علي شهاب
خطة مقسّمة إلى 4 مراحل «دموية» وعدم الاعتماد على الجيش العراقي وتحذير من المقاتلين الشيعة والسنّة

الاستراتيجية الأميركية، التي يعدّ الرئيس الأميركي جورج بوش لإطلاقها فجر اليوم، لـ«إنقاذ العراق»، يبدو أنها لن تختلف كثيراً عن سياق السياسة الأميركية في العراق منذ بدء الاحتلال عام 2003، ولا سيما أنها من المرجح أن تكون أبعد ما يكون عن تقرير «بيكر ــ هاملتون»، طالما أنها مستوحاة من أفكار أشد المعارضين للتقرير، الباحث في معهد «أميركان انتربرايز» فريدريك كاغان، الذي ينطلق من خلفيات تخصصه في تاريخ الحروب العسكرية في تنظيره للحرب على العراق؛ فلا تقف موازنات الإنفاق الضخمة حاجزاً أمام رؤيته القائمة على الحسم العسكري وضمان بقاء القوات الأميركية في بلاد ما بين النهرين أطول فترة ممكنة.
وتكمن أهمية أفكار كاغان من كون الرئيس الأميركي «يصغي إليه»، وبالتالي، يرجّح أن تكون استراتيجية بوش الجديدة مستندة إلى حد كبير على مجموعة دراسات ومقالات كتبها كاغان منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
ومن بين مقالات كاغان المرتبطة بالحرب على العراق، واحدة نشرتها صحيفة الـ«واشنطن بوست»، في 17 آب عام 2005، بعنوان «يتطلب الأمر جيشاً مناسباً»، يعارض فيه بشدة المقاربة التي تقول إن «زيادة عديد القوات العراقية يعني التقليل من عديد القوات الأميركية»، مشيراً الى أنه «حتى وإن بلغ عديد القوات العراقية 250 ألفاً، فإن الجيش الأميركي يبقى ركناً أساسياً في الصراع ضد التمرد في العراق». ويبرر ذلك بـ«حاجة القوات العراقية الى المساعدة اللوجيستية والآليات والدعم الجوي الأميركي».
وهذا ما قد يتطابق مع التسريبات حول الاستراتيجية الجديدة، التي بات من شبه المؤكد أن تشمل إرسال 20 ألف جندي أميركي إضافي إلى العراق، رغم الحديث الكثير عن تسليم السيطرة الأمنية إلى العراقيين في منتصف عام 2007.
أما رؤية كاغان الشاملة لمعالجة الوضع في العراق، فنشرها معهد «أميركان انتربرايز»، في 4 كانون الثاني من العام الجاري، بعنوان «اختيار النصر: خطة للنجاح في العراق».
ويشير كاغان في مستهل دراسته الى أن الولايات المتحدة «استطاعت احتواء الصراعات الإثنية والحرب الأهلية في البوسنة وكوسوفو، وهي تستطيع فعل المثل في العراق»، معتبراً أن النصر في العراق «أمر حيوي لتأمين المصالح القومية الحيوية الأميركية». أما الفشل في العراق فسيؤدي إلى «انتشار الصراعات الإقليمية، كارثة إنسانية، بؤر إرهابية، المزيد من التطرف في العالم الإسلامي، فقدان الصدقية الأميركية عالمياً، الإضرار بمعنويات الجيش الأميركي».
توصيف كاغان الأوّلي لوضع العراق حالياً، هو أنه «في مرحلة حرجة»، بعدما «فشلت العملية السياسية في اجتثاث التمرد والعنف، فشلت أيضاً في نقل القدرة على ضبط الأمن إلى الأجهزة العراقية، وتزايد العنف الطائفي، الذي يحدّ قدرات الحكومة وأجهزة الأمن العراقية»، وبالتالي فالعملية السياسية والأجهزة الأمنية العراقية معرضتان لـ«انهيار كامل» إذا لم يتمّ احتواء العنف سريعاً. ويرفع كاغان شعار «الأمن أولاً»، أما عملية إعادة الإعمار فهي «مرافقة» للخطة الأمنية.
