باريس ــ بسّام الطيارة
سنة 2007 الفرنسية لم تحسم الجدل حول ترشيحات الرئاسة، ومدى نية الرئيس جاك شيراك الدخول في هذا السباق، أو تركه لوزير داخليته نيكولا ساركوزي، الذي بات رسمياً المرشح الوحيد للحزب الحاكم، إذا لم تشهد الأيام المقبلة مفاجآت تغيّر هذا الواقع

أطلّت السنة الجديدة حاملة باقة من الأخبار المتنوعة، يراها البعض جيدة والبعض الآخر سيئة، كل حسب مزاجه، مثل خبر ارتفاع مؤشر البورصة بنسبة كبيرة جداً، ما يعني أن الأثرياء زادوا ثراء، أو خبر عدد السيارات التي أحرقت في الضواحي خلال ليلة رأس السنة «لم يتجاوز الـ ٤٠٠ سيارة فقط» بتراجع كبير عن السنة الماضية، كذلك خبر عدد الموقوفين في الشانزيليزيه، الذي لم يتجاوز الـ١٥٠ مشاغباً، أو عن عدد الذين ينامون في العراء، فهو في ارتفاع دائم مع خبر أن الدولة تستعد لتقديم... خيم لهم.
ولكن ما لم تحمله سلة الأخبار كان «الخبر الذي كانت تنتظره فرنسا» حول ترشّح أو عدم ترشح جاك شيراك للانتخابات الرئاسية؛ فخطاب الرئيس الفرنسي التقليدي خلا من كل إشارة إلى هذا الأمر، كما خلا من الإشارة إلى ما يعيشه الفرنسيون من معاناة يومية وظل يحلق في العموميات والمبادئ الفضفاضة.
ويرى البعض أن غياب الحديث عن «الهموم الحقيقية الاجتماعية والاقتصادية لفرنسا» كان نوعاً من الاعتراف بعدم القدرة على «مرافقة الفرنسيين في دورة رئاسية ثالثة». ويقول مراقبون إن المديح الذي وجهه شيراك لنتائج عمل الحكومة «شبيه بضربة سيف في الماء»، فهو بات غير قادر على «تثمين ما قام به فريق رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان»، وهذا الأخير أضعف من أن يؤدي أي دور في المستقبل القريب.
ولكن هذا لم يمنع شيراك من محاولة تقليد نفسه دور «الحكم» موزعاً الإنذارات والتحذيرات؛ فهو حذر من المغامرين، الذين يريدون الغوص في تجارب جديدة، ورأى الجميع أنه يشير إلى طروحات ساركوزي والمرشحة الاشتراكية سيغولين رويال على السواء. وحذر من «سياسة الطوائف»، التي يدعو إليها وزير داخليته في سياق التحذير من التمييز العنصري واليمين المتطرف، في إشارة مباشرة إلى تماثل طروحات ساركوزي مع جان ماري لوبن، ممثل الجبهة الوطنية المتطرفة.
وقد زادت ميوعة خطاب شيراك في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لفرنسا، إذ على الرغم من وجود ما يزيد على ٣٤ ألف جندي فرنسي على مسارح العمليات في العالم، فهو لم يتطرق لأي من النقاط الساخنة حيث يشارك فرنسيون. وفي حين تبدو سنة ٢٠٠٧ كأنها سنة مخاض للعديد من المسائل العالقة التي يمكن أن تدفع العالم نحو فوهات براكين حروب وأزمات حادة، فقد اكتفى شيراك بالحديث عن أوروبا وآفاق التوسع الأوروبي، قبل أن ينتقل نحو آفاق البيئة ودور فرنسا الرائد في حفظها.
