استيطان واحتلال واعتداءات ومصادرة أراض وهدم منازل، عوامل كثيرة تدفع الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى العودة إلى استيطان الكهوف في القرن الحادي والعشرين. من بين هؤلاء سليمان الحوامدة (73 عاماً)، الذي يسكن، وأبناءه العشرة، في كهف عميق على سفح تل قاحل في الضفة الغربية.
وهي حال 120 فلسطينياً آخرين يقطنون مجموعة من الكهوف، تعرف باسم “غوينا فوق”، تمتد عبر ما يسمى “الخط الأخضر”، الذي كان يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية قبل حرب عام 1967.
يستخرج هؤلاء الفلسطينيون احتياجاتهم من المياه من الآبار ويجمعون الحطب للطهو، كما كان يفعل أجدادهم الذين استقروا هناك للمرة الأولى إبان الحكم العثماني قبل أكثر من قرن مضى.
ويحصل سكان “غوينا فوق” على قوتهم بالكاد من الزراعة ورعي الأغنام في التلال الصخرية الواقعة على بعد 40 كيلومتراً جنوبي مدينة الخليل في الضفة الغربية. ويذهب الكثير من الأطفال إلى المدرسة في أقرب بلدة فلسطينية، وهي بلدة السموع، التي تقع على بعد ساعة باستخدام الحمار.
ويشترك سكان الكهف في طبق لاستقبال القنوات الفضائية وجهاز تلفزيون يعمل بضع ساعات كل ليلة باستخدام بطارية سيارة.
يبلغ عمق الكهف في غوينا عادة 60 متراً. وتنحت فتحته من الصخر. وتقسم الكهوف إلى ثلاث مناطق هي منطقة للمعيشة وأخرى للتخزين ومطبخ.
وينام سكان الكهوف على بطاطين ومراتب على الأرض الصخرية. وليس هناك مياه جارية أو كهرباء. ولا يملكون أثاثاً. وبخلاف التلفزيون الذي يتقاسمونه، لا وجود لأجهزة حديثة.
وفي فصل الشتاء، يشعلون ناراً صغيرة من الحطب للتدفئة.
ويقول سكان “غوينا فوق” إنهم ينامون خارج الكهوف في فصل الصيف تجنباً للثعابين والعقارب، التي تبحث عن ملجأ من حرارة الجو.
وفي “غوينا فوق” أربعة صهاريج للمياه، منها واحد للناس، وثلاثة للحيوانات التي تعيش في الكهوف في فصل الشتاء. وقال موسى رواشدة (27 عاماً): “نواجه مشاكل في المياه أثناء الصيف. ليست لدينا بدائل”.
وإلى جوار الكهوف، فإن البناء الدائم الوحيد هو خيمة تستخدم غرفة للتلفزيون، أبلغتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية أن عليهم إزالتها، لأن البناء على هذه الأرض محظور.
وقال متحدث باسم الاحتلال إن الجيش الإسرائيلي يعمل مع سلطات التخطيط الإقليمية على إصدار أوامر إزالة “المباني غير المشروعة” في الضفة الغربية، التي يقيمها الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء.
وتمنع السلطات الإسرائيلية سكان الكهوف من البناء على الأرض، كما أن سياج الأسلاك الشائكة الذي يفصل “غوينا فوق” عن مستوطنة “شاني” يحد من وصولهم إلى منطقة تمتلئ بالأشجار، حيث يتوافر الحطب اللازم للطهو.
ويشكو الحوامدة وسكان آخرون من القيود الإسرائيلية، لكنهم يقولون إنهم يعيشون في هذه الكهوف باختيارهم وليس لديهم نية لمغادرتها. وقال: “نحن ننتمي إلى هذه الأرض. إنها أرض أجدادنا”.
وقال ابن عمه، ويدعى أحمد (31 عاماً): “لا أستطيع أن أعيش في المدينة. إنها سجن كبير. أفضل البقاء هنا إلى جانب ماشيتي”. ومن بين أكبر سكان “غوينا فوق” يوسف خليل (70 عاماً)، الذي يقول إن جده كان من أوائل الفلسطينيين الذين استقروا في الكهوف في القرن التاسع عشر. وأضاف محمد رواشدة (60 عاماً): “ولدت هنا. وسأموت هنا”.
وأقامت إسرائيل سياجاً من الأسلاك الشائكة منذ نحو عام، وهو امتداد لجدار الفصل الذي تبنيه حول الضفة الغربية. وتخالج سكان “غوينا فوق” مشاعر مختلطة إزاء السياج. فمن سلبياته أنه يمنعهم من الوصول بحرية إلى منطقة الأشجار أسفل مستوطنة “شاني” مثلما كانوا يفعلون لأجيال. وتسمح السلطات الإسرائيلية من حين إلى آخر لفلسطيني واحد يستقل عربة يجرها حمار بعبور السلك الشائك وجمع الفروع التي سقطت من الأشجار قرب مستوطنة “شاني”.
ويشكو الفلسطينيون أن عليهم جمع كل الحطب الذي يسقط سواء أكان صالحاً للاستخدام في الطهو أم لا.
(رويترز)