حاوره رائد لافي
شدّد رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية،
في مقابلة مع «الأخبار» أمس، على أهمية نجاح الحوار الداخلي الفلسطيني في تأليف حكومة الوحدة الوطنية «لمنع الانزلاق إلى مربع التيه السياسي تحت عنوان الانتخابات المبكرة». وحمل بشدة على التدخل الخارجي في الشأن الداخلي الفلسطيني


  • كيف تنظر إلى التباين في سياسة المجتمع الدولي إزاء التعامل مع الحكومتين الفلسطينية واللبنانية؟
    - هناك كيل بمكيالين.. مطالبة باحترام الحكومة اللبنانية القائمة باعتبارها حكومة شرعية، هذا الموقف ليس مسحوباً على الحكومة الفلسطينية، رغم أنها حكومة منتخبة وشرعية وجاءت بحسب قواعد اللعبة الديموقراطية. والسؤال: لماذا تقف الإدارة الأميركية من الحكومة الفلسطينية هذا الموقف ومن لبنان موقفاً مناقضاً؟ إذا أردتم أن تحترموا الشرعيات، فلا بد من أن يسود هذا المبدأ الجميع.

  • لماذا هذا التناقض برأيك؟
    - هذا شأن الإدارة الأميركية. نحن كفلسطينيين ندعو إلى وحدة لبنان ووحدة الأرض اللبنانية ووحدة الشعب اللبناني، وأن يتجنّب اللبنانيون هذه الصراعات اللبنانية ـــ اللبنانية، ويعالجوا قضاياهم بالحوار، هذا ما نأمله من لبنان، أن يبقى معافى.

  • معروف عنكم تبنيكم نظرة تفاؤلية، لكن إذا فشل الحوار الوطني الحالي، ما هو السيناريو المتوقع في ظل إصرار الرئيس محمود عباس على خيار الانتخابات المبكرة؟
    - دعنا نتفاءل لنجاح الحوار، ولا نستحضر التشاؤم، وخصوصاً أن إرادتنا صادقة في إنجاحه. أما الانتخابات المبكرة، فهي مخالفة للقانون، وليست دستورية. وأخشى أن تعيدنا عشر سنوات إلى الوراء وأن تنتهي الشراكة السياسية التي يحرص عليها الجميعوالانتخابات بدلاً من أن تكون مدخلاً لتخفيف الاحتقان تكون العكس. من هنا نحن نحرص على التوصل إلى حكومة وحدة وطنية قبل أن ندخل إلى هذه المتاهات، لأني أنا شخصياً لا أعرف كيف يمكن أن تكون الأحوال إذا جرت انتخابات من دون توافق وطني، لأن تفسيرها ليس عودة إلى الشعب، واستخدام هذه الكلمة يهدف إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات التي لم يمض عليها سوى عام. ثم إذا كانت هناك رغبة في العودة إلى الشعب فلماذا لا نجري انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني المعطل منذ سنوات؟ لذا كلي أمل أن ينجح الحوار وألّا ندخل في مربع التيه السياسي تحت عنوان الانتخابات المبكرة.

