باريس ــ بسّام الطيارة
ارتفاع نسبة المسجلين في لوائح الشطب من أصول مهاجرة... والمرشحون «متفائلون»

تجري وسائل الإعلام الفرنسية في مطلع كل عام ما بات يعرف بـ«جردة حساب العام الماضي»، تخلط فيها الحدث الجميل بالحدث القبيح، والعاطل بالحسن، لتكوّن الإيجابيات منها بارقة أمل للسنة الجديدة، بينما تمثّل السلبيات نوعاً من «تُذكر ولا تعاد».
وعاشت فرنسا الأيام الأخيرة من السنة الماضية أجواء ترقب خوفاً من أن تتشابه نهاية عام 2006 بنهاية عام 2005، عندما اشتعلت المدن وأحرق «شباب الضواحي» بضع عشرات ألوف السيارات واشتبكوا مع الشرطة في معارك شوارع عنيفة، تركت آثارها لدى غالبية الفرنسيين.
ومن أسباب الترقّب أن العوامل التي أدت إلى «ثورة الضواحي» لا تزال موجودة. وكما يقول أحد النشطاء الاجتماعيين، «في الظروف والشروط المماثلة نحصل على نتائج مماثلة»، فالأسباب هي نفسها والظروف لم تتغير «لذا ليس من العجب أن تأتي النتائج نفسها».
البطالة لا تزال تضرب أرقاماً قياسية في الضواحي. انعدام الثقة بين رجال الأمن والشباب لا يزال على حاله، ولعبة الكر والفر بين «الفئران والهررة» تدور يومياً في الشوارع الخلفية لمناطق السكن الشعبية، التي تقطنها غالبيات مهاجرة، وخصوصاً من أصول عربية أو إسلامية.
وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، الذي يرى الكثيرون أن تصريحاته وتصرفاته كان لها دور في إشعال «ثورة المهاجرين»، لا يزال في موقعه، وهو لم يخفف لا من تصريحاته ولا من اجراءاته المتشددة، لا بل على العكس، فقد ضاعفها في اتجاه «تسريع طرد» الذين لا يحملون إقامات والمهاجرين الذين يدانون بأحكام قضائية، وهو ما تسميه الجمعيات الإنسانية «العقاب المزدوج» (فترة السجن يليها طرد من البلاد).
إضافة إلى كل ذلك، فالوزير اليميني الليبرالي، الذي يسعى من وراء تسليط الأضواء على المهاجرين والفرنسيين من أصول أجنبية، وخصوصاً العربية، إلى اصطياد أصوات الناخبين في مياه اليمين المتطرف، يحلق في طليعة سرب المتنافسين للوصول إلى قصر الرئاسة، وهو ما يقلق أطيافاً كبيرة من الفرنسيين، وخصوصاً الذين يتخوفون من تصلّب سياسة فرنسا تجاه الأجانب أو ذوي الأصول الأجنبية.
ويقول مسؤول أحد الأحياء في الضاحية، وهو مسلم من أصل أفريقي، إن «الظروف لم تتغير وتتجه إلى المزيد من التشدد لندفع نحن الفرنسيين من أصول مهاجرة والمهاجرين مثل أبي وأمي أو الذين سيصبحون فرنسيين مثلي أنا، ثمن المتغيرات الاقتصادية والعولمة والأزمة»، ويستطرد قائلاً :«لكننا نحن سنتغير».
وبالفعل فقد حظيت «ثورة الضواحي» بالاهتمام من جانب العديد من الجمعيات الأهلية والإنسانية المهتمة بشؤون ذوي الأصول المهاجرة أو المحاربة للتمييز العنصري، لما يمكن أن تمثّله ثورة كهذه من خطر على المجتمع الفرنسي، وخصوصاً بالنسبة إلى فلسفته المتعلقة بمبدأ «الانصهار» والمسمى في بعض الأحيان «المصعد الاجتماعي».