واتفق المعلقون على أن شيراك «أظهر من خلال خطابه أنه يودع تفاصيل الحياة السياسية»، ويود تسجيل نفسه في سياق الارتفاع عن الحرتقات السياسية اليومية. ويقول مراقب دبلوماسي في باريس إن الأحداث التي واكبت نهاية السنة، وخصوصاً في العراق، خففت من حماسة شيراك للتطرق إلى السياسة الخارجية. ويفسر ذلك بأن الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي أعلن عزمه على «إعادة تقييم سياسته في العراق» مع إمكان وجود «نوع من الانفتاح على مباحثات مع كل من سوريا وإيران»، قد يذهب باتجاه مخالف لما دفع إليه شيراك منذ سنتين.
ويضيف الدبلوماسي: «بما أن الرئيس لن يستطيع التأثير على مجريات الأمور في المئة يوم ونيف المتبقية له في الإليزيه»، فقد أحسن صنعاً بالتهرب من ملفات السياسة الخارجية المتعددة والمتنوعة والمتشابكة.
ويضيف بعض المراقبين أن شيراك قد فعل خيراً بتجنبه الحديث عن السياسة الخارجية، لأنه لو فعل لكان عليه التطرق لمسألة إعدام صدام حسين، وهذا موضوع شائك بالنسبة إليه، وخصوصاً أنه كان في السابق قد بنى علاقة جيدة جداً مع الزعيم العراقي الراحل في بداية صعود الأخير نحو السلطة. ويذكر الجميع أن صدام قام بزيارة وحيدة إلى أوروبا، وكانت لفرنسا في عهد رئاسة جاك شيراك للوزراء، وأنه تم، بمناسبة هذه الزيارة، التوقيع على أول عقد تعاون نووي بين البلدين أفضى إلى بناء «أوزيراك» (تموز) أول مفاعل نووي عراقي.
وبالتالي، فإن الحديث والتعليق على مسألة إعدام الرئيس السابق كان لا بد أن يثيرا شهية الإعلام لهذه الذكريات. إلا أن ساركوزي لم يفوّت هذه الفرصة، وهو إن لم يذهب مباشرة للتذكير بهذه العلاقة القديمة، فقد نشر مقالة في «اللوموند» أعطى فيه رأيه بمسألة إعدام صدام متأسفاً على «أنه لم يتم تسليط الأضواء على الماضي». وشدد ساركوزي على أن «إعدام صدام، الذي هو من أسوأ الرجال، كان خطأ»، معللاً ذلك بضرورة فتح كل ملفات ماضي الديكتاتور.
ويرى البعض أن ساركوزي أراد الاستفادة من هذه النافذة الإعلامية للانفتاح على السياسة الخارجية مع رمي بعض السهام لغريمه جاك شيراك، والتميّز في الوقت نفسه عن سيغولين رويال، التي قالت إن إعدام صدام حسين يثير لديها «شعوراً كبيراً بالاشمئزاز».
وكان حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، أكبر أحزاب اليمين الفرنسي، قد أعلن الأحد أن ساركوزي هو مرشح الحزب الوحيد لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة عام 2007، ما يجلعه المنافس الرئيسي لسيغولين روايال.
وكان أمام منافسي ساركوزي رسمياً حتى ظهر الأحد لإعلان ترشيحاتهم، التي يتعين لقبولها الحصول على موافقة 75 مستشاراً وطنياً من أعضاء الحزب.
وقال مدير الاتصالات في الحزب، فرانك لوفرييه، إن «نيكولا ساركوزي الوحيد الذي جمع موافقة العدد المطلوب من المستشارين الوطنيين للتقدم إلى الانتخابات التميهدية للحزب».
ومن المقرر أن يصوت أعضاء الحزب البالغ عددهم 327 ألفاً عبر الإنترنت على أن تعلن نتيجة التصويت في المؤتمر العام للحزب في 14 كانون الثاني المقبل، الذي ينتظر أن يحضره ما بين 30 إلى 50 ألف شخص.
إلا أن ترشيح وزير الداخلية الحالي لا يمنع، بموجب اللوائح الداخلية، مسؤولين آخرين في هذا الحزب، مثل الرئيس جاك شيراك، من ترشيح أنفسهم خارج إطار الحزب.