الاقتراحات الأولى للباحث الأميركي، بعنوان «النصر من خلال الأمن»، هي «زيادة عديد القوات الأميركية بما يضمن إحلال الأمن في بغداد بحلول خريف العام 2007، وإعطاء المزيد من الفرص من أجل عمليات عسكرية في المستقبل داخل العراق». ويغامر كاغان في طرح إشكالية، تثير جدلاً واسعاً داخل الجيش والمجتمع الأميركي، باعتباره أن نجاح الاستراتيجية الأميركية في العراق «ممكن مع متطوعين في الجيش»، لحل مشكلة النقص في عديد القوات الأميركية المنتشرة في أصقاع العالم، علماً بأن كاغان يعترف بأن رأيه هذا «لا يريح الجيش أو مشاة البحرية»، لكنه يدافع عن وجهة نظره بالإشارة إلى أن ثمن هذا الخيار سيكون تطوراً «دراماتيكياً» في غضون سنة واحدة، من دون الحاجة إلى «تسويات مع أنطمة معادية»، في إشارة الى سوريا وإيران، وفي رد مباشر على تقرير «بيكر ــ هاميلتون».
ويُكمل كاغان في نقض «المقاربات الأخرى» للموضوع العراقي، معتبراً أنها جميعاً «ستفشل» لأن:
ـ الانسحاب السريع سيؤدي إلى انهيار الجيش العراقي وتصاعد العنف وفوضى إقليمية.
ـ إيران وسوريا تدعمان العنف في العراق، لكنهما لا تديرانه، والتفاوض معهما لن يوقف العنف.
ـ تدريب الوحدات العراقية يتطلب وقتاً طويلاً.
ويروّج لنجاح مقاربته عبر الخطوات الآتية: بذل كل مجهود من أجل توفير الأمن في بغداد في أسرع وقت ممكن، واعتبار أن بغداد هي مركز الثقل والتوازن في الأزمة الحالية، والتحرك مرة واحدة لتعزيز الأمن، وتبديل الاستراتيجية الأميركية من تدريب العراقيين إلى الحفاظ على الأمن.
ويشير كاغان الى «محاذير» تقف عائقاً أمام مقترحاته، ذلك أن الاقتراح مبني على أساس معلومات استخبارية حول الوضع الراهن في العراق، ما يعني أنه يتشكك ضمناً في عمق دراية الجيش الأميركي بالوضع الميداني.
وتُظهر خريطة لبغداد ينشرها كاغان، بناءً على معلومات ميدانية، أن العنف ينحصر في مدينة الصدر وعند أطراف الأعظمية وفي الكاظمية وفي محيط المنطقة الخضراء، معدداً أبرز التحديات التي تواجه القوات الأميركية في العاصمة العراقية؛ وفي الطليعة «المقاتلين الشيعة»، الذين ينقسمون بين جيش المهدي، التابع للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وفيلق بدر، التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بزعامة عبد العزيز الحكيم.
وهذا قد يتطابق أيضاً مع «الصفقة» التي تسرّبت أول من أمس بين بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حول «رفع الغطاء» عن التيار الصدري، الذي يحدّد كاغان «أهدافه» بأنها:
ـ منافسة الأطراف الشيعية الأخرى على السلطة استباقاً لانسحاب قوات الاحتلال، وتمهيداً لتطبيق الحكم الشيعي في العراق. ولتحقيق أهدافه، يجب أن يحافظ جيش المهدي على قوته، ولذلك فهو لا يسعى الى الاصطدام المباشر مع الأجهزة الأمنية العراقية أو مع قوات التحالف.
ـ الاستمرار في استنزاف قوات الاحتلال عبر تنفيذ هجمات غير مباشرة، وتصعيد الضغط السياسي لتسريع انسحاب التحالف.
