strong>أوميديا ــ زيف ماؤور
«القاعدة» في لبنان. ظاهرة تثير قلق كثيرين، بينهم إسرائيل. في ما يلي دراسة إسرائيلية مترجمة، نشرها موقع «أوميديا» للأبحاث، تسلّط الضوء على مقاربة لهذه الظاهرة من وجهة نظر أكاديمية

ثمة ظاهرة جديدة في لبنان تنشأ تحت أنوفنا، وهي تردّ على هوامش الأخبار. هذه الدولة موجودة الآن في مرحلة تشبه وضع البيادق على الرقعة. ويتوقع أن تكون لعبة الشطرنج التي ستأتي بعد ذلك شبيهة بحمام الدم الذي يشطف العراق حالياً.
هناك منظمتان متماهيتان مع القاعدة بدأتا تتموضعان في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد. الأولى، هي «عصبة الأنصار»، الموجودة في «عين الحلوة»، وتعد الفصيل الأكبر الذي يوالي القاعدة في لبنان. ويدير هذا الفصيل محطة تلفزيون بيتية تابعة للشيخ المحلي، جمال خطاد، وهي تقوم بغسل أدمغة الجيل الشاب في المخيم لكي يضحي بنفسه في سبيل الجهاد. وتبث المحطة خطابات ورسائل بطولية لأسامة بن لادن. كما انها تبث لمدة 12 ساعة في اليوم كليبات لأهالٍ فخورين، يصفون بطولة أبنائهم الذين استشهدوا في صحارى العراق.
وترسل «عصبة الأنصار» شباباً من عين الحلوة إلى العراق، لكن أخيراً، وكجزء من يقظة الإرهاب السنّي في لبنان، ثمة استعداد لدى هذه المنظمة للعمل داخل لبنان نفسه.
مخيم نهر البارد، شمالي طرابلس، هو بيت منظمة إرهابية غضة، وأكثر خطورة، هي «فتح الإسلام». مهندس الإرهاب شاكر العبسي، شريك الزرقاوي سابقاً، أنشأ ميليشيا تعدّ 150 مقاتلاً خلال أربعة أشهر فقط. وعدا عن المقاتلين المدرّبين، يخضع لإمرة العبسي أيضاً مدنيون مستعدون للقتال حتى الموت لحظة الاستحقاق.
الأيدي المقيّدة للحكومة اللبنانية
إزاء هذه الظاهرة، التي أصبحت علنية، يطرح السؤال نفسه، لماذا لا تتحرك الحكومة اللبنانية لوقف تشكّل أعشاش الإرهاب في المخيمات الفلسطينية؟
هناك سببان لذلك. الأول عملي: القوى الأمنية اللبنانية غير مؤهلة لمواجهة هذا التهديد.
السبب الثاني سياسي: لبنان اليوم بلد قابل للانفجار. وهناك طرف ثالث في هذا الصراع: حزب الله والشيعة.
يبدو الأمر من الخارج كلعبة شطرنج مع ثلاثة لاعبين. إنها معادلة معقدة من المصالح والولاءات المتداخلة. لكن لا داعي لتشريحها من أجل التوصل إلى استنتاج واضح واحد: لن يمكن أن ينتج هذا الأمر خيراً.
إرهاب برعاية إدارة بوش
لكن، هل توجد حقاً مصلحة للحكومة اللبنانية في التعرض للبنى التحتية للإرهاب السني في مناطقها؟ كما ذكر، العدو الأول لهذه المنظمات هم الشيعة، ويمكن الافتراض أن استقرارها سيقود، عاجلاً أو آجلاً، إلى صدام طويل وعنيف بين حزب الله وبين ممثلي القاعدة في لبنان. وبما أن حزب الله هو التهديد الأكثر جدية الذي تواجهه الحكومة اللبنانية الحالية المعتدلة، فإنه من الممكن جداً أن يكون استقرار هذه المنظمات أفضل للمعتدلين.
الصحافي الأميركي، سيمور هيرش، كان قد نشر تحقيقاً أوضح فيه أن وجود القاعدة في لبنان لا يتم فقط بعلم الحكومة، وإنما أيضاً بمساعدة فاعلة منها. ونقل هيرش عن مسؤول رفيع سابق في الاستخبارات الأميركية قوله «نحن في عملية تعزيز قدرات السنّة لمعارضة الشيعة، ونحن نوزع ما يقتضيه الأمر من أموال من أجل هذا الهدف»، أي إن جهات أميركية تساعد بشكل فاعل تموضع القاعدة في لبنان. هذا التقرير المثير يمكن ويجب أن يطرح علامات تعجب. لكن من المعلوم أن الشرق الأوسط هو منطقة المفارقات الصارخة، واحتمال أن يساعد الأميركيون القاعدة وارد بالتأكيد، برغم أنها المنظمة التي فجرت البرجين في نيويورك وتقتل الجنود الأميركيين في العراق. ويجب ألا ننسى أن هذه المنظمة وصلت إلى قوتها من خلال الدعم غير المباشر من الولايات المتحدة بهدف مقارعة الشيوعية السوفياتية في أفغانستان.
