واشنطن بوست» ــ دافنا لينزر
تنشر “الأخبار” في ما يلي ترجمة لمقال عن صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية يتحدث عن أوامر أصدرها الرئيس الأميركي جورج بوش لتفعيل عمليات، طابعها سري، ضد “عملاء إيران” في العراق وحزب الله في لبنان، تثير قلق بعض مسؤولي الإدارة الأميركية

صرّحت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش للجيش بقتل أو أسر الإيرانيين العاملين داخل العراق، في جزء من استراتيجيّة عدائيّة جديدة لإضعاف تأثير طهران في الشرق الأوسط، ودفعها إلى التخلّي عن برنامجها النووي، استناداً إلى مسؤولين حكوميّين وآخرين في مجال «مكافحة الإرهاب» على علاقة وثيقة بالموضوع.
ومنذ أكثر من سنة، تقوم القوّات الأميركيّة الموجودة في العراق بالقبض، سرّاً، على مجموعة من العملاء الإيرانيّين المشتبه فيهم، واحتجازهم بين ثلاثة وأربعة أيّام. وصُمّمت سياسة «القبض والإفلات» لتجنّب التوتّر المتصاعد مع إيران وتخويف مبعوثيها.
وجمعت القوّات الأميركيّة عيّنات من الحمض النووي لبعض الإيرانيّين من دون علمهم، وأخضعت آخرين لمسح طبّي، وأخذت بصماتهم وصوّرتهم جميعاً قبل إطلاقهم.
ورغم ذلك، وخلال الصيف الماضي، قرّر المسؤولون في الإدارة أنّ مقاربة مبنيّة على المواجهة أصبحت ضروريّة، في وقت ازداد فيه التأثير الإيراني الإقليمي، وضعفت جهود واشنطن لعزل طهران.
فقد كان النشاط النووي الإيراني يصبو إلى تطوّر ما، وحلفاء الولايات المتّحدة يرفضون عقوبات شديدة ضدّ الحكومة في طهران، التي كانت تزيد من حدّة العنف الطائفي في العراق.
«لم تكن هناك أيّة تكلفة يتكبّدها الإيرانيّون. إنّهم يعوقون مهمّتنا في العراق، وبدل مواجهتهم مباشرةً، كنّا نحني ظهورنا لهم»، هكذا عبّر أحد المسؤولين الرسميّين في الإدارة.
وقال ثلاثة مسؤولين إنّ نحو 150 عميل استخبارات إيرانياً، إضافة إلى عناصر من الحرس الجمهوري الإيراني، يُعتقد بأنّهم فاعلون داخل الأراضي العراقيّة في أيّ وقت. إلّا أنّ أحد المسؤولين أشار إلى أنّه ليست هناك أيّة أدلّة على هجوم إيراني مباشر على الأميركيّين.
بيد أنّ الإيرانيّين، وفي خلال ثلاث سنوات، أداروا برنامجاً رصيناً هناك، عارضين التدريب الميداني والمخابراتي واللوجستي على العديد من الميليشيات الشيعيّة المرتبطة بالحكومة العراقيّة، وعلى المقاتلين لإذكاء العنف ضدّ المجموعات السنّية.
وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي إي»، الجنرال مايكل ف. هايدن، لمجلس الشيوخ أخيراً، إنّ حجم المعدّات الإيرانيّة المستخدمة لمواجهة القوّات الأميركيّة في العراق «كان صادماً»، مضيفاً «يبدو أنّ إيران تدير سياسة خارجيّة بحسّ عالٍ من الانتصاريّة الخطرةوشرّع بوش برنامج «القبض والإفلات» الجديد، أثناء اجتماع مع كبار مستشاريه الخريف الماضي، إضافة إلى تدابير أخرى تهدف للحدّ من التأثير الإيراني، ابتداءً من كابول ووصولاً إلى بيروت. والهدف، في نهاية المطاف، إضعاف التزام إيران جهودها النوويّة. ولا تزال طهران تصرّ على أنّ برنامجها سلمي، إلّا انّ واشنطن ودولاً أخرى تعتبره يمهّد لامتلاك أسلحة نوويّة.