ـ «الانتقام» من الميليشيات السنية وتعذيب المدنيين السنّة من أجل إبعادهم عن المناطق المختلطة وتنظيف منطقتهم.
والأهداف نفسها حدّدها كاغان لـ«فيلق بدر»، مع الإضافة أن غالبية الأطراف في الفيلق «حياديون نسبياً» في ما يتعلق بالجيش الأميركي.
أما التحدي الثاني، الذي يواجه خطة كاغان، فهو «المقاتلون السنّة»، وعلى رأسهم تنظيم «القاعدة» الذي يهدف، بحسب كاغان، إلى إجبار الجيش الأميركي على الانسحاب من خلال إيقاع الخسائر في صفوفه، والتشكيك في فاعلية الأجهزة الأمنية العراقية وإفشال مهمتها عبر تنفيذ هجمات كبيرة ضدها، والدفع باتجاه حرب أهلية من خلال إيقاع خسائر ضخمة في صفوف الشيعة، والخروج منها منتصراً، واستخدام العراق كقاعدة للاستيلاء على حكومات إقليمية مجاورة.
أيضاً، يُشكل البعثيون تحدياً بالنسبة للجيش الأميركي لأنهم يريدون «إجباره» على الانسحاب وإفشال الجهود لتأليف حكومة عراقية قادرة، والحفاظ على تفوّق وسيادة السنّة وحمايتهم من الشيعة.
وبعد استعراض المحاذير والتحديات، ينتقل فريدريك كاغان الى شرح كيفية تنفيذ مخططه، من خلال تقسيمه الى أربع مراحل.
المرحلة الأولى: الانتشار بحلول شهر آذار. والثانية: التجهيز (بحلول شهر حزيران). والثالثة: تنظيف المناطق الخطرة بحلول شهر أيلول. والرابعة: نقل المناطق الآمنة (بعد تنظيفها) الى السيطرة العراقية.
ويتطلب تنفيذ هذه المراحل نشر 32 ألف جندي أميركي في بغداد، على أن تشمل خطوات الفصل الأول من العام 2008 نزع سلاح الميليشيات الشيعية، بموازاة تأمين المناطق الغربية والشمالية في العراق.
كذلك، يتحدث كاغان عن «تأمين الطرق بين الأنبار وبغداد، وحماية العاصمة من جهة محور التاجي ــ الإسكندرية»، مع التشديد على أن الاقتراح «لا يتضمن نقل قوات الى بغداد من خارجها».
ويُفرد كاغان صفحات عديدة من دراسته للحديث عما يصفه بـ«ردود الأعداء» على الخطة الأمنية في بغداد، فيتوقع، خلال المرحلة الأولى من الانتشار، أن يعمد المسلحون الى «تعزيز المناطق التي يتحصنون بها، وتصاعد العنف الطائفي»، مقترحاً، في مواجهة هكذا سيناريو، «تعزيز الأمن في بغداد»، من دون الخوض في أمن المناطق الأخرى.
وفي المرحلة الثانية (التجهيز)، يتوقّع كاغان «ازدياد التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين، وانتقال الميليشيات إلى مناطق خارج العاصمة». إلا أن الأخطر، بحسب الباحث الأميركي، هو أن تنجح «خلايا المتطرفين في تصعيد العنف قبل أن يتمكّن الجيش الأميركي من تطبيق المعايير الأمنية المؤثرة»، معرباً عن خشيته من «نزوح داخلي حاشد بسبب العنف الطائفي».
وفي مواجهة هذا السيناريو، يقترح إبلاغ العراقيين أن «عدد الخسائر البشرية الكبير هو سبب نشاطات الأعداء»، وتحضير المساعدات الإنسانية للنازحين.
أما في المرحلة الثالثة (التنظيف)، فيتوقع كاغان المزيد من العمليات ضد المدنيين، و«الأخطر هو أن تقوم القوات المعادية باغتيال شخصيات سياسية رفيعة المستوى، أو أن تدمّر مقامات دينية مقدسة».
