رام الله ــ فراس خطيب
الطريق من حاجز قلنديا إلى مدينة رام الله لا تترك للرائي مكاناً كبيراً للأمل: الشارع لا يميّزه سوى الحفر. سيارات أجرة ممتدة على طول الطريق. شجارات سائقين تعلو إلى حد الشتائم. زمامير وبرد قارس. أطفال وشيوخ يتكئون على بسطات قهوة ينتظرون فرجاً لا يأتي.
هناك، على أعتاب هذه المدينة، ومن شباك السيارة، يمكن التعرف إلى مدى الإغلاق، الذي يفرضه الاحتلال على المدينة، عبر الجدران والأسلاك.
سائق السيارة، رجل تجاوز الأربعين بقليل يعتمر حطة فلسطينية، كان يشتم السلطة والسائقين والأوضاع كلما تعثرت سيارته بحفرة، وفي الخلفية صوت الإذاعة «يبشر» بـ «أخبار جديدة» في رام الله: «مجهولون يحرقون بعض المحال التجارية في رام الله، ومصادر ترجح بأنّ خلفية الاعتداء تعود إلى الصراع بين فتح وحماس».
أقفل السائق الإذاعة «لا نريد أن نسمع، علينا أن نحرق أنفسنا وليس المحال»… لا أحد من الركاب يعقّب.
التجوال في مدينة رام الله يشير إلى أنّ هذه المدينة لم تعد كما كانت. الشوارع باردة مثل جوّها. هدوء مشحون تكسره نقاشات خجولة، حالها من الحال التي آلت إليها الأوضاع الفلسطينية.
«لا يكفي أن اليهود يقتلوننا يومياً حتّى نأتي اليوم لنقتل في بعضنا… يا عيب الشوم»، قالها رجل مسن يقف بين حشد أمام أحد المحال المحترقة.
وبين الحشد وقف شاب تجاوز العشرين بقليل، يقولون إنه «بسيط». قال إنّ «رجال فتح أحرقوا المكان لأنّ صاحبه مع حماس». لكنّ غالبية الجمع ليسوا «بسطاء»، ويعلمون بأنّ الحديث عن موضوع كهذا «يقيم الدنيا ولا يقعدها». ويعلّق شاب آخر، لا يذكر اسمه: «اعتقدنا ذات يوم أنّ رام الله ستظل بعيدة عن هذه الأجواء، لكنّ المرض استشرى في كل الأراضي الفلسطينية».
الخروج من حيز «المكان المحروق» يعيد الحياة إلى طبيعتها، لكنّ البحث عن التفاؤل في شوارع المدينة لا يزال صعباً. لا تفاؤل. الناس، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، يشيرون إلى «خطورة الأوضاع». لا أحد منهم تقريباً يذكر أنَّ الوحدات الاسرائيلية الخاصة دخلت قبل أربعة أيام إلى رام الله وخلّفت أربعة شهداء.
الناس مستاؤون من الأوضاع إلى أبعد الحدود. في قلوبهم ما يريدون قوله، لكن للكلمة في هذه الأوضاع معانٍ كثيرة، والحذر هو الحل. هنا تجد أيضاً من لا يحذر، ومن يدين السلطة والقائمين عليها والقيادي «الفتحاوي» محمد دحلان ويحمّلهم مسؤولية ما يجري.
يقول صاحب سيارة أجرة: «اتركوا الجماعة (حماس) يعملون… ماذا تريدون منهم؟ لماذا لا تدفعون الرواتب من الأموال الآتية من أميركا للرئاسة». ومنهم من له رأي آخر: «حماس أدخلت أسلحة بالملايين، والقوة التنفيذية التابعة لها تتلقى رواتب عالية… يحافظون على جماعتهم ويتركون الشعب الفلسطيني جائع». ومنهم من يرى أن ما يدور «لعبة أميركية إسرائيلية متقنة».
الدخول إلى مدينة رام الله لا يعني أنّ الخروج منها سهل، فهو يحتاج إلى قدرة على الصمود على حاجز قلنديا. الناس عند الحاجز يصطفّون بالدور. يتحدثون في ما بينهم ويتشاجرون أحياناً على المكان. الجميع غاضبون على الحاجز، لكنّ غضبهم يظل مكبوتاً خوفاً من المجنّدة، التي لم تتعد الثامنة عشرة، الجالسة وراء الزجاج.
في الحاجز خمسة ممرات، كلها ممتلئة. وثلاث مجندات يجلسن من وراء زجاج محصّن، يتحدثن إلى الناس عبر مكبر للصوت، وقد أتقنّ أربع جمل أساسية: «ارجع لورا؛ تعال لهون؛ جيب الهوية؛ انت بتفهمش؟».
الاحتلال للضفة الغربية يقترب من إتمام عامه الأربعين. أربعون عاماً من الحواجز، ولا يزال الفلسطيني لا يعلم ما إذا كان سيمر أم لا، وكم من الوقت سيمضي هناك!