تتضمّن خطط الإدارة خمسة «مسارح مفيدة»، بحسب تعبير أحد المسؤولين، لاستراتيجيّات عسكريّة واستخباريّة وسياسيّة ودبلوماسيّة، مصمَّمة لاستهداف المصالح الإيرانيّة عبر الشرق الأوسط.
وقد صرّح البيت الأبيض بتوسيع «متاهة اللعبة الزرقاء»، بحسب الأدبيّات الاستخبارية، وهي مجموعة من العمليّات، المسموح بها، الممكن شنّها على حزب الله، المدعوم من إيران. والمسؤولون الأميركيّون يعدّون لعقوبات دوليّة ضدّ طهران تحت غطاء مجموعات من تنظيم «القاعدة» فرّت عبر الحدود الأفغانيّة أواخر عام 2001. ويخطّطون لإجراءات عدائيّة لإعاقة التمويل الذي تمدّه إيران إلى المجموعة الفلسطينية المتطرّفة «حماس»، ولخفض حجم المصالح الإيرانيّة مع الشيعة جنوب أفغانستان.
في العراق، تملك القوّات الأميركيّة السلطة لاستهداف أي عنصر من «الحرس الثوري الإيراني»، إضافة إلى مسؤولين في جناحه الاستخباري، الذين يُعتقد أنّهم يعملون مع الميليشيات العراقيّة. هذه السياسة لا تشمل المدنيّين والدبلوماسيّين الإيرانيّين. ورغم أنّه لم يسجّل حتّى يومنا هذا أيّ حادث عدائي مميت تجاه أيّ إيرانيّ، فإن الإدارة تحثّ القياديين العسكريّين على ممارسة هذه الصلاحيّة.
وتتعرّض الخطط، الواسعة المدى، للكثير من تشكيك جهات في المجمع الاستخباري، وفي وزارتي الدفاع والخارجيّة، حيث أعربت هذه الجهات عن قلقها من أن تدفع هذه الخطط النزاع بين طهران وواشنطن نحو مركز الحرب الفوضوية في العراق.
ويقول مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة، إنّ هذه السياسة مبنيّة على نظريّة تفيد بأنّ طهران ستخفّف من طموحها النووي إذا قامت واشنطن بضربها بقسوة في العراق ومناطق أخرى، وبالتالي سيوجد هذا احساساً بالهشاشة لدى قادة إيران. إلّا أنّه إذا ردّت إيران بالتصعيد، فإنّه لديها الوسائل لتعريض الأميركيّين ومصالحهم الوطنية لخطر كبير في العراق وأفغانستان والمناطق الأخرى.
وقال المسؤولون إنّ هايدن أجرى مشاورات مع بوش ومستشاريه، للأخد بالحساب لائحة من العواقب، تضمّ إمكان سعي الإيرانيّين إلى الردّ عبر خطف الأميركيين في العراق أو قتلهم.
وقال مسؤولان أميركيان إنّ وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس، ورغم كونها مساندة للاستراتيجيّة، فإنها قلقة بشأن بعض الأخطاء الممكن حدوثها، إضافة إلى تداعيات مواجهة عسكريّة بين الأميركيين والإيرانيين على ساحة القتال العراقيّة.
وخلال لقائهم مع مستشارين رفيعي المستوى آخرين لبوش، قال المسؤولون إنّ رايس أصرّت على أن تعيّن في وزارة الدفاع مسؤولين رفيعي المستوى للإشراف مباشرةً على البرنامج، للحؤول دون تطوّره نحو صراع من العيار الثقيل. وحصلت رايس على الضمانات العامّة التي تبغيها، رغم استمرار الغموض بشأن ضرورة موافقة المسؤولين على الأهداف، ضمن قاعدة الملاحقة العيانيّة للقضايا أو الإشراف العام.
وحوّلت وزارتا الخارجيّة والدفاع جميع التعليقات على الاستراتيجيّة الإيرانية إلى مجلس الأمن القومي، الذي رفض التطرّق إلى بنود عيّنة من الخطّة، والتعليق على بعض المسائل الاستخباريّة.
