورؤيته لحل الصراع في الشرق الأوسط عبر إقامة دولة «إسراطين»، والتهكّم عليها، رغم إنشاء لجنة عربية لدراستها، كان من الأسباب التي دفعت ليبيا إلى إعلان إسقاط عضويتها العربية، والتوجه إلى أفريقيا، لتحقيق مجموعة من الأهداف، أولها الرغبة في إيجاد عمق استراتيجي يوفر لها الدعم السياسي والعسكري والمعنوي في مواجهة أي خطر محتمل؛ وخاصة أن المساندة العربية لليبيا خلال الحصار الذي فرض عليها بعد حادث لوكربي، كانت ضعيفة، فيما كان الدعم الأفريقي لطرابلس واضحاً خلال الأزمة. من أبرز تعبيرات الدعم الأفريقية ذلك القرار الذي اتخذه قادة الدول الأفريقية في القمة الرابعة والثلاثين التي عقدت في واغادوغو (1998)، والذي أعطوا فيه مهلة للدول الغربية (ثلاثة أشهر) لإنهاء الحصار الجوي على ليبيا. كما قام رؤساء تسع دول أفريقية بخرق الحصار الجوي بطائراتهم والمشاركة في احتفالات ليبيا بثورة الفاتح، وهو ما شجّع القذافي على المضي في تطبيق تطلعاته في الفضاء الأفريقي.
    غير أن التغلغل الأميركي في أفريقيا أوقف المشروع الليبي، وأعاده إلى النقطة الصفر، ما استدعى ليونة ليبية تجاه الغرب، بدأت بالاعتراف بالمسؤولية المدنية عن حادثة لوكربي ودفع تعويضات لضحايا طائرة «بان أميركان» التي انفجرت عام 1988. كما أعلن الزعيم الليبي تخلي بلاده عن البرنامج النووي، ما أثمر رفعاً جزئياً للعقوبات عن طرابلس، ورفع اسمها عن قائمة الإرهاب الأميركية.
    وقد أعلن القذافي صراحة أن الثمن الذي حصلت عليه بلاده لا يساوي إعلانها التخلي عن برنامجها النووي، في إشارة إلى أن ليبيا لم تحظ بالدور الذي كان يأمله زعيمها إقليمياً، على غرار ما كان حاصلاً قبل انهيار الاتحاد السوفياتي في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان القرار والأموال الليبية فاعلة على الساحة العربية، ولا سيما في الساحة الفلسطينية ولبنان واليمن.
    البحث عن دور يدفع القذافي اليوم إلى اتحاد المغرب العربي، وإشارة شلقم إلى تهميشه لم تأت خارج مضمون سياسي تريده ليبيا، ولا سيما أنها تحاول منذ فترة إعادة العمل بالقمة المغاربية، إلا انها تصطدم دائماً بخلافات أطرافها، ولا سيما الجزائر والمغرب.


    المشادّةوقال القذافي، خلال مداخلته، إنه «عندما اجتاح العراق الكويت عام 1990، اتصلت بالملك السعودي فهد وقلت له إن المعلومات التي عندي تقول إن القوات الأميركية تتدفق على السعودية». وأضاف إن الملك السعودي رد عليه بالقول «أميركا دولة عظمى، والعراق له نيات باجتياح السعودية بعد الكويت، ولهذا فقد أصبح العراق مصدر قلق لدول الجوار في الخليج، وأميركا أصبحت حامية لتلك الدول».
    وأضاف القذافي إن الملك فهد قال له إن السعودية ستلجأ إلى الولايات المتحدة لمواجهة الخطر العراقي، وإنها على استعداد «للتحالف مع الشيطان» لدرء التهديد العراقي.
    لكن الأمير عبد الله قاطعه على الفور قائلاً «كلامك مردود عليه، السعودية ليست عميلة للاستعمار، أنت من جاء بك إلى الحكم؟ لا تتكلم في أشياء ليس لك فيها حظ ولا نصيب،
    الكذب أمامك والقبر قدامك».