واشنطن ــ عمر أحمد
ما تشهده الأراضي الفلسطينية له من يديره ويخطط له من «أهل البيت»، تنفيذاً لجدول أعمال داخلي وخارجي، يستهدف إخراج المقاومة من ساحة الصراع، ليبقيها رهن التفاوض، حتى لو كان ثمن ذلك الدم الفلسطيني

ينذر التصعيد الحالي في المواجهات الأمنية في قطاع غزة بوجود خطة مبيتة لإدخال الشعب الفلسطيني في حرب، بذل عقلاؤه، ولا يزالون، جهوداً لمنعها.
الخطة، المدعومة من أميركا وإسرائيل ومن بعض الدول العربية، لها رموزها في الأراضي الفلسطينية، في إطار مجموعة تتهمها «حماس» بأنها «تيار انقلابي» في «فتح»، لا يتجاوز عدد أفراده 15 قيادياً يمارسون نفوذاً وضغوطاً على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الذي تتهمه أوساط قيادية في حركة «فتح» بأنه يسعى هو الآخر إلى تصفية الحركة وتراثها النضالي بزجها في أتون حرب أهلية قد تقضي عليها، وخصوصاً أنها تعاني انقسامات داخلية.
ويقول قيادي في حركة «فتح» إن «مجموعة الـ15» تتقاسم أدوار الانقلاب على الصعيد الإعلامي والسياسي؛ فالتصريحات التي يطلقونها تصب في الاتجاه والمضمون نفسيهما، رغم استخدامهم لبعض المفردات المختلفة أحياناً في تعاملهم مع الأزمة وعملية التحريض على حركة «حماس» والحكومة التي ترأسها.
والمجموعة الانقلابية، التي تحيط بأبو مازن، لم تأت من فراغ. ورغم عزوف الحكومة و«حماس» عن ذكر أسماء رموز هذه المجموعة، فإن بعض قادة الحركة يخرجون، بين الحين والآخر، عن صمتهم، ليذكروا بعض الأسماء، وبينها اسم رئيس كتلة «فتح» في المجلس التشريعي، عزام الأحمد.
وأشار بعض القياديين «الفتحاويين»، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، إلى أن أبو مازن، وخصوصاً بعد تسميته رئيساً للحركة وقائداً عاماً لها، أصبح بمثابة «أسير» هذه المجموعة.
وحذّرت القيادات الفتحاوية نفسها من أن القيادي «الفتحاوي» محمد دحلان يهدد بإنهاء وجود ما يسمى «الحرس القديم» للحركة، في إشارة إلى المؤسسين وأعضاء اللجنة المركزية والقيادات التنظيمية القديمة خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي مثّل استفزازاً لأمين سر الحركة فاروق القدومي (أبو اللطف)، ودفع بأعضاء في اللجنة المركزية في الخارج، وخصوصاً محمد راتب غنيم (أبو ماهر)، إلى الاصطفاف إلى جانب القدومي في تحميل أبو مازن مسؤولية الانهيار الحاصل في «فتح» خصوصاً، والساحة الفلسطينية عموماً.
ويشدد أبو اللطف على أن ابو مازن لم يكن قط ضمن المجموعة القيادية المؤسسة لحركة «فتح» في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي. وقال إن «أبو مازن جاءهم بعد معركة الكرامة في عام 1968 من قطر، حيث كان يعمل، وعرض عليهم الالتحاق بالحركة، ورغم أنه لم يكن عضواً في تنظيم فتح، فإن ياسر عرفات (أبو عمار) عيّنه عضواً في اللجنة المركزية للحركة، ليبدأ مشواره السياسي من فكرة اختراق المجتمع الصهيوني، وصولاً إلى عقد اتفاقيات أوسلو والتنصل من المقاومة المسلحة»، التي يقول أبو اللطف إن أبو مازن لم يكن قط طرفاً فيها.
وتتهم المصادر «الفتحاوية» نفسها عباس بتجنّب طرح موضوع إطلاق أمين سر الحركة في الضفة الغربية الأسير مروان البرغوثي على جدول مباحثاته مع الزعماء الإسرائيليين.
