القاهرة ــ عبد الحفيظ سعد
مثّل طلب الكنيسة المصرية تعديل المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن «الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، صدمة لم يتوقّعها مهندسو التعديلات الدستورية في القاهرة، ولا سيما لأنها سابقةٌ لتعامل رؤساء الكنيسة مع ملفّ «الشريعة»

طالبت الكنيسة القبطية، عبر متحدّثها الرسمي الأنبا مرقص، أسقف شبرا الخيمة، أمس، بتغيير المادة الثانية من الدستور، مشيرة إلى أنّ «عدم المطالبة بذلك (من قبل) يرجع إلى انتظار قيام طرف مسلم بالمبادرة، تأكيداً لحقوق المسيحيّين».
وتساءل مرقص «هل يتمّ حكمنا بالشريعة الإسلامية وفق تفسير جماعة الإخوان، أم حسب أصل الدين الإسلامي نفسه؟». وأضاف أنّ مبدأ المواطنة «لا بدّ أن يعتمد على قوانين نتّفق عليها، لا على قوانين تفرض علينا»، منتقداً المناخ العام، الذي أصبح يأخذ طابعاً دينياً، وملقياً مسؤوليّة ذلك التحوّل على «وسائل الإعلام، التي تشجّع التركيز على الدين الإسلامي، وتتجاهل حقوق المسيحيّين».
ونفى مرقص لـ «الأخبار» أن تكون الكنيسة قد تقدّمت بطلب رسمي لتعديل المادة الثانية، لكن «الأقباط يعبّرون عن رغبتهم في التعديل عبر وسائل الإعلام»، مؤكّداً أنّه «من دون تعديل المادة، ستكون مواطنة الأقباط منقوصة».
وتُعدّ تصريحات مرقص مربكة للنظام المصري والحزب الوطني (الحاكم)، اللذين يريان السكوت عن الملفّ دلالةً على «الوعي الوطني»، وخصوصاً بعد إعلان الرئيس حسني مبارك، والمقرّبين منه، رفض الاقتراب من الأزمة، مبرّرين ذلك بـ «حساسية الموقف» وعدم الرغبة في تحريك هجوم يتّهم النظام القائم بـ «العداء للإسلام»، أو في إطار الخوف من «مزايدة» «الإخوان».
وبدا الارتباك واضحاً عندما طلبت «الأخبار» من مسؤولين في الحزب الوطني التعليق على تصريحات متحدّث الكنيسة، إذ رفض أمين الإعلام فيه عليّ الدين هلال التعليق، معلّلاً ذلك بأنّه «سيتمّ تدارس الأمر على المستوى الداخلي الحزبي أوّلاً».
أمّا أمين العلاقات الخارجية في الحزب محمد عبد الله، فقال من جهته إنّ «التعديلات المطروحة تعبّر عن رؤية الحزب، ولا نجد ضرورة الآن لتعديل المادّة الثانية، وخصوصاً أنّ المادّة الأولى فى التعديلات ستنصّ على مبدأ المواطنة، وهو ما يغلق الباب أمام التفرقة».
وترتكز تصريحات الأقباط على تراكم إعلامي واجتماعي في آن. فمن ناحية هناك أزمة «تكفير الأقباط»، التي أثارها الكتاب الأخير للإسلامي محمد عمارة، والتي لم يقبل فيها الأقباط باعتذاري المؤلّف ووزير الاوقاف، ومن جهة ثانية هناك إعلان «الإخوان» عن تفكيرهم في إنشاء حزب سياسي، وهو ما يعارضه المسيحيّون، حيث عبّر مرقص لـ «الأخبار» عن رفض الكنيسة «قيام أيّ حزب على أساس ديني. وقول الإخوان إنّ حزيهم سيكون مدنياً، بمرجعيّة إسلاميّة، هو مجرّد تلاعب بالألفاظ».
من جهتها، تطرّقت جماعة «الإخوان» إلى الموضوع في الرسالة الأسبوعية لمرشدها العام مهدي عاكف، الذي قال إنّ «للأقباط ما لنا وعليهم ما علينا، وهم شركاء في الوطن، وإخوة في الكفاح الوطني الطويل». إلّا أنّ المسيحيّين والتيارات المدنية يرون هذه التصريحات «مجرّد آراء للاستهلاك السياسي».
ودافع مبارك أمس عن بقائه في السّلطة لمدة ربع قرن، وقال إنّه «طوال 57 عاماً من العمل العام لم يسعَ إلى مصلحةٍ شخصيّة، وإنّ كلّ حياته كانت مكرّسة لخدمة شعب مصر»، مشيراً إلى أنّ كلّ الإصلاحات الجارية تتمّ لمصلحة كلّ الشعب لا لشخص أو حزب أو فئة.