باريس ــ بسّام الطيارة
أخيراً وصل وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى مرمى طموحاته. لم يصل إلى الإليزيه بعد، ولكن استطاع بعد جهد جهيد وعمل دؤوب إزاحة منافسيه من دربه للوصول إلى أن يكون المرشح الأوحد لتجمع الحركة الشعبية للرئاسة الفرنسية، رغم أنف الرئيس جاك شيراك

لم تكن أضواء مهرجان تجمّع الحركة الشعبية، قد أُطفئت بعد حتى بدأ اللغط بشأن وصف هذا اللقاء مع المحازبين، الذي أراده ساركوزي وزوجته سيسيليا “مهرجان العمر”. وينظر إليه المراقبون على أنه مؤشر “انخراط المحازبين وراء المرشح”، الذي فرض نفسه على قسم منهم، وخصوصاً الديغوليين التاريخيين، الذين شكّلوا سابقاً هيكل الحزب. وقد أدرك المنظّمون أهمية هذا المهرجان من الناحية التواصلية، فلم يكن هناك رهان لأن ساركوزي كان المرشح الوحيد، الذي فاجأ المراقبين بتعيين قاضية من أب مغربي وأم جزائرية هي رشدة داتي (41 سنة) كمتحدثة باسمه، رغم ما هو معروف عنه من عدائية تجاه العرب والأجانب في فرنسا.
ولم يتردد بعض مؤيدي وزير الداخلية في الحديث بكل ثقة عن “انتخاب زعيمهم بـ98 في المئة من الأصوات”. والواقع هو أنه من أصل 338 ألف حامل بطاقة شارك في الاقتراع، صوّت منهم 229 ألفاً لصالح الوزير اليميني. وكل هذه الأرقام صادرة من ماكينة الحزب، التي يمسكها ساركوزي بحزم، ويدخل ضمنها حسب بعض الألسن نحو 100 ألف محازب جديد، يقال إنهم مقرّبون من جناح ساركوزي وانتسبوا خلال السنة الماضية بعد حملة إعلانية دفع مصاريفها الحزب.
أما وزيرة الدفاع ميشال إليو ماري، التي تحدثت عن منافسة ساركوزي فقد “انتقلت بكامل أثاثها”، كما يقول المثل الفرنسي، إلى قافلة الوزير بعدما هاجمته خلال أسابيع وهددت بالترشح ضده “حتى ولو كانت النتيجة خسارة فريقها”.
إلا أنه تبين حسب بعض التسريبات أن وزيرة الدفاع أرادت الحصول على ضمانات لمصالح مؤيديها ضمن الفريق الجديد قبل أن تعلن “ولاءها التام والكامل لنيكولا”.
ورغم أنها كانت خلال المهرجان من أكثر الخطابيين حماسة، وسلّطت انتقاداتها على المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال، فإن أفواجاً عديدة من الحاضرين، الذين قدّر عددهم بنحو خمسين ألفاً، انتقدت هذا الأسلوب ووصفته بـ“الوصولية والانتهازية”.
ولم يصدر عن شيراك أي تعليق على “مهرجان الانتخاب”، ولكن يتوقّع المراقبون أن يخرج اليوم عن صمته، وخصوصاً أن برنامج المرشح لخلافته، حسب خطاب “التوجيه” كما وصفه بعض الحضور، يتناقض تماماً مع ما وعد به الوزير من الرغبة في إعادة التقرب من الطروحات الديغولية.
ويبدو أن ساركوزي قد عاد إلى “طروحاته المتصلبة” بعدما اطمأن إلى عدم وجود منافس له في حزبه اليميني. ويمكن اختصار برنامجه بشعار واحد “إلى اليمين در كاملاً”. وقد شدد على توجيهات عامة ولكنها تؤشر جيداً إلى أنه يسعى لمغازلة “المقلب اليميني من المجتمع الفرنسي”، لكنه لا يكتفي باليمين الليبرالي بل يحاول جذب اليمين الشعبوي أيضاً.
وقد أراد ساركوزي أن يكون خطابه “مؤسساً للغد” ومرآة لشخصيته، فبدأه مذكّراً بأن “جاك شيراك قدم إليه أول فرصة خطاب سياسي عام 1975”. ثم ذكَرَ المناسبات الكبرى التي شكّلت معالم بارزة في حياته، ومنها “زيارة ياد فاشيم”، نصب “المحرقة” في إسرائيل، ولقاؤه الأب بيار المهتم بالفقراء.
ثم انتقل إلى النقاط التي تهمّ الفرنسيين يومياً، فأكد أنه سوف يعمل على الحد من عدد موظفي الدولة مع زيادة رواتب الباقين، وأنه لن يقبل بأن تتجاوز الضريبة على الدخل الـ ٥٠ في المئة بالنسبة إلى الدخل المرتفع، وأنه يستعد لبناء “ديموقراطية لا غبار عليها”، وهو ما اعتبره المراقبون “لطشة” لشيراك. كما أشار الى أنه سيقف وراء “الذين يرغبون في العمل”.
أما في مجال السياسة الخارجية، فهو أعلن بما لا يقبل التشكيك “رفضه دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي”، ودعا أوروبا إلى العمل على التقرّب من الشعوب التي تكوّن الاتحاد وتخفيف القوانين التي تجبر الأعضاء على اتّباع سياسات لا ترغب فيها شعوبها، وهي من مآخد اليمين المتطرف على أوروبا وسبب خسارة الاستفتاء على الدستور الأوروبي في فرنسا.
كرر ساركوزي خلال خطابه مراراً أنه تغيّر، لكن من تابع خطابه وجده يغير مواقفه داخل الخطاب، فجمع التناقضات وإن هو حافظ على نيكولا ساركوزي الذي يعرفه الجميع.
فبعدما أكد أنه سوف يكون “الرئيس الفرنسي الذي لن يفاوض على استقلال فرنسا ولا على مبادئها”، وجّه تحية إلى الرئيس شيراك “الذي شرّف فرنسا بتصديه لحرب العراق التي كانت غلطة” من جانب أميركا، متناسياً أنه انتقد شيراك أمام الرئيس الأميركي جورج بوش قبل شهرين بسبب هذا الموقف الذي يمدحه اليوم.
لم يقتصر تذبذب المرشح اليميني في مواقفه من السياسة الخارجية، بل وصل إلى حد الاختلال والتخبط حين وصف “فرنسا كما يراها”، فهي بالنسبة إليه مزيج من نظام “ما قبل الثورة الفرنسية وما بعد الثورة الفرنسية”، وهو بذلك، يتوجه إلى اليمين المتطرف والملكيين. لكنه يذهب أبعد من ذلك في التاريخ، ففرنسا التي يراها ساركوزي هي “فرنسا الحملات الصليبية” إلى جانب كونها دولة فولتير وحقوق الإنسان.
أما في ما يتعلق بالمهاجرين، فهو وإن لم يسمّهم بالاسم، “يرفض أن يسكنها من لا يتكلم لغتها”، ومن “لا يحبها”. وقال إنه من الواجب على كل من يقيم في فرنسا أن يحترم عاداتها وتقاليدها، مشيراً الى الختان وتعدد الزوجات بالقول “إن الذين يريدون اتّباع هذه العادات غير مرحّب بهم في فرنسا”.