القاهرة ــ الأخبار
تعيش القاهرة حالة من الغليان. ركيزته الأولى سياسيّة ترتبط بمعضلة النظام ــ الإخوان ــ المعارضة ــ المسحيّين. أمّا الثانيه، فهي الهجين، ذو الخلفيّة “الأمنيّة” والامتدادات الاجتماعيّة، والذي عبّرت عنه الإجراءات “الغريبة” للشرطة، التي استدعت سلسلة من التظاهرات المعترضة على كيفيّة معالجة أسباب الخروق.
وتظاهر أمس عشرات من أصحاب العمل والمستخدمين، في أماكن متخصّصة في إقامة سرادقات الأفراح والعزاء، فى ميدان السيّدة زينب في وسط القاهرة، احتجاجاً على قرار أجهزة الأمن القاضي بمنع إقامة هذه التجمّعات في الشوارع، معتبرين أنّ القرار، الذي صدر أوّل من أمس، يمسّ مصالحهم ويقطع أرزاقهم، وخصوصاً أنّ أعمالهم ترتبط فقط بإقامة الاحتفالات فى الشوارع، وخلال مواسم الانتخابات.
ويُعدّ توقيت القرار غريباً، خصوصاً أنّه يتزامن مع قرار آخر أبلغته مباحث الآداب العامّة لأصحاب دور عرض السينما، ينصّ على إغلاق هذه الدور قبل الثانية عشرة ليلاً، خلال الشتاء، وقبل الثانية صباحاً خلال الصيف. وهذا يعني إلغاء حفلة منتصف الليل.
ويكشف القرار، الذي يمسّ مصالح ماليّة كبيرة في صناعة السينما، عن قلق أمني ورغبة في السيطرة على العاصمة، التي بدت أخيراً حلبة تحير القوّات الأمنيّة بشأن كيفيّة السيطرة على ما يُسمّى بانحرافات المجتمع المدني، بعد اكتشاف جرائم قتل بشعة ارتكبتها عصابات أطفال الشوارع، وقبل ذلك حدوث تظاهرة “الجوع الجنسي” خلال عيد الفطر وظهور “سفّاح” يطارد النساء فى ضواحي القاهرة.
وكانت أجهزة الأمن قد رأت، على ما يبدو، في الجرائم الأخيرة تحدّياً لسيطرتها، التي أصبحت محلّ نقد سياسي من المعارضة، التي تتّهم الشرطة المصرية بالاهتمام فقط بأمن الرئيس.
ومن ناحية أخرى، قالت مصادر متابعة لحقوق الإنسان، إنّ قرارات الأجهزة الأمنية تمثّل رداً على حملات الانتقاد وفضح جرائم التعذيب التي ترتكبها الشرطة المصرية فى الأقسام والسجون.
وتقول المصادر نفسها: “يبدو أنّ القرارات التي تحدّ من حريّة الحركة فى شوارع القاهرة، وتقيّد الحركة الليلية، هي ردّ غير مباشر على النقد الموجّه لتسلّط ضبّاط الشرطة، كأنّها رسالة تقول: ما دمتم تنتقدون سلوكنا، فنحن سنعيد ترتيب الأوضاع للحدّ من الحرية الشخصية، بطريقة رسمية هذه المرة”.
وليس هذا هو التفسير الوحيد، فهناك آخر يربط بين هذه القرارات وتوقّع حدث كبير فى الترتيبات داخل أجهزة السلطة، يتعلّق بانتخابات قريبة أو بتغييرات اضطراريّة في مناصب رسميّة كبيرة قد تحتاج إلى فرض القبضة القويّة للأمن.
وبعيداً عن التفسيرات، ستفقد القاهرة، من دون شكّ، بعد هذه القرارات، طابعها المميّز، لكونها من المدن القليلة في العالم التي لا تنام باكراً، وواحدة من عواصم السّهر الكبرى التي تعطي الشعور بالأمان. لكن يبدو أنّ هناك قراراً يقضي بأن تنام القاهرة باكراً.