باريس ــ بسّام الطيارة
أربعة أسابيع فقط تفصل بين جهود المرشحين للرئاسة الفرنسيّة، وموعد الدورة الأولى. يستغلّها مسؤولو الحملات الانتخابية للنبش في خبايا المجتمع الفرنسي وطيّاته العميقة بحثاً عن أفكار وشعارات يظنون أنها تمكنهم من إغراء بعض شرائح طبقات معينة من المجتمع الفرنسي ما زالت مترددة، أو جذب تأييد بعض من مؤيدي مرشح آخر.
وهكذا، غصّت الوسائل الإعلامية بالحديث عن «الهوية الوطنيّة والمهاجرين»، وهو شعار كان حتّى الأمس القريب، من المكوّنات الحصريّة لحملة ممثّل اليمين المتطرّف جان ماري لوبن قبل أن ينتزعه منه مرشح الحزب الحاكم والوريث السياسي للرئيس جاك شيراك، نيكولا ساركوزي، وتلوينه على شاكلة «وزارة للهوية الوطنية والمهاجرين».
وكان لهذا الطرح ردّة فعل سلبية وقويّة جداً حتى لدى أقرب المقرّبين من ساركوزي، سبّبها الخوف من الخلط بين الهوية الوطنية والمهاجرين، ما يعيد التذكير بالطروحات العصرية وتأجيج أُوارها.
وبدورها، التفّت مرشّحة الحزب الاشتراكي سيغولين رويال على هذا الشعار، وأخذت منه ما يتعلّق بالهوية الوطنية، وأضافت إليه العلم الوطني إلى جانب النشيد الوطني الذي بات يختم لقاءات حزبها الانتخابية، للمرّة الأولى، عوضاً عن «نشيد الأممية الاشتراكية». وقد برّرت رويال ذلك بـ«عدم وجوب ترك الشعارات الوطنية القوميّة بين يدي اليمين»، كي لا يستخدمها كسلاح عنصري ضدّ المهاجرين.
لكن بين مؤيّد ومعارض لاستعمال «الشعارت القومية» في الحملة الانتخابية، تختبئ طبقة كبيرة من الفرنسيين، وتسعى هذه الشعارات القومية لجذب تأييدها، وهي الطبقات العاملة، التي تتأثر كثيراً بالشعارات الوطنية القومية، بعدما «ملّت تصديق الوعود على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي» التي، إن اختلفت أشكالها، فإنها في ضوء انصهار فرنسا في الاتحاد الأوروبي وفي شباك العولمة، باتت متشابهة من حيث المضمون.
وبحسب آخر الإحصاءات الرسمية، يمكن تصنيف ما يزيد على 6 ملايين فرنسي في عداد الطبقة العاملة بالمفهوم الكلاسيكي، أي إنّ ٢٤ في المئة من الفرنسيين، الذين يمارسون مهنة، يصنّفون عمّالاً، ويؤلّف الذكور نحو ٨٠ في المئة منهم.
وتفيد مؤسّسات الإحصاء الرسمية بأن 3.4 ملايين من هؤلاء العمال لا تتجاوز رواتبهم الحدّ الأدنى للأجور، أي «١٢٥٥ يورو». غير أنّ 12.5 في المئة من هؤلاء العمال عاطلون من العمل، و٨٠ في المئة من عروض العمل التي يتلقّونها هي «لفترة محدودة وغير مضمونة».
نظرة بسيطة على هذه الأرقام تفسّر هواجس المرشّحين بطروحات «تؤثّر بالدرجة الأولى بالطبقة العاملة»؛ فانتقال أصوات العمّال من الصبّ لمصلحة التروتسكيين والشيوعيين إلى اليمين، سبّبه بروز «العامل الوطني القومي»، حيث تؤكّد الدراسات المذكورة أنّ ما يزيد على ٦٠ في المئة من العمّال صوّتوا لليمين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وهكذا، يمكن فهم الربط الذي يقوم به بعض المرشحين بين الهوية الوطنية والمهاجرين. ألم يخسر الحزب الشيوعي الفرنسي أصوات العمّال بسبب وقوفه مع قضايا المهاجرين في السابق؟
العمّال الفرنسيّون يرون في المهاجر يداً عاملة مضاربة ومنافسة لهم، وقد أتت العولمة وتغيير أنماط الإنتاج لتجعل من مقولة لينين: «يا عمّال العالم اتحدوا» شعاراً لا يصلح للانتخابات في الدول المتقدّمة، كما هو الحال في الدول النامية.