حاوره في طهرانإيلي شلهوب

دبلوماسية غير معهودة طبعت كلماته. لبنان لا يزال حاضراً في وجدانه. يخشى على مواطنيه من تجاوز «الخطوط الحمراء». يؤمن بأن أميركا «لن ترحم حتى أقرب حلفائها»، وبينهم السعودية، التي رأى أن واشنطن «لا تريد نظاماً مستقراً فيها». عداؤه لإسرائيل على حاله. يعتقد بوجوب مراجعة الاتفاقات المبرمة معها، وبينها اتفاقية الهدنة

  • بما أن لديكم علاقات حميمة مع لبنان، سنبدأ بسؤال عن رأيكم في ما يجري في هذا البلد؟
    ــ لبنان يمر بظروف صعبة للغاية وخاصة بسبب التدخلات الأجنبية التي أحياناً تكون تدخلات سياسية وحتى بعض الأوقات كانت تدخلات أجنبية عسكرية، لكن الذي يقلق هو أن تأخذ هذه التدخلات أبعاداً طائفية ومذهبية. هذه التدخلات ليست خاصة بلبنان فقط بل نشهد مثلها في أكثر من بلد إسلامي.
    في الماضي البعيد كان البريطانيون يقومون بدور التحريض المذهبي والطائفي، وبالتحديد التفرقة في العالم العربي والعالم الإسلامي وخاصة في بلاد مثل الهند وباكستان وإيران وأفغانستان والعراق. لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية وحركة الإمام الخميني والشعار الذي طرحه في موضوع الوحدة بين المسلمين والوحدة بين المذاهب والطوائف، وخاصة الدعوة التي أطلقها الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي خلال السنوات الأخيرة تحت عنوان حوار الحضارات، كل هذه الدعوات أحبطت هذه السياسات الأميركي والبريطانية في موضوع زرع الفتنة بين المسلمين. لكن للأسف، في السنة الأخيرة عاد هذا المشروع، الذي يقوم به الأميركيون والبريطانيون، لممارسة الفتن في المنطقة، وهذا أمر خطير جداً.
    نحن نشعر بالقلق بشأن لبنان نتيجة هذه الأوضاع، ووضع لبنان لا ينفصل عن وضع المنطقة وما يحدث في فلسطين والعراق. لكن ما يتميز به لبنان والشعب اللبناني هو مستوى الوعي السياسي والثقافي، الذي يميزه بالطبع في فهمه للوضع السياسي عن غيره من شعوب المنطقة، وعلى سبيل المثال العراق وأفغانستان، وهذا هو السبب الرئيس في وأد الفتنة وعدم انجرار اللبنانيين إلى الحروب الأهلية والمواجهات الداخلية.
    أقول باختصار، إن على اللبنانيين أن يعوا حساسية هذه المسألة، وألا يتجاوزوا الخطوط الحمراء لكي يحفظوا وطنهم.

  • ما هي هذه الخطوط الحمراء؟
    ــ الخطوط الحمراء واضحة جداً، هناك خطوط حمراء مذهبية وطائفية وأخرى سياسية. على مستوى الأولى منها، ينبغي للبنانيين العمل على عدم تحريض أو تأجيج المشاعر الطائفية والمذهبية بينهم لحفظ وحدتهم الداخلية. أما الخط الأحمر السياسي فهو الحفاظ على استقرار لبنان ووحدته الوطنية وأن يكون ذا سيادة وطنية وألا يكون تابعاً لأي من الدول الأجنبية. هذا أهم خط أحمر سياسي للبنانيين. إذا ما حاول أي طرف لبناني تجاوز هذه الخطوط الحمراء، فسيشكل هذا الأمر خطراً كبيراً على لبنان.