  • وكيف تقوّم تجربة حركة «حماس» في الحكم بعد مرور عام على الانتخابات؟
    - أمام ذكرى الانتخابات التشريعية، نستحضر آمالاً تمثّلت بقدرة الشعب الفلسطيني على إجراء انتخابات حرة ونزيهة وديموقراطية في ظل ظروف صعبة، لكن الآلام نبعثها أولاً لعدم احترام المجتمع الدولي لهذه الانتخابات وإرادة الشعب الفلسطيني، وثانياً من خلال فرض الحصار على شعبنا في خطوة عقاب جماعي، وثالثاً هو عدم قدرة إخواننا وشركائنا في الساحة الفلسطينية على استيعاب المتغيرات الطارئة على النظام السياسي فتفجرت أمام الحكومة أجواء توتر كثيرة في داخل الساحة الفلسطينية، ورابعاً هو عدم إعطاء الفرصة الكافية بل الأقل من كافية لترجمة برنامج الإصلاح والتغيير، لأن الحكومة منذ اليوم الأول لتسلّمها مهمات عملها حوصرت.
    ومع ذلك، حققت الحكومة إيجابيات، فأولاً تمكّنت من الصمود والتماسك في وجه الحصار، فهو معروف أنّ له أهدافاً سياسية تتعدى الأهداف المالية والاقتصادية، وأن تعيش الحكومة هذا الوضع المعقد داخلياً وخارجياً وتصمد، ولا تقدم تنازلات سياسية فهذا إنجاز للشعب الفلسطيني. والأمر الثاني: هو قدرة الحركة الإسلامية على تطبيق شعارها الذي رفعته، فوجودنا في الحكم لم يكن على حساب المقاومة، لا من حيث شرعيتها أو أداؤها على الأرض أو من حيث تضييق مساحات العمل أمام المقاومين الفلسطينيين، وهذا يعدّ أيضاً من الإنجازات. وثالثاً: قدمت الحكومة نموذجاً طيباً على صعيد الإدارة، له علاقة بالطهارة والنزاهة الشفافية وإدخال تعديلات ليست سهلة على البنية الإدارية للوزارات، التي كانت تعمل بلون واحدأما عن المعوّقات، فهناك معوقات داخلية وخارجية ويكفي أن نتحدث أن الحكومة لا تملك السيطرة الكاملة على الملفات الرئيسة، ولا على القرار الأمني والسياسي والمالي. وهذه هي الملفات التي تمثّل الأعمدة الرئيسة لأي نظام سياسي، وسبب ذلك يرجع إلى ما يُسمى عدم التزام نصوص القانون الأساسي ومنح الصلاحيات التي نص عليها القانون للحكومة، إضافة إلى عدم الرغبة في إعطاء الفرصة الكافية في إنجاح مشروع الحكومة الإسلامية. وهذا كان له أثر عندما تتسلّم حكومة بلا مال وبلا سفارات ولا أمن وبلا إعلام ومعابر وبلا بنى إدارية، وبلا حرية تواصل بين الضفة وغزة، لدرجة أن الحكومة لم تعقد اجتماعاً واحداً لأعضائها كافة على مدار العام الماضي.

  • وصفتَ مراراً الحوار الوطني بأنه ليس حوار «الفرصة الأخيرة»، كما تعتبره أطراف فلسطينية، إلى أين وصلت المشاورات في شأن تأليف حكومة الوحدة؟
    - الحوار الجاري حالياً ليس الأول، وهو امتداد لجولات الحوار السابقة، وهناك أمور كثيرة تؤشر إلى رغبة حقيقية في جعل الحوار لغة وحيدة داخل الساحة الفلسطينية، ويمكنني القول إن هناك شوطاً طويلاً تم قطعه على صعيد الحوار، وتم إحداث توافقات جيدة، وإذا استطعنا أن نُجمِل بعض التفاهمات فأولاً تحريم الاقتتال وإيقاف التحريض الإعلامي وحقن الدم الفلسطيني واستبعاد السلاح. وفي ما يخص حكومة الوحدة الوطنية هناك تفاهم على تأليفها على أساس وثيقة الوفاق الوطني ومنطلقاً من احترام نتائج الانتخابات.
    وفي خصوص منظمة التحرير هناك اتفاق على إعادة تطويرها وتفعيلها، وربما في غضون شهر سيعقد اجتماع فلسطيني ـــ فلسطيني لإطلاق مشروع حوار منظمة التحرير، ومن المفترض أن يقوم السيد أحمد قريع ممثلاً للرئيس محمود عباس واللجنة التنفيذية للمنظمة بزيارة دمشق لعقد اجتماع مع القادة الفلسطينيين لوضع الترتيبات المتعلقة بإطلاق هذا الحوار.
    أعتقد أن الأرضية مناسبة، وإذا خلصت النيات فإننا نستطيع أن نقول إننا قادرون على الوصول إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، ومن ناحية «حماس» أبدت مرونة سياسية تقترب من القاسم المشترك كون وثيقة الوفاق الوطني هي عماد تأليف حكومة الوحدة، كما أبدت مرونة في بحث الوزارات السيادية على قاعدة تعزيز الشراكة السيادية.

