طهران ــ إيلي شلهوب
يبدو واضحاً أن واقع الحياة في إيران يختلف كثيراً عن الصورة النمطية الرائجة عنها. واقعٌ تجد أصدق تعبيراته في وضع المرأة والأقليات الدينية والعرقية فيها

نساؤها يتقدمن على رجالها، أو على الأقل يتساوين بهم. سلطتهن هي الأعلى في المنزل. متحررات. متمردات. لهن كيانهن وقرارهن. يتميزن بشخصية قوية. يمشين منتصبات القامة، مرفوعات الرأس. يجادلن في كل شيء، حتى في من له حق السير في المقدمة، هن أم رجالهن.
بهذه الكلمات توصف نساء إيران اللواتي يشكلن نحو 40 في المئة من طاقم موظفي الدولة. يعشن ضمن نظام إسلامي، لكن تعدد الزوجات نادر في مجتمعهن. بعضهن يرتدين العباءة السوداء (شادور)، وبعضهن الآخر لباساً شرعياً، فيما تكتفي نسبة كبيرة منهن بمنديل يبقي نصف رأسهن مكشوفاً. يرتدن المقاهي والجامعات وجميع الأماكن العامة. يخالطن الجنس الآخر، ضمن بعض القيود. بينهن من تلتزم التزاماً صارماً بـ«القواعد الشرعية». وبينهن من تكتفي بالشكليات وتعيش حياة أقرب ما تكون إلى حياة أية امرأة في أي نظام علماني. لديهن طريقتهن الخاصة في التعبير عن أنفسهن. يقال، على سبيل المثال، إنهن إذا ما أمسكن حقيبتهن بأيديهن فهذا يعني أنهن عازبات، أما إذا حملنها من كوعهن، فهذا مؤشر إلى أنهن متزوجات.
يعود تميز المرأة الإيرانية إلى أيام ما قبل الثورة. تميز اكتسبنه من تظاهراتهن ضد استبداد الشاه وظلمه. كان ارتداؤهن الشادور الإسلامي، في جزء كبير منه، تعبيراً عن احتجاجهن هذا. وكن السباقات إلى النزول إلى الشوارع، وخاصة أن دكتاتور إيران في ذلك الحين كان يفرض حظر تجول على الذكور. تظاهراتهن شكلت حافزاً لرجالهن، أزواجاً كانوا أو إخوة أو آباء أو حتى أبناء، للالتحاق بهن. واجهن عسكر الشاه بالورود، فكان أن سقط بلا دماء. أدّين دوراً مهماً في صناعة الثورة واستحقين إشادة الإمام الخميني، الذي قال «لولا المرأة الإيرانية لما نجحت الثورة».
جاءت قوانين ما بعد الثورة، وما حملته من احترام وحقوق للمرأة ودورها، لتعزز موقعها في المجتمع الإيراني. موقع نمّاه العرف الذي يفرض مشاركة المرأة الرجلَ في إقامة منزلهما العائلي، عبر تكفّل أهلها بشراء جميع مفروشات المنزل الزوجي، وحتى في بعض الأحيان البيت نفسه. مشاركة تجد ترجمتها في عقد الزواج حيث تشترط المرأة ما تريد، وفي القانون الذي يعطيها الحق في الحصول، في حال الطلاق، على نصف أملاك طليقها التي جمعها خلال فترة الزواج.
تحرر
من يرتاد المقاهي الشبابية والمنتزهات ومنتجعات التزلج يلحظ ظاهرة التحرر التي تنتشر أكثر فأكثر في طهران وغيرها من المدن الإيرانية: شباب وشابات يجالس بعضهم بعضاً، غالبيتهم من العشاق، أو مجرد رفاق. يسلمون بعضهم على بعض باليد. يضحكون. يتبادلون الأحاديث والنكات. يدخلون معاً، يداً بيد في بعض الأحيان، ويغادرون معاً بالطريقة نفسها. قد تلمح ذراعاً تلتف على عنق فتاة. نظرة استلطاف يتبادلها معجبان.
ظواهر كهذه لم تكن موجودة في إيران قبل عقد خلا. لكنها تزداد عاماً بعد عام، مذ تولى الإصلاحيون مقاليد الحكم عام 1997. وقد بقيت مع عودة المحافظين إلى السلطة عام 2005.
هي تكسر شيئاً فشيئاً الصورة النمطية المعممة عالمياً عن إيران: نساء مقهورات يرتدين الشادور. رجال ملتحون يتحكمون بمصائرهن. أي اختلاط خارج الإطار الشرعي ممنوع بين الجنسين. باسيج مسلحون ينتشرون في الشوارع يؤدون مهمة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، على الطريقة السعودية. لا فن ولا فرح ولا حتى ابتسامة. ثورة، ثورة، ثورة يجري العمل منذ أكثر من عقدين ونيف على تصديرها إلى الخارج.
ظواهر يبدو أن النظام يغض الطرف عنها أو يتعايش معها. من إرهاصاتها ما يعرف في إيران بـ«جيل الجينز»: نحو 20 إلى 30 في المئة من شباب إيران. شريحة غير متديّنة، تعتمد طريقة الحياة الأميركية نموذجاً، بكل أبعادها، من طريقة اللبس إلى المأكل والمشرب وطبيعة العلاقة بين الجنسين.
حتى لبائعات الهوى مكان في إيران. تجدهن فرادى على جوانب بعض الطرق يحاولن اصطياد فريستهن، بحذر. يخشين الاعتقال، وخاصة بعد الحملة التي شنها الرئيس السابق محمد خاتمي، في نهاية ولايته، في إطار ما عرف في حينه باسم سياسة «القبضة الحديدية»، ضد عصابات الإجرام والمخدرات ومروّجي الدعارة، الذين وجدوا طريقاً لهم من ثنايا سياسة الانفتاح التي تبنّاها.
صحيح أن في نظام الجمهورية الإسلامية قوانين تضبط العلاقات المؤقتة بين الجنسين. لكنها قواعد يبدو أن المجتمع الإيراني لا يزال لا يتقبلها.
وإن للموسيقى مستمعين في هذه البلاد، الكلاسيكية منها وحتى الصاخبة، بل هناك مقاه تقدم فقرات موسيقية، يرقص على أنغامها الحضور، ونرجيلة، خلال سهرات لا تختلف كثيراً عن سهرات أي مطعم أو مقهى في بيروت، إلا في خلوها من الخمر.
فسيفساء عرقية ودينية
على رغم الطابع الإسلامي للجمهورية الإيرانية، ولائحة الممنوعات الطويلة التي تفرضها على شعبها، بدءاً من الخمر والسفور وانتهاء بالنوادي الليلية والقمار وما إلى ذلك، إلا أنها تحرص على عدم فرض قوانينها الإسلامية على بقية الطوائف والأقليات الدينية. قد يكون دافعها إلى ذلك أنها مشكّلة من فسيفساء دينية طائفية وعرقية.
فعلى سبيل المثال، توجد في قلب طهران منطقة واسعة تعرف باسم «مجمع آرارات» السياحي الخاص بالأرمن، يحيطها سياج لا يسمح لغير الأرمن بتجاوزه، ويمكنك أن تجد فيها كل تلك «الممنوعات»، برعاية الدولة وإشرافها.
ومن اللافت لزائر إيران وجود كنيسة أو كنيس في كل منطقة تقطنها أقلية مسيحية أو يهودية، تمارس شعائرها بحرية برعاية القانون، ولكل منها تمثيل برلماني (نائب عن اليهود ونائب عن الزردشت ونائبات عن المسيحيين).
ومع ذلك، ونظراً إلى العداء بين طهران وتل أبيب، والمعلومات المتوافرة عن سفر بعض يهود إيران إلى إسرائيل عبر قبرص، حيث يزوّدون جوازات سفر إسرائيلية، بغرض الزيارة أو حتى التدريب العسكري، فإن السلطات الإيرانية تنظر إلى البعض منهم بعين الريبة، وتحافظ على درجة عالية من الرقابة على نشاطهم.
وتوجد في هذا البلد الشيعي، أقلية سنية (حوالى 7 في المئة من عدد السكان) تتمركز غالبيتها في محافظة سيستان ــ بالوشستان.
أما على المستوى العرقي، ففي إيران أيضاً أقلية عربية تتمركز بشكل خاص في محافظة خوزستان وعاصمتها الأهواز (4 ملايين عربي بينهم من لا يتحدث حتى الفارسية). وفيها كذلك أقلية كردية تتمركز في محافظة كردستان إيران. تخشى طهران النزعات الانفصالية لهاتين المحافظتين، وهي لذلك تشدد قبضتها الأمنية فيهما، وخاصة بعد تحسن وضع الأكراد في كردستان العراق المجاورة ووصول الكردي جلال الطالباني إلى سدة الرئاسة في بغداد.
كذلك، هناك أقلية من الأتراك الأذريين تتمركز في محافظة أذربيجان.