وفي مواجهة ذلك، يقترح تشديد الحماية على الشخصيات الهامة، والإسراع في «تنظيف المناطق التي ينفّذ منها الأعداء العمليات».
وفي المرحلة الأخيرة (نقل السيطرة)، يستشرف كاغان مزيداً من الهجمات الدموية، مع تركيز «المتمردين العمليات على المناطق المحمية» والمدن الأخرى بهدف «حرف النظر عن الجهود» في بغداد. وفي مواجهة هذا الأمر، يقترح كاغان «تعزيز الاستخبارات وتسيير دوريات دائمة واستقدام المزيد من قوات الاحتياط» عند الضرورة.




كاغان... «المهيمن على أذنَي» بوش!

تقول عنه وسائل الإعلام الأميركية إنه «يهيمن على أذني» الرئيس الأميركي جورج بوش، إنه فريدريك كاغان، الباحث في معهد «أميركان إنتربرايز».

وتُعتبر عائلة كاغان من رموز المحافظين الجدد، فشقيقه المحلل السياسي روبرت كاغان باحث في معهد «آسبن»، ووالده دونالد كاغان، البروفيسور في جامعة «يال» والباحث في معهد «هدسون».
ووضع فريدريك ووالده كتاباً عام 2000 بعنوان «بينما تنام أميركا: تضليل الذات، الضعف العسكري وتهديد السلام»، قارنا فيه بين صورتيْ الولايات المتحدة مع نهاية الحرب الباردة وبريطانيا العظمى مع نهاية الحرب العالمية الأولى، بالتنظير للفكرة القائلة إن الولايات المتحدة «ضعيفة ومعرّضة للهجمات بشدة، لذا تحتاج إلى زيادة إنفاقها العسكري»، مع الإشارة إلى خطر برنامج أسلحة الدمار الشامل في العراق.
ويُعدّ فريدريك كاغان خبيراً في التحوّلات العسكرية وموازنات الدفاع والاستراتيجيات الدفاعية، وهو حائز بكالوريوس في شؤون أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي، ودكتوراه في التاريخ العسكري السوفياتي من جامعة يال، وله كتابات عديدة عن الموضوع.
عام 2000، وقّع فريدريك كاغان مع والده وأخيه على عريضة أعدّها المحافظون الجدد، وصدرت في شكل دراسة عن معهد مشروع القرن الأميركي الجديد، بعنوان «إعادة بناء قدرات أميركا الدفاعية».
يُعتبر كاغان، البروفيسور في مادة الحروب التاريخية في أكاديمية العلوم العسكرية التابعة للجيش الأميركي في وست بوينت، «صقر» المعارضين لتقرير «بيكر ــ هاملتون» عن العراق.
في تشرين الأول من العام الماضي، وضع كاغان كتاباً بعنوان «إيجاد الهدف: تحوّل السياسة العسكرية الأميركية»، يركّز فيه على التحولات في البنية والعقيدة العسكريتين للجيش الاميركي في ضوء حرب فيتنام، محذراً من أن استخدام التكنولوجيا العسكرية في العراق وأفغانستان «يعزز المفهوم القائل إن الحرب هي قتل الناس وتفجير الأشياء على حساب العملية السياسية التي تميّز بين الحرب والقتل».
استشرف كاغان تأثير فوز الديموقراطيين في انتخابات الكونغرس في السياسة الخارجية للبيت الأبيض بالقول، في ندوة نظمها معهد «أميركان إنتربرايز»، إن الوضع العسكري في العراق «ليس محل نقاش، فالجيش العراقي يعتمد بالكامل على المساعدة اللوجيستية للجيش الأميركي. أما تأثير ايران في الميليشيات في العراق فيبدو محدوداً. والخيارات الوحيدة التي يمكن العمل بها هي تبنّي استراتيجيا عسكرية والبقاء في العراق... أو الانسحاب منه وترك البلد ينهار».