  • يقال إنكم كنتم في المراحل الأولى للثورة من أصحاب فكرة تصديرها إلى لبنان، وأنكم كنتم أحد المتهمين الرئيسيين في تأسيس حزب الله. كيف تنظرون إلى تلك المرحلة وكيف تنظرون إلى النظام اللبناني اليوم؟
    ــ ما ذكرته عني ليس سوى مجرد شائعات. كنت أعتقد، وما زلت، أن على كل شعب أن يقرر مصيره بنفسه، وأنه لا ينبغي لأي بلد أن يتدخل في شؤونه الداخلية، إلا إذا طلب هذا الشعب ذلك. هذه عقيدتي وعقيدة الإمام الخميني وعقيدة القيادة الإيرانية، ولم أعتقد يوماً ولم أعمل، على تصدير الثورة الإسلامية بالصورة المادية إلى أي بلد في العالم.
    أما عن العلاقة مع حزب الله، فأقول إنها كانت إرادة الشعب اللبناني، الذي هو من أراد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والعدوان بعد اجتياح عام 1982 وبعد أن احتلت الأراضي اللبنانية قوات متعددة الجنسيات... ومن الطبيعي أن يُنصرَ هذا الشعب، الذي ظُلم، إذا ما طلب العون من أي دولة أخرى، وإيران تقوم بمساعدة المظلومين بتقديم العون الإنساني وضمن القوانين الدولية.

  • كيف تنظرون إلى النظام اللبناني اليوم. هل تؤمنون بأن لبنان يجب أن يبقى على قاعدة التوافق الطائفي القائم كنظام سياسي له، أم ترون أنه يجب تغيير هذا النظام من أجل استقرار أكبر في داخله؟
    ــ هذا الأمر يعود بالطبع إلى الشعب اللبناني، فإذا أراد اللبنانيون أن يكون بلدهم سيّداً وحرّاً ومستقلاًّ على كل أراضيه، ينبغي له أن ينتخب حكومة منبثقة عن غالبية الشعب اللبناني وأكثريته، وإيران كانت دائماً، ولا تزال، تسعى إلى دعم أي خيار يختاره الشعب اللبناني في هذا الإطار.

  • تعلمون أن لبنان مرتبط مع إسرائيل باتفاقية الهدنة لعام 1949، كيف تنظرون إلى هذه الاتفاقية؟
    ــ بالطبع إن أي اتفاق أو معاهدة يعود إلى الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وأي اتفاقية لم يشارك فيها الشعب اللبناني يمكنه أن يعيد النظر فيها وأن يرفضها أو يقبلها. لذلك، عندما تتألف حكومة وحدة وطنية تمثل اللبنانيين، يمكن هذه الحكومة أن تقرر إما قبول الهدنة أو رفضها أو تعديلها. وهذا أمر يعود للحكومة التي تمثل الشعب اللبناني.
    يجب التفريق بين الشعب اللبناني الذي أبرم اتفاقية الهدنة قبل 58 عاماً، والشعب اللبناني الحالي. قد يكون هذا الشعب وهذا الجيل الجديد يرفض الهدنة، وقد يقبلها، لذا عليه أن يعود مرة أخرى ليقرر بشأنها عبر حكومة وحدة وطنية تمثل اللبنانيين.

  • متى كانت آخر مرة زرتم فيها لبنان؟
    ــ قبل أربعة أشهر. كانت زيارة للمناطق المحررة، ولم ألتق فيها أي مسؤول لبناني.

  • هل تعتقدون أن الخلافات في لبنان بشأن الموقف الذي يجب اتخاذه من إسرائيل من حيث كيفية وجوب التعامل معها يمكن أن تؤدي إلى صدام داخلي؟
    ــ لا شك في أن التدخلات والمخططات الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءها في لبنان، تريد حرباً واقتتالاً داخلياً في هذا البلد. لكن قراءتي للأوضاع، وخاصة مشاهدتي لأداء المعارضة أخيراً، تقول إن هذه الأخيرة تتمتع بتدبير وحكمة عالية، حيث تعمل على تجنب وقوع حرب داخلية وحرب أهلية، وتتمتع بمستوى عال من ضبط النفس، هذه نقطة إيجابية تسجل للمعارضة وقد تمنع وصول لبنان إلى اقتتال داخلي.