حق التغاير
بحسب الدستور الإيراني، «تمنع محاسبة الناس على عقائدهم، ولا يجوز التعرض لأحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة».
يؤكد الدستور نفسه على أن «المذاهب الإسلامية الأخرى» غير المذهب الجعفري الاثني عشري، «تتمتع باحترام كامل، وأتباعها أحرار في أداء مراسمهم المذهبية بحسب فقههم، ولهذه المراسم الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية.... وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية، تكون الأحكام المحلية لتلك المنطقة وفق ذلك المذهب، مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى».
ويشير الدستور الإيراني إلى أن «الإيرانيين الزرادشت واليهود والمسيحيين هم وحدهم الأقليات الدينية المعترف بها، وتتمتع بالحرية في أداء مراسمها الدينية ضمن نطاق القانون. ولها أن تعمل وفق قواعدها في الأحوال الشخصية والتعليم».



المرأة في الدستور الإيراني
حرص الدستور الإيراني على إفراد مادة خاصة بالمرأة لضمان حقوقها، شكلت الأساس الذي استندت إليه قوانين الجمهورية في التعاطي مع النصف الآخر للمجتمع:
ــ حماية القانون تشمل جميع أفراد الشعب، نساء ورجالاً، بصورة متساوية وهم يتمتعون بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضمن الموازين الإسلامية
ــ الحكومة مسؤولة، في إطار الإسلام، عن الحفاظ على حقوق المرأة في كل المجالات، وعليها القيام بما يلي:
1 ــ إيجاد الظروف المساعدة لتكامل شخصية المرأة وإحياء حقوقها المادية والمعنوية
2 ــ حماية الأمهات، ولا سيما في مرحلة الحمل وحضانة الطفل، ورعاية الأطفال الذين لا معيل لهم
3 ــ إيجاد المحكمة الصالحة للحفاظ على كيان الأسرة واستمرار بقائها
4 ــ توفير تأمين خاص للأرامل والنساء والعجائز وفاقدات المعيل
5 ــ إعطاء الأمهات الصالحات القيمومة على أولادهن عند فقدانهم الولي الشرعي من أجل رعايتهم