هآرتس ـــ يوئيل ماركوس
... الاعتراف بالفشل وتلفظ عبارة «عفوك أيها الشعب» لا يظهران عندنا في أي قاموس. المسؤولية عندنا لا تتوقف عند طاولة القائد كما كان الرئيس ترومان قد قال في السابق. هذه المسؤولية تنتقل إلى الأمام، إما للأعلى وإما للأسفل من خلال لجان التحقيق التي تلقي بالمسؤولية من يد إلى أخرى إلى أن تتوقف عند أحد ما، وليس بالضرورة عند المسؤول الحقيقي.
لجنة كاهان التي حققت في مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان قررت وجوب نقل وزير الدفاع (أرييل شارون) من منصبه، إلا أنها لم تُحمِّل رئيس الوزراء مناحيم بيغن أي مسؤولية، الذي لم نكن لنصل إلى حرب لبنان الأولى من دون أوامره. لم تمر فترة طويلة حتى تحول شارون إلى شخصية مركزية في السياسة الإسرائيلية وفي الليكود. دوريات المناوبة التي حملت لافتات كُتب عليها «قاتل» قبالة منزل بيغن، حطمته وأدت إلى انهياره النفسي واستقالته السقيمة. شارون لم يتحمل المسؤولية عن المذبحة قط، مُعللاً ذلك بأن «العرب هم الذين قتلوا العرب».
لجنة أغرانات التي حققت في حرب يوم الغفران حمّلت رئيس هيئة الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، المسؤولية، إلا أنها لم تتطرق لفشل المستوى السياسي. الشهادات التي قُدمت أمام اللجنة أُخفيت لعشرات السنين، بحيث لم يعرف أحد كيف استطاع المحامون تخليص رئيس الوزراء ووزير الدفاع من مسؤوليتهما، لا بل إن موشيه ديان وغولدا مئير انتُخبا للكنيست مجدداً، إلا أنهما اضطرا إلى الاستقالة بعد أشهر بضغط من الرأي العام الغاضب.
في لجنة فينوغراد، التي عوّل عليها إيهود أولمرت لتخليصه من المسؤولية، حدث أمر غير متوقع واسمه: عضوة الكنيست زهافا غلؤون. غلؤون استطاعت إجبار اللجنة من خلال محكمة العدل العليا على نشر شهادات أولمرت وشمعون بيريز وعامير بيرتس قبل نشر التقرير الأولي. في غضون ذلك، نشرت شهادة بيريز، نائب رئيس الوزراء، واللواء عاموس مالكا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» سابقاً. شهادة اولمرت تُركت لليلة الفصح. إلا أن أولمرت (أو مقربيه) قرروا إبراز روايتهم المُغرضة من خلال تسريب مقاطع مختارة من شهادته في صحيفة «هآرتس» و«معاريف».
أولمرت رفع عن نفسه مسؤولية العملية المتسرعة مُدعياً أن خطة الرد الكبرى قد أعدها الجيش قبل ذلك بأربعة أشهر. و«بنك الأهداف» كان محدداً منذ عهد شارون. «البنك» يشتمل على مواقع الصواريخ البعيدة المدى التي كشف ضربها في الليلة الأولى لحزب الله ما لم نرغب في أن نعرفه. ويُعتقد حالياً أن إيران ستزود حزب الله من الآن فصاعداً صواريخ أطول مدى مع أماكن إخفاء سنضطر للبحث عنها واكتشافها من جديد.
أولمرت سُئل خلال إدلائه بشهادته عن سبب اختياره لبيرتس وزيراً للدفاع، رغم معرفته بأنه لا يمتلك أي خبرة في مجال الدفاع. رده كان غريباً: «حقيبة الدفاع أُعطيت لحزب العمل في إطار الالتزام الائتلافي، وهذا الحزب أعطى الوزارة لبيرتس». هذا كلام صحيح، لكنه ليس دقيقاً. أولمرت رغب في أن يكون صديقه ابراهام هيرشيزون في وزارة المالية: هل يمكنه في نظرة إلى الوراء أن يُقدر ما الذي كان أكثر ضرراً؟
القنبلة الكبرى ألقاها شمعون بيريز، الذي وجه الانتقادات لإدارة الحرب وللطريقة التي تمت المصادقة عليها من خلالها. قال: «لو اعتمد الأمر علي لما دخلت هذه الحرب... الجيش لم يكن مستعداً للمعركة، ونتائجها أضرت بصورة إسرائيل في العالم وأضعفت قوة الردع في نظر العرب». لماذا أيد الحرب إذاً؟ هل مقابل الرئاسة؟
ليس مُهماً كيف سيخرج أولمرت من لجنة فينوغراد، إلا أنه أصبح بمثابة بطة عرجاء بدرجة كبيرة. رئيس الوزراء فقد ما بقي من مكانته الاعتبارية والثقة التي كانت لديه امتداداً لشارون، كما أنه فقد أيضاً قدرته على مواجهة التحديات المركبة والعاجلة التي نواجهها. لا خطة الانطواء التي تفاخر بها، ولا مبادرة من أجل التسوية. هو فشل كقائد، وعليه أن يُغادر.