واللافت أن بعض شخصيات «مجموعة الـ15» هم أنفسهم من حاولوا تدبير المحاولة الانقلابية على أبو عمار أثناء الحصار الإسرائيلي ــ الأميركي له قبل وفاته، وأهم شخصيتين في هذه المجموعة هما دحلان، الذي كان قد تولى سابقاً منصب وزير الأمن ورئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة، وسمير المشهراوي، الذي تشدد بعض المصادر على أنه يتولى تحريك بعض المجموعات المسلحة، التي تعمل باسم «كتائب شهداء الأقصى» في قطاع غزة. والمشهراوي، إلى جانب رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة رشيد أبو شباك، هما من أتباع دحلان. وتضم مصادر فلسطينية المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية توفيق ابو خوصة إلى المجموعة الانقلابية في غزة، ويشار إلى أبو علي شاهين على أنه أحد شخصياتها في غزة.
وفي سياق التصعيد الذي تقوم به «مجموعة الـ15» وتعزيز مكانة أبرز رموزها، اشترطت الإدارة الأميركية لتقديم المساعدة المالية الأمنية للرئيس الفلسطيني، تعيين دحلان مسؤولاً عن الأجهزة الأمنية، في مقابل أن يقوم الجانب الأميركي، من خلال دحلان، بإعادة بناء هذه الأجهزة وتمويلها وتغطية احتياجاتها من سلاح وذخيرة وسيارات ومعدات.
ونُقل عن مصدر أمني فلسطيني رفيع المستوى في مكتب الرئيس الفلسطيني، قوله إن أبو مازن أصدر بالفعل قراراً شفهياً يقضي بتعيين دحلان قائداً عاماً للأجهزة الأمنية الفلسطينية ومسؤولاً مباشراً عن جهاز الأمن الوطني.
وقال المصدر الرئاسي، الذي رفض الكشف عن هويته، إن أبو مازن، لأسباب خاصة، لم يصدر القرار كتابياً، خشية اعتراض رئيس الحكومة اسماعيل هنية ووزير الداخلية والأمن الوطني سعيد صيام على ذلك، لكن القرار نفذ عملياً، بناء على تعليمات مباشرة من عباس إلى قادة الأجهزة الأمنية، خلال اجتماع عقد في مكتبه في غزة من دون علم وزير الداخلية بذلك.
وأضاف المصدر أن دحلان باشر مهماته الأمنية قائداً للأجهزة الأمنية فور انتهاء الاجتماع، وأن قادة الأجهزة الأمنية، الموالين له في الأساس، التزموا تعليماته، رغم تحفظ البعض منهم على ذلك.
أما شخصيات المجموعة في الضفة الغربية، فإن أكثرهم نجوميون، إلى جانب عزام الأحمد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه، والمستشار الإعلامي للرئاسة نبيل عمرو، والأمين العام للرئاسة الطيب عبد الرحيم، وأحمد عبد الرحمن، ومدير مكتب أبو مازن رفيق الحسيني، ومستشاره الأمني جبريل الرجوب، ومستشاره السياسي أكرم هنية. وما يجمع بين هؤلاء هو عملهم في «هيئة مستشاري أبو مازن»، التي تضخمت لتشمل كل من فقد منصبه في الحكومة الفلسطينية بعد خسارة حركة «فتح» غالبيتها في المجلس التشريعي.
وتقول مصادر «فتحاوية» إن الطيب عبد الرحيم كان وراء بيان غير مسبوق في الساحة الفلسطينية أصدره باسم «كتائب شهداء الأقصى»، يهدد بالاغتيالات السياسية لقادة «حماس».
وكان هذا البيان قد أثار تذمراً واسعاً في الساحة الفلسطينية، حيث هدّد باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، ووزير الداخلية سعيد صيام، وقائد القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية يوسف الزهار، وعدد آخر من قياديي «حماس».