وانصبّّ اهتمام الناشطين على «كون سكان الضواحي» من الفرنسيين لهم الحقوق والواجبات نفسها مثل باقي الفرنسيين، لكن، لأسباب عديدة، فإنهم لا يشاركون في نبض الحياة السياسية. ولأنه لا «وزن انتخابياً لهم» لم تكن تؤخذ مطالبهم بالاعتبار. ومن مفارقات «ثورة الضواحي» النشاط الذي دبّ في الجمعيات المدنية التي نشطت لدفع «شباب الضواحي» للتسجل على اللوائح الانتخابية.
وقد أقفلت لوائح الشطب في منتصف ليل ٣١ الشهر الماضي. وحسب التسريبات الأولى التي خرجت من وزارة الداخلية، فإن نسبة طلب بطاقات انتخابية من جانب سكان الضواحي «والأحياء الساخنة» سجلت تقدماً مذهلاً.
ففي مرسيليا، وهي مدينة مهمة لما تعنيه في اللاوعي الفرنسي من ترابط مع موجات الهجرة، ارتفعت نسبة التسجيل على لوائح المنتخبين ١٢ في المئة مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة. لكن الأرقام المرتفعة والمفاجئة كانت في مدن مثل نانسي (٦٠ في المئة) وأميان (٧٦ في المئة) لتبلغ في مدينة تراب (٩٠ في المئة)، وهي مدن تعدّ «مدن المهاجرين من الجيل الثاني والثالث».
أما في الضواحي، التي اشتهرت خلال ثورة العام قبل الماضي، مثل كليشي، البلدة التي انطلقت منها شرارة «الانتفاضة» كما يحلو للبعض القول، فقد تسجّل ما يزيد على ألف ناخب جديد، الغالبية من أصول أجنبية.
وتضاعف عدد المسجلين في كل من ليون، وأربع مرات في ميتز، وهي مدن صناعية تقيم فيها اليد العاملة من أصول أجنبية. أما في المدن التي تعرف «أرقاماً قياسية في البطالة» مثل روبيه في الشمال، فقد تضاعف عدد المسجلين «عشر مرات» وهو ما لم تشهده أي مدينة فرنسية منذ نصف قرن.
ويتكلم بعض رؤساء البلدية عن «هجوم ساحق على الحقوق السياسية»، بينما يتوقع البعض منهم أن يشكل تصويت الفرنسيين من أصول مهاجرة «تسونامي» في الانتخابات المقبلة. وهذا ما تدعو إليه الجمعيات الحقوقية، التي بات شعارها «صوت يا صديقي!».
لكن هل تؤثر موجة الانتساب إلى اللوائح الانتخابية على طروحات المرشحين للرئاسة؟ يجيب أحد العاملين في الجمعيات بالقول إن «كبار المرشحين» يأخذون بالاعتبار «بعضاً من المطالب التي تجمع عليها غالبية الفرنسيين»، لكن بما أن القانون الفرنسي يمنع التمييز حسب الأصول والدين، فإن الأحزاب تتصرف وكأنها لا ترى هذه الظاهرة.
ويتفق الجميع على أنه من الصعب جداً أن يحظى مرشح واحد بكل أصوات الضواحي لأسباب عديدة، لكن من المؤكد أن هذه الأصوات يمكن أن تعوّق نجاح بعض المرشحين في حال نشوء تنسيق ما بين الجمعيات والنشطاء. لكن مجمل المرشحين يظنون أنهم المستفيدون من هذا الـ «تسونامي».



وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، الذي يرى الكثيرون أن تصريحاته وتصرفاته كان لها دور في إشعال «ثورة المهاجرين»، لا يزال في موقعه، وهو لم يخفف لا من تصريحاته ولا من إجراءاته المتشددة، لا بل على العكس فهو ضاعفها في اتجاه «تسريع طرد» الذين لا يحملون إقامات، والمهاجرين الذين يدانون بأحكام قضائية