  • الحوار بدأ منذ نحو خمسة أشهر وجولات متعددة من الحوار كان يرتفع فيها سقف الأمل ثم ينخفض إلى الحضيض، كيف ترون إمكان الحل والخروج من الأزمة؟.
    - الخروج يتمثّل بالاستناد إلى الأسس الداخلية، أولاً: احترام الإجماع الوطني وعدم الخروج عنه، والحرص على الوصول إلى تسوية داخلية عمادها وثيقة الوفاق، بمعنى آخر إن إدارة الظهر لهذه الوثيقة والبحث عن صيغ سياسية من خارجها هو في كل مرة الذي يسبّب الافتراق السياسي.
    والأساس الثاني: التزام المصالح العليا للشعب الفلسطيني والانطلاق من القرارات الفلسطينية من دون الارتهان للضغوط والمطالب الخارجية، وكلما سمحنا للخارج بالتدخّل في القرار أو الحوار الفلسطيني ـــ الفلسطيني كأننا ساعدنا على عدم إنجاح هذا الحوار، وخصوصاً أن لنا رؤية تختلف عن الرؤية الأميركية والإسرائيلية، والأمر الآخر هو أننا نريد حكومة قوية برئاسة قوية تحقق الأهداف الثلاثة: حماية الوحدة الوطنية وإنهاء الاحتقان الداخلي، العمل على كسر الحصار، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني.
    والأساس الثالث: الإيمان بالشراكة السياسية وليس فقط في الحكومة وحدها بل ترسيخ هذه الشراكة في بنية النظام الفلسطيني، سواء على صعيد الحكومة أو المنظمة أو الممثليات والسفارات والمحافظين.
    إذا آمنّا بهذه الأسس الثلاثة فسنكون قادرين على الخروج من شرنقة الحوارات، المهم أن يكون قرارنا الفلسطيني نابعاً من رأسنا وليس خاضعاً لإملاءات وتصورات أميركية، لأن الاستراتيجية الأميركية قائمة على ثلاث ركائز نقيضة وهي: منع قيام حكومة وحدة وطنية حقيقية تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني، وإشعال نار الحرب الأهلية، وضرب المشروع الوطني الفلسطيني.

  • باعتقادك كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع حكومة الوحدة المرتقبة؟
    - أولاً يجب على الإدارة الأميركية أن تعيد النظر في علاقتها معنا لأنها هي التي فرضت الحصار ولم تحترم الديموقراطية ونتائج الانتخابات، وإذا كان الأميركيون قد خاضوا الحرب في العراق وأسقطوا نظاماً واحتلوا أرضاً وشعباً تحت شعار نشر الديموقراطية، فليحترموا الديموقراطية الفلسطينية. ومن جانب آخر نحن قلنا مراراً انه لا مانع في إجراء حوار مع الإدارة الأميركية أو أي دولة في المجتمع الدولي لكن المشكلة ليست عندنا.
    والأمر الآخر، أن مهمتنا هي إنجاح مشروعنا في الحكومة الوحدة، ثم بعد ذلك، كيف نواجه هذا الحصار موحدين، وحتى إذا لم تُرد أميركا أن ترفع الحصار، فإن مواجهتنا للحصار موحدين ستكسره، ولا سيما أن العديد من الأطراف التي فرضت الحصار لم تعد مقتنعة بجدواه، ولا فعاليته فضلاً عن عدم شرعيته، كما أن العديد من الدول الأوروبية لم تعد قادرة على تبرير استمرار الحصار على الشعب الفلسطيني أخلاقياً أمام شعوبها.

