حسام كنفاني
بعد الغزو الإثيوبي للصومال، يمكن تمييز نوع جديد من الحروب الاستباقية، التي درّجتها الإدارة الأميركية بعد أحداث 11 ايلول، لكن من دون التدخل الأميركي المباشر، خلافاً لما حصل في العراق وأفغانستان، بعدما أثار التورط في هذين البلدين احتجاجات عنيفة في وجه إدارة الرئيس جورج بوش، كانت ثمرتها سيطرة الديموقراطيين على الكونغرس بمجلسيه.
قد يكون الانموذج الصومالي مؤشراً إلى طريقة جديدة للتعامل مع البؤر المصنفة أميركياً بأنها «إرهابية»، يكون دور واشنطن فيها من خلف الستار، ولا سيما أن مسار الوضع السياسي والميداني في مقديشو يتجه إلى تطابق تام مع هي عليه الحال في العراق وأفغانستان، مع فارق بسيط، هو التقمص الإثيوبي للدور الأميركي.
هذا التقمّص انسحب على تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي، الذي بات يحاكي بوش في تعامله مع مناطق الغزو السابقة، ولا سيما في ما يتعلق بتبرير الغزو واستمراره، لذا من الممكن الحديث عن «تقمّص» زيناوي للرئيس الأميركي سياسياً، أو على الأقل تلاوة ما يملى عليه أميركياً، ولا سيما أن واشنطن رافقت الغزو الإثيوبي خطوة بخطوة، وانبرت للدفاع عن استمراره في المحافل الدولية.
هذا «التطابق» السياسي برز بداية في حديث زيناوي عن مساعدة الحكومة الانتقالية على بسط سيطرتها على الأراضي الصومالية، وهو ما يتشابه مع ما أعلنته الإدارة الأميركية خلال الحملة على أفغانستان، باعتبار أن ما كان يسمى «تحالف الشمال»، يمثل الحكومة المعتدلة في وجه السيطرة الإسلامية الطالبانية، التي يمكن مقارنتها مع المد الإسلامي لـ«المحاكم»، التي تمكّنت من إقصاء زعماء الحرب المتحالفين إلى بيداوة.
مع بداية الغزو، مهّد زيناوي لوجود إثيوبي طويل في الأراضي الصومالية، على عكس التصريحات الرسمية التي تتحدث عن أسبوعين؛ فالهدف قد يكون شبه مستحيل، وهو ملاحقة فلول الإسلاميين الصوماليين في بلدهم، وهو ما يمكن إسقاطه أيضاً على تعابير ملاحقة عناصر «القاعدة» في أفغانستان، و«البعثيين» و«الإرهابيين» في العراق، والذي لا يزال قائماً حتى اليوم، إضافة إلى «تهيئة» العراقيين لتسلّم الأمن، وهو بالضبط ما يفعله زيناوي، وقد أعلن موافقته على تدريب القوات الصومالية الرسمية، في مهمة طويلة الأمد.
وأخيراً يأتي تصريح زيناوي، الذي يعدّ الانسحاب من الصومال غير أخلاقي، مستعيراً بذلك التعابير والمصطلحات نفسها للمسؤولين الأميركيين، وبعض العراقيين والعرب، عندما يتحدثون عن إنهاء الوجود الأجنبي في العراق.
سيتحوّل التقمّص الإثيوبي للحالة الأميركية بالضرورة إلى تماثل بين الحالة الصومالية والحالتين في العراق وأفغانستان، فالوجود الإثيوبي قد يكون طويلاً تحت عباءة أممية، تؤمّنها الولايات المتحدة، المؤيدة بشدة لما قامت به أديس أبابا، لتؤلّف بعد ذلك قوة، قد يكون قوامها من الاتحاد الإفريقي، لكن بقيادة إثيوبية باعتبارها الدولة «المنتصرة»، لشرعنة الوجود الطويل للاحتلال من أجل «تثبيت الأمن».
لكن من الواضح أن الأمن هو آخر ما سيحصل عليه الصوماليون في المرحلة اللاحقة، لا سيما أن أراضيهم ستتحول إلى ساحة صراع إقليمي بالوكالة، فإريتريا لن تهنأ بسيطرة جارتها الإثيوبية اللدود على الوضع الصومالي، وفي الوقت نفسه لن تخاطر في الدخول في مواجهة مباشرة مع أديس أبابا المدعومة أميركياً، لذا فهي قد تجد في فلول «المحاكم»، إضافة إلى فصائل صومالية معارضة أخرى، فرصة لتسليح ودعم حرب عصابات طويلة الأمد، تتمكن خلالها من مضايقة الوجود الإثيوبي، على غرار الوضع في العراق وأفغانستان، مع اختلاف اللاعبين.
الحالة هذه، إذا أضيفت إليها دعوة الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري إلى مقاتلة القوات الإثيوبية، تنبئ بتحويل القرن الافريقي إلى ساحة استقطاب جديدة لـ«الجهاديين»، وتطوير الوضع إلى ساحة مواجهة أشمل، تمتد إلى أطراف إقليمية أخرى.