strong>موسكو ــ حبيب فوعاني
«سيمفونيّة الربيع»، عنوان أطلق على مراسم افتتاح السنة الصينيّة في روسيا. والمناسبة مميّزة لأنّ الحدث جاء تكريماً للرئيس الصيني هو جينتاو الذي زار موسكو لثلاثة أيّام، من 26 إلى 28 الشهر الجاري، وأجرى مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مباحثات امتدّت من الاقتصاد والطاقة إلى معضلات السياسة الدوليّة مروراً بكيفيّة التعاطي مع عالم القطبيّة الواحدة.
وتعدّ زيارة الزعيم الصيني، وهي الثالثة منذ مجيئه إلى السلطة في آذار 2003، دليلاً على الاهتمام الذي توليه بكين للتعاون مع العاصمة الروسيّة، حيث ينوي الجانب الصيني إجراء 200 نشاط في روسيا لا تقل ضخامةً عن النشاطات الروسية، التي كانت قد أقيمت في إطار عام روسيا في الصين سنة 2004، وتكلّللت بنجاح كبير على حدّ وصف المصادر الروسيّة.
ووصف بوتين المحادثات مع نظيره الصيني بأنها تأكيد جديد على الطابع الاستراتيجي للشراكة بين البلدين، حيث «يتقدم بنشاط الحوار السياسي، وتكتسب الروابط الإنسانية والعملية وتائر جديدة، ويتعزز بوضوح التعاون المشترك في القضايا الإقليمية والدولية».
من ناحيته، وصف الرئيس الصيني المباحثات بـ «المثمرة». وقال إنّه «جرى بيننا تبادل آراء متشعّب حول قضايا تعميق التعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات، وكذلك حول المشكلات الإقليمية والدولية الراهنة. وقد توصلنا إلى اتفاقات هامّة».
وناقش الرئيسان المشكلة النووية الإيرانية وتوصلا إلى استنتاج مفاده أن حل هذا النزاع يجب أن يتم بوسائل سلمية. ودعَوَا طهران إلى اتّخاذ الخطوات البناءة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية لطاقة الذرية، مشدّدين على أنّها تملك الحق في استغلال الطاقة النووية السلمية بشرط التزامها تعهداتها.
ودعا الطرفان إلى المؤازرة النشطة لجهود المجتمع الدولي وخصوصاً «رباعية الشرق الأوسط» لتسوية الوضع في المنطقة، مشيرين إلى أنّ «الصيغة الفعّالة لتحقيق هذه الجهود هي المؤتمر الدولي حول الشرق الأوسط المعدّ بالطريقة الملائمة»، على حدّ تعبير بيان مشترك بعد المحادثات.
وشدّد الجانبان على أهميّة ارتكاز عملية إصلاح الأمم المتحدة على أوسع توافق بين الدول الأعضاء، كما اتفقا على الدفع لإقامة «النظام الدولي المتعدّد القطب» وإرساء مبدأ الديموقراطية في العلاقات الدولية والاحترام المطلق للقوانين الدولية.
وفي الجانب الاقتصادي، الحيوي جدّاً بين البلدين حيث يتخطّى مستوى التبادل التجاري بينهما الـ 29 مليار دولار، تمّ الاتّفاق على تعميق التعاون في مجال الطاقة وإنشاء غرفة تجارية لتقنيات الآليات.
وأشرف الرئيسان على توقيع شركات صينية وروسية 21 عقداً بقيمة بلغت 4 مليارات دولار. منها المختصّة بالفضاء لاستكشاف المريخ، وبالشؤون الجمركية، إلى جانب توقيع اتفاقية تعزيز التعاون في مجال نقل النفط الروسي إلى الصين بواسطة القطارات ورفع حجمه من 11 مليون طن إلى 15 مليون طن سنوياً.
إلّا أنّ بذور خلافات تبقى موجودة. ورغم الحديث عن الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، حيث يوافق التقارب الصيني-الروسي نظرية رئيس الوزراء الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف حول المثلث الروسي - الهندي - الصيني المتعدّد الأقطاب في مواجهة القطب الأميركي الأوحد، يشوب العلاقات الاقتصادية بين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم (الصين) وثاني أكبر مصدّر له (روسيا) بعض الخلافات.
وتتمثّل العقبات في مسائل مثل مدّ فرع من خط أنبوب النفط الروسي إلى آسيا، ونظرة الروس - الرأسماليين الجدد بتخوّف إلى جارتهم الشرقية، وأرق الكرملين من التعاون العسكري والفني، حيث إنّ نوعية الأسلحة الروسية لم تعد تعجب العسكريين الصينيين، إلى جانب شكوى موسكو من عدم رغبة بكين في التعاون معها في حقل التكنولوجيا المتطوّرة.