لكن لماذا؟
الفائدة المتوخاة ظاهرياً من مساعدة السنّة بالنسبة للحكومة اللبنانية مفهومة: فالسنّة سيقاتلون حزب الله، وعلى الأقل بإمكانهم إشغاله وإبعاده عن الانشغال بالحكومة، إذا لم يزيلوا التهديد الذي يمثله. لكن هناك على الأقل ثلاثة سيناريوهات تحوّل هذا المسار إلى شديد الخطورة:
السيناريو الأول: ثمة الكثير مما يمكن لحكومة السنيورة أن تتعلمه من العلاقة بين الحكومة السعودية وبين القاعدة التي نشأت في منظومتها التربوية قبل أن تبدأ السعي إلى إسقاطها. يمكن أن نقدر أن علاقات مشابهة ستسود بين القاعدة في لبنان وبين الحكومة اللبنانية. قد يواجه الإرهابيون السنّة حزب الله، إلا أن ذلك سيكون مقدمة لتوجيه سيوفهم إلى الخلف لمهاجمة الحكومة الراعية لهم، على خلفية ولائها للغرب.
السيناريو الثاني يثير الكثير من القلق. ثمة مثل عند العرب يقول «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب». إن دعم الحكومة اللبنانية للإرهاب السني يرتكز إلى أنه سينهض في نهاية المطاف وينقضّ على حزب الله ويقوّضه. لكن ثمة إمكانية أخرى، هي أن يتمرد المولود على والده، ويتحالف مع حزب الله من أجل تقويض الحكومة. هذا ممكن رغم كل التوتر بينهما.
السيناريو الثالث هو الأكثر واقعية. السلطة المعتدلة في لبنان هي نتاج مواطنين معتدلين يسعون إلى الرفاهية والراحة. ولذلك، حتى لو جرت الحرب السنية ـــ الشيعية كما تخطط لها الحكومة، لا شك في أن الأمر سيؤثر على مستوى المعيشة في لبنان، الأمر الذي سيؤدي إلى هجرة المعتدلين، ومعهم سيرحل أساس الدعم الوحيد للحكومة المعتدلة في لبنان.
أين موقع إسرائيل في ذلك؟
إضافة إلى الأهمية الكبيرة لفهم وإدراك ما يحصل وراء حدودنا الشمالية، هناك نقطة في هذه القصة توجب التأمل الخاص.
إن نشوء خلايا للقاعدة داخل مخيمات اللاجئين في لبنان هو المرة الأولى، على ما يبدو، التي يحصل فيها ارتباط منظم بين القاعدة وبين الفلسطينيين. حتى الآن، لم ينجح القاعدة في التجذر داخل السلطة الفلسطينية. السبب المقبول الذي يفسر هذا الأمر هو أن المنظمات الفلسطينية الكبيرة متحالفة مع إيران، المعادية للقاعدة.
مع ذلك، فإن حلفاً بين الفلسطينيين والقاعدة في لبنان يمكن أن يتسرب بسهولة إلى السلطة الفلسطينية، وخاصة إلى الفراغ الإرهابي الذي تولّد في الضفة الغربية. ولذلك، على قوى الأمن والاستخبارات الإسرائيلية أن تعدّ نفسها لهذا السيناريو.
إذا كانت جهات أميركية حقاً تساعد السنّة في لبنان، فإنه يمكن تفسير ذلك بأن إدارة بوش تحاول، من جهة، التأثير في الشرق الأوسط واستهداف المصالح الإيرانية، ومن جهة أخرى، القيام بذلك من دون التورط بانتشار عسكري في لبنان.
إن تاريخ القرن العشرين يشهد عدداً غير قليل من الحالات التي أنشأت فيها جهات غربية منظمات إرهابية لكي تقاتل منظمات إرهابية أخرى. إلا أن التاريخ نفسه يظهر أيضاً أن هذه المنظمات لا تسارع إلى حل نفسها بعد أن تستكمل مهمتها، وإنما تتمرد على من أوجدها وتتسبب بالضرر للغرب وثقافته. نأمل أن يكون الغرب قد تعلّم هذه العبر، وأن يكون قد أخذ كل السيناريوهات في الحسبان عند إقدامه على إنشاء منظمات إرهابية سنّية في لبنان.