  • لو كان موقف عباس و«فتح» مغايراً منذ بداية الأزمة، هل كنتم تتوقعون أن يكون الحصار بهذه القسوة؟
    - على الأقل لن تكون هذه القسوة التي عاشها الشعب الفلسطيني من هذا الحصار ونحن قلنا لأبي مازن لو وضعت يدك بيدنا منذ أشهر لما كان هذا الحصار.

  • هل دخول «حماس» إلى منظمة التحرير الفلسطينية يعني اعترافاً غير مباشر بإسرائيل؟
    - بالتأكيد لا، لأن هناك فصائل داخل منظمة التحرير لا تعترف بإسرائيل، وثانياً نحن نتحدث عن إعادة بناء منظمة التحرير سياسياً وإدارياً.
    وبخصوص التفاوض مع اسرائيل، المنظمة ستتولى جانب المفاوضات، والحكومة تتولى كل ما يتعلق بإدارة الشأن الفلسطيني الداخلي وتلتزمه، وليس عندنا مانع في الحكومة في أن يلتقي الوزراء نظراءهم الإسرائيليين لتسيير شؤون الشعب الفلسطيني وحماية مصالحه.

  • وصفتَ إيران سابقاً بالحليف الاستراتيجي، ما مدى تأثير علاقة الحكومة بإيران على علاقاتها بالدول العربية التي تبدي ارتياباً من تنامي الدور الإيراني في المنطقة؟
    - أولاً، أنا لم أقل إن إيران حليف استراتيجي، أنا قلت إن الوطن العربي والإسلامي يمثّل لنا عمقاً استراتيجياً وهذه عبارة استخدمتها في كل الدول التي زرتها وفي إيران وغيرها. ثانياً، إن علاقتنا بإيران هي كعلاقتنا بالدول العربية والإسلامية، الأمر الآخر نحن لسنا في محور ضد محور. نحن مع كل أبناء أمتنا ونتحرك بخصوصية القضية الفلسطينية ونعتز بكل موقف عربي وإسلامي يساند الشعب الفلسطيني ونقدر ذلك.

  • هل من جديد في شأن صفقة تبادل الأسرى، وخصوصاً بعد اتهام «حماس» لأطراف في حركة «فتح» بمحاولة إفشالها؟
    - هناك تقدم في قضية الصفقة لكنها معقدة، نأمل أن تجد الأطراف ذات الصلة المباشرة بهذا الموضوع علاجاً يفك هذا التعقيد، ونحن كحكومة نتمنى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني بضرورة الإفراج عن الأسرى.

  • داخلياً، كيف تنظرون إلى تنامي ظاهرة الفلتان الأمني؟
    - كل الأعمال التي تندرج في هذا الإطار، لا تعبّر عن صورة وثقافة وأدبيات الشعب الفلسطيني، ونحن لم نقف مكتوفي الأيدي، فمن خلال وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية تابعنا العديد من القضايا واستطعنا أن نكشف من يقف وراء هذة الأحداث، والجهة التي قامت بخطف الأجانب هي جهة معلومة لدينا، وهناك أناس تم اعتقالهم لأن بعضهم كانوا يعملون في أجهزة أمنية ويتبعون لتنظيم فلسطيني معروف وأخذنا قرارات بوقفهم عن العمل، وهم معتقلون حتى الآن لدى الأجهزة الأمنية.

    يعدّ إسماعيل هنية أحد القادة السياسيين الشباب في حركة «حماس» ممن برزوا في العمل الطلابي. ويتحدر هنية (44 عاماً) من أسرة فلسطينية لاجئة من قرية الجورة في مدينة عسقلان (جنوب إسرائيل). نشط في الكتلة الإسلامية، التي انبثقت عنها لاحقاً حركة «حماس». اعتقل أكثر من مرة