باريس ــ بسّام الطيارة
كان جواب الرئيس الفرنسي جاك شيراك على سؤال عن إمكان ترشّحه لفترة رئاسية جديدة، خلال استقباله للصحافيين أمس، محيّراً بنظر المراقبين حين قال “في الوقت المناسب.. سأكشف قراري للفرنسيين”، مشدداً على القول إن ثمة “عاملاً واحداً يحرّكني هو المصلحة الوطنية”، قبل أن يضيف “انني متمسك بتحديد نوعية تحديات الانتخابات المقبلة”.
وقد رأى المتابعون لكلمة شيراك أمام الصحافة أنه لا يزال يرمي إلى التأثير المباشر على مسار المرحلة التي تسبق الانتخابات من دون الكشف عن أوراقه، وخصوصاً أنه أشار إلى ضرورة “تبديد المخاوف من الأفكار المسبقة”، وفي ذلك إشارة إلى وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، الذي سوف يعلن ترشيحه رسمياً يوم الأحد من دون أي منافس (حتى الآن) ولكن يمكن اعتبارها إشارة إلى سيغولين رويال أيضاً.
أما إشارته إلى “وجوب إظهار مخاطر العالم الجديد”، فهي موجهة حسب المراقبين إلى الاثنين معاً للتشديد على “فقدان الخبرة في الملفات والشؤون الدولية لدى المتنافسين الأبرزين”.
ويتفق الكثيرون على أن “قيام أزمة دولية حادة” كفيلة بإعادة حظوظ شيراك بالعودة إلى واجهة الانتخابات الرئاسية. وهو يدرك ذلك بشكل واضح، وهذا يفسر تشديده في معظم خطاباته الأخيرة على المخاطر التي تتربص بـ“العالم الجديد”.
ولم يتردد شيراك بوصف حرب أميركا على العراق بأنها “مغامرة”. وحسب بعض الصحافيين الأميركيين في باريس، يبدو أن هذا الوصف قد ضايق الإدارة الأميركية بشكل كبير، وخصوصاً أنه جاء قبل أيام من خطاب جورج بوش الذي أعلن فيه “الذهاب بعيداً في هذه المغامرة”، كما قال صحافي أميركي مخضرم.
ومن المعروف أن الرئيس الفرنسي كان يرفض دائماً “التباهي بأنه (كان) على حق في ما يتعلق بالمسألة العراقية”، ويفسّر البعض هذا بأنه نوع من المقايضة بين باريس وواشنطن في ملفات أخرى مثل الملف اللبناني والسوري والإيراني وقضايا وسط أفريقيا. ولكن هذا ما يدفع المراقبين للتساؤل عن سبب خروج شيراك عن (اتفاق الشرف) هذا، ومهاجمة سياسة أميركا في منطقة الشرق الأوسط بالشكل العنيف الذي حصل، وخصوصاً أن فرنسا، كما يقول دبلوماسي متابع، بحاجة لدعم واشنطن في ملف لبنان عشية انعقاد مؤتمر “باريس ٣”، الذي أبدى شيراك تفاؤلاً بنجاحه.
يوجد تفسيرات عديدة لذلك الهجوم على الدبلوماسية الفرنسية، التفسير الأول مرتبط بالانتخابات الرئاسية وحاجة شيراك لإظهار ضعف المتنافسين في السياسة الخارجية والدفاع عن “صورة فرنسا ودورها في العالم”. التفسير الثاني حسب البعض يرتبط بإحساس فرنسي (شيراكي) بتراخي مراكز القرار في الولايات المتحدة في ما يتعلق بسياسة الحزم تجاه سوريا وإيران تحت ضغط تقرير لجنة بيكر ــ هاميلتون، فجاءت التصريحات “لدعم توجه الرئيس الأميركي جورج بوش المتشدد تجاه سوريا وإيران وبالتالي الملف اللبناني”، في مقابل بعض الانفتاح في المسألة الفلسطينية، وهي كلها مفاتيح انتخابية فرنسية،
فالتشدد في المسألة الإيرانية والحزم مع دمشق يلاقيان ترحيباً لدى الرأي العام الفرنسي المهتم بلبنان، وخصوصاً في ضوء التركيز الإعلامي على بعض جوانب المسألة اللبنانية دون الأخرى.
أما التفسير الثالث فهو أن شيراك قرر مهاجمة السياسة الأميركية بعدما شعر بضعف يجترح حركة بوش بسبب هزيمته في الانتخابات، فقرر الضرب على وتر يبعث بصدى إيجابي لدى الرأي العام الأميركي ويجبر بالتالي بوش على التقرّب منه في الشهور الثلاثة الأخيرة، ما يمكن أن يساعده إما للترشح مرة ثالثة أو للتأثير على توجهات مرشح اليمين في السياسة الخارجية.
وفي حين يقول البعض بأن واشنطن “يمكن أن تردّ الصاع لشيراك عبر دعوة توجه إلى المتنافسين البارزين”، ما يسحب إحدى أبرز حججه في جهل الآخرين بالدبلوماسية الدولية. يقول البعض الآخر إن “إجابات بعض الإدارات الأميركية” على تحدي شيراك قد بدأت تصل إلى فرنسا.
وفي هذا السياق، يتساءل دبلوماسي مخضرم عن سبب صدور تهديدات لفرنسا من جماعات متطرفة في كل مرة “تخرج بها الدبلوماسية الفرنسية لمجابهة توجهات الدبلوماسية الأميركية؟”.
وفي النهاية. فإنه كما لم يستبعد الرئيس الفرنسي إمكان ترشحه لولاية جديدة، لا يستبعد أحد أن يكون الرئيس بانتظار “أزمة دولية” تعيده إلى واجهة الأحداث.. وإلا فإنه كما يبدو سوف يحزم حقائبه ويحقق رغبة ٨١ في المئة من الفرنسيين لا يرغبون به مرشحاً حسب آخر استطلاع للرأي.