  • هل تتوقعون حرباً قريبة في المنطقة؟
    ــ إذا ما توافرت الظروف الدولية للأميركيين واستطاعوا تأليف تحالف مع بعض الدول، وهم يرغبون في حرب جديدة لأنهم يريدون إشعال المنطقة، فجوابي هو نعم. لكن أنا أستبعد وقوع أي حرب جديدة في المستقبل القريب، خاصة أن ثقة الدول بالولايات المتحدة انخفضت إلى مستوى ضئيل جداً.
    قبل الثورة الإسلامية، كان الشاه شرطي الولايات المتحدة في المنطقة. وكان الأميركيون يفضلون عدم التدخل العسكري المباشر في المنطقة. لكن بعد انتصار الثورة والقضاء على الشاه، رأى الأميركيون ضرورة الحضور العسكري المباشر فيها. والسبب هو أن منطقة الخليج الفارسي هي الأغنى في العالم ولهذا تريد الولايات المتحدة السيطرة عليها.
    وأهم عاملين يساعدان الولايات المتحدة على القيام بذلك هما إيجاد خلافات بين دول المنطقة وإيجاد خلافات داخلية في كل منها، والقضاء على الاستقرار فيها لتبقى ذريعة لهم لاستمرارهم والإبقاء على وجودهم. وهذه الخلافات لا تستهدف فقط سوريا أو إيران أو لبنان أو العراق، بل حتى بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة مثل البحرين والسعودية والإمارات. كل هذا كما قلنا، لضمان استمرار وجودها في المنطقة. حتى إننا نشاهد في مضيق هرمز أي تحرك للسفن في منطقة الخليج، سواء سفن عسكرية أم مدنية، يجب أن تخضع لأوامر القيادة العسكرية الأميركية المتمركزة في قطر والكويت والبحرين. وأنتم تلاحظون أن القيادة المركزية للقوات الأميركية خارج حدود الولايات المتحدة مركزها في هذه المنطقة، أي في هذه الدول الثلاث. وبالتالي، فإن أي عملية عسكرية خارج الولايات المتحدة، حتى لو كانت في أميركا اللاتينية أو أوروبا، مثل تحرك قوات أو أسراب طائرات، تخضع لهذه القيادة الموجودة في قطر. وهذا يدل على أن المنطقة مهمة جداً بالنسبة لأميركا، ورمز بقاء الأميركيين فيها هو التركيز على الفتنة بين دول المنطقة، وداخلها، وإيجاد عدم استقرار فيها.

  • ربطت إمكان اندلاع حرب في المنطقة بقدرة أميركا على بناء تحالفات مع بعض الدول. من هي تلك الدول؟
    ــ على أي حال، نحن نأمل أولاً من زعماء دول المنطقة ورؤسائها، أن يرجحوا مصالحهم ومصالح شعوبهم على المصالح الأميركية والبريطانية، وألا يكونوا مرتهنين لها. وأنا أعتقد أن الأميركيين لن يرحموا حتى أقرب حلفائهم في المنطقة إذا ما عارضوا مصالحهم أو لم يعملوا وفقاً لها. ولا أريد أن أذكر اسم دولة معينة حليفة لأميركا أو تريد أن تتحالف معها وستتخلى عنها الولايات المتحدة. فقط أريد أن أشير إلى مثال السعودية أو مصر. السعودية هي حليفة للولايات المتحدة لكن أميركا لا تريد نظاماً مستقرّاً فيها، ومن مصلحتها، وهي تعمل على أن يكون النظام في السعودية دائماً مزلزلاً وغير مستقر، وهذا يؤمّن مصالح واشنطن. لذلك، أنا أقول ناصحاً، إن من مصلحة المنطقة ودولها الاعتماد على شعوبها، وبهذا تحافظ على الاستقرار الداخلي وتمنع التدخلات الخارجية.

