strong>غزة ــ رائد لافي
حالة الفوضى الداخلية الفلسطينية والاجتياحات الإسرائيلية، مآسٍ غير كافية للفلسطينيين، حتى تُضاف إليها سيول المياه الآسنة التي اجتاحت إحدى القرى في غزة، فقتلت أربعة وشرّدت المئات

«تسونامي»... وصف تناقلته ألسن الناجين من قرية أم النصر شمال قطاع غزة، التي تشتّت سكانها بين قتيل وجريح ومشرّد، بفعل المياه الآسنة والرمال التي غمرت منازلهم في ساعة مبكرة من صباح أمس.
فقد دهمت المياه الآسنة والرمال نحو 250 منزلاً في القرية المتواضعة، المعروفة شعبياً باسم «القرية البدوية»، بشكل مفاجئ، بينما كان الكثيرون من السكان، وخصوصاً النساء والأطفال، يغطون في النوم، إثر انهيار السواتر الترابية المحيطة بحوض الصرف الصحي المطل على القرية من مكان مرتفع.
وتدفقت المياه من الحوض المقام على مساحة 20 دونماً، كالسيل، نحو منازل القرية المنخفضة، التي لا تتجاوز مساحتها نصف كيلومتر مربع، فجرفت كل ما في طريقها.
وبدت القرية وكأنها تعرضت لزلزال شديد، فسيل المياه والرمال غمر المنازل والسيارات والأراضي الزراعية ودمرها، ليختلط كل شيء في القرية، وتغيب معالمها البسيطة.
وفقد المواطن الفلسطيني سالم أبو عتيق صوابه، وهام على وجهه بحثاً عمّن ينتشل طفله الرضيع محمد (عام واحد) من تحت المياه الآسنة والرمال التي غمرت منزله المسقوف بالصفيح في القرية.
وغابت الكلمات عن سالم الذي فقد أمه وطفله، فلم يتوقّف عن التهديد بقتل من قام ببناء حوض الصرف الصحي، ولم يجد أمامه سوى الصراخ وقول جملة واحدة «سأطخ (أطلق النار) المسؤول عن الحوض بين عينيه».
وقتل في الكارثة أربعة من سكان القرية هم عجوز ستّينية، وفتاة، وطفلان، فيما حال وجود الرجال في أعمالهم، والأطفال في مدارسهم دون وقوع «كارثة حقيقية» بين سكان القرية التي يقطنها نحو 5 آلاف نسمة.
ووجد سالم كما بقية سكان القرية نفسه مشرداً بلا مأوى يأويه وأسرته المكوّنة من تسعة أفراد.
وتحوّلت أراضي القرية إلى «بحيرة» من المياه الآسنة والرمال، فلم يجد السكان أمامهم من سبيل سوى السباحة، واستخدام المراكب وألواح «الزينكو» للمساعدة على إجلاء المصابين.
وبدا المشهد مأساوياً لأطفال القرية الذين عادوا من مدارسهم، فراحوا يبكون باحثين عن ذويهم الذين شرّدتهم الكارثة. ولم تستطع الطفلة سماح (10 سنوات) تحديد مكان منزلها، وأخذت تتنقل بين المنازل المدمرة، سائلةً الجيران عن أبيها وأمها وأشقائها، فيما الجميع منهمكون في مصائبهم الشخصية.
ودفعت الكارثة المواطن إسماعيل أبو قليق وأسرته إلى الهرب من أمام السيل المنهمر، ليتذكر بعد هدوء العاصفة المائية، أنه نسي ابنته سلوى (5 سنوات) نائمة في المنزل.
عاد إسماعيل أدراجه إلى المنزل، أو ما كان منزلاً قبل لحظات، فلم تسعه الفرحة عندما رأى سلوى فوق تلة رملية على ارتفاع ثلاثة أمتار داخل غرفتها، تجهش بالبكاء بحثاً عمن ينقذها.
ووسط فرحته بنجاة ابنته الوحيدة، بدا الحزن ظاهراً على إسماعيل الذي يقطن القرية منذ سنوات، إذ وصف ما حدث بأنه «تسونامي مياه آسنة». وأشار إلى أن سكان القرية لطالما حذّروا الجهات المعنية من خطورة هذا الحوض، متسائلاً «ألا يكفي تهميش القرية وانعدام الخدمات حتى نُصاب أيضاً بهذه الكارثة المأساوية».
وصبّ سكان القرية جام غضبهم على الحكومة، وحمّلوها المسؤولية عن التقاعس عن خدمتهم، وعكسوا غضبهم على وزير الداخلية هاني القواسمي الذي زار القرية عقب الكارثة.
وحاول عدد من السكان الاعتداء على القواسمي بالأيدي والشتائم، فأطلق مرافقوه النار في الهواء لتفريق الحشود، وتأمين انسحابه من المنطقة، فأصيب اثنان من المرافقين بجروح نتيجة التدافع.
وقرر القواسمي، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد أبو هلال، «تأليف لجنة تحقيق جادة لمعرفة أسباب وقوع الكارثة، وتحديد المسؤول عنها تمهيداً للمحاسبة».
من جهتها، رأت حركة حماس التي تقود الحكومة أن ما حدث من انهيار لحوض المياه في القرية لم يأت إلا نتيجة توقّف المساعدات الدولية المقدّمة إلى الشعب الفلسطيني.