  • ألا تخشون حرباً على إيران؟
    ــ إيران كانت دائماً هدفاً لأميركا وحلفائها وقوى الاستكبار، وقبل ذلك جرّب الأميركيون حظهم في عمليات صحراء قبص في عام 1980، لكنهم فشلوا. حتى الحرب العراقية ــ الإيرانية كانت حرباً مفروضة شاركت فيها أميركا وكانت داعمة لها. حاربنا كل العالم من خلال النظام العراقي ودعمهم له.
    لدى عدونا الاستعداد والجنون الكافي لشن حرب على أي بلد، وعلى إيران. لكنهم يفتشون عن ظروف لارتكاب هذه الحماقة. ومن أهم تلك الظروف التي تعطي أميركا الذريعة لشن هجوم أميركي على إيران، هو الوضع الداخلي. فإذا كان الوضع الداخلي غير مستقر، ومزلزَلاً، فهو سيقدم ذريعة للأميركيين لشن هجوم عسكري على إيران. لكن هذا الأمر غير متوفر. نلاحظ أن هناك هدوءاً واستقراراً داخل البلاد، وأن الشعب داعم للنظام وللحكومة، وهذا أهم عامل يمنع الأميركي من شن هجوم على إيران في الوقت الراهن. لذلك أستبعد أي هجوم أميركي أو غير أميركي على المستوى المنظور.

  • لكن عملية صحراء قبص كانت من أجل إطلاق رهائن السفارة الأميركية، أي أنها كانت ردة فعل على فعل أنتم من قام به؟
    ــ موضوع عملية قبص ليس العمل العسكري الأميركي الوحيد ضد إيران. وأحد أهداف تلك العملية كان إطلاق الجواسيس الأميركيين، لكن كانت هناك أهداف أخرى أيضا، والمعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى أن الهدف منها كان تقويض النظام واستهداف منزل الإمام الخميني واعتقاله وضرب قيادتي الحرس والجيش. كان الهدف أكبر من إطلاق الرهائن. وكانت هناك محاولة أخرى، أيضاً عام 1980، بالتنسيق مع بعض ضباط القوة الجوية الإيرانية، في مطار نوتشيه في همدان، والذي كان يعدّ أكبر قاعدة جوية في إيران، من أجل تنفيذ انقلاب عسكري تقوم خلاله طائرات من سلاح الجو الإيراني بضرب القيادة الإيرانية، ورئاسة الجمهورية ومنزل الإمام الخميني وقيادة الجيش. لكن تم كشفه قبل تطبيقه وفشلت المحاولة الأميركية في هذا المجال.

  • هل تعتقد أن إيران أصبحت جاهزة لإبرام تسوية شاملة مع الولايات المتحدة بشأن كل الملفات العالقة بينهما؟
    ــ لم تكن إيران هي البادئة بشن أي عمل سياسي أو عسكري على الولايات المتحدة. هم دائماً من كان البادئ في القيام بأعمال ضد إيران. وهم من قطعوا علاقاتهم الدبلوماسية معها، وهم من عليهم أن يباشر في عرض حوار. أما إذا أرادوا صفقة كاملة في المنطقة كما أشرت، فليس لدى إيران من حيث المبدأ أي مشكلة، لكن بشروط عادلة تكون على أساس الاحترام المتبادل ومن دون أية نظرة استعلائية من جانب الولايات المتحدة، لأن إيران لن تخضع لأي قوة ولأي تهديد عسكري وتريد علاقات قائمة على أساس الاحترام المتبادل وحفظ السيادة فقط.


    السيد علي أكبر محتشمي بور، وزير الداخية الإيراني الأسبق. عُرف في ثمانينيات القرن الماضي بتشدده، وكان من الحلقة الضيقة المحيطة بالإمام الخميني، قبل أن يصبح رمزاً من رموز الإصلاحيين. من أوائل من طرح قضية ولاية الفقيه للنقاش. شغل منصب سفير إيران لدى سوريا مع بداية عهد الثورة