وعن الأسئلة المثارة بشأن سياسة «القتل او القبض»، ردّ المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي، غوردون جوندرو، بالقول إنّ «الرئيس بوش أوضح، ومنذ وقت، أنّنا سنتّخذ الخطوات اللازمة لحماية الأميركيين الموجودين على الأراضي العراقيّة، وإعاقة أيّة محاولة لتعريضهم للخطر. تملك قوّاتنا صلاحيّة قائمة، متزامنة مع تفويض مجلس الأمن».
وقال مسؤولون إنّ القوّات الخاصّة الأميركيّة والبريطانية، العاملة في العراق، والتي ستشترك في بعض العمليّات، تقوم بتطوير قواعد البرنامج المتعلّقة بالإجراءات الميدانيّة، لتحديد الإحداثيّات الدقيقة لاستخدام القوّة.
وسعى الجنرال الأميركي جورج كايسي، خلال أسابيعه الأخيرة في مركز قيادة القوات العاملة في العراق، إلى المساعدة في بلورة البرنامج على أرض الواقع. وأشار أحد المسؤولين إلى انّ كايسي خطّط لتصنيف «الحرس الثوري» «مجموعة عدائيّة»، وهذا تصنيف عسكري لإباحة الأعمال الهجوميّة ضدها.
وأبلغ وريث كايسي المعيّن، الجنرال دايفيد بيترايوس، الكونغرس أنّ الأولويّة تكمن في «مواجهة الأخطار الإيرانية والسورية الموجودة في العراق، والمهمّة المستمرّة لتفكيك الشبكات الإرهابيّة وقتل أو إلقاء القبض على كلّ من رفض دعم عراق موحّد ومستقرّ».
وقال المدافعون عن السياسة الجديدة ــ البعض منهم في مجلس الأمن القومي ومكتب نائب الرئيس ووزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجيّة ــ إنّ الجهود المباشرة والعدائيّة فقط، باستطاعتها تفتيت التأثير الإيراني المتعاظم. ستكون إيران على ثقة أقل بنفسها وعدد أقل من الأوراق في يديها، أكثر رغبة في إبرام ذلك النوع من الاتفاقات التي تأملها إدارة بوش حول برنامجها النووي. «يستجيب الإيرانيّون للمجتمع الدولي فقط عندما يكونون تحت الضغط، لا عندما يشعرون بالقوّة»، بحسب أحد المسؤولين.
وباستهداف بعض جوانب المخطّط التأثير الإيراني في لبنان وأفغانستان والأراضي الفلسطينيّة، تذهب الخطّة إلى أبعد من التهديدات التي أطلقها بوش في وقت سابق من هذا الشهر «لقطع تدفّق الدعم الإيراني والسوري» إلى العراق. إنها تشير أيضاً إلى التخلّي عن سنوات مضت، بدت خلالها الدبلوماسيّة وكأنها الطريقة الوحيدة للضغط على إيران لتعكس مسار برنامجها النووي.
وكان مساعد وزيرة الخارجيّة للشؤون السياسيّة، نيكولاس بيرنز، قال خلال مقابلة في أواخر تشرين الأوّل الماضي، إنّ واشنطن على علم بأنّ إيران «تزوّد حزب الله وحماس الدعم، وتشجّع الجماعات المقاتلة في العراق، والتي تمثّل مشكلةً لقوّاتنا العسكريّة»، مشيراً إلى انّه «إضافةً إلى المسألة النوويّة، فإن الدعم الإيراني للإرهاب إحدى أهم أولويّاتنا».
ويقود بيرنز الجهود الدبلوماسيّة لزيادة الضغط الدولي على طهران. وخلال أشهر، عيّنت الإدارة خمسة سياسيين لحضور لقاءات تهدف إلى مناقشة الجوانب المحدودة من المخطّط شرط عدم الكشف عن هويّاتهم.
ورأى السياسيّون، الذين تحدّثوا بتفاصيل أكثر ومن دون تصريح، وضمنهم مسؤولون رفيعو المستوى ومحلّلون وصانعو سياسات، أن اصطفافهم إلى جانب البيت الأبيض يمكن أن يعرّضهم للخطر إذا كُشفت أسماؤهم.
وبدأ قرار استخدام القوّة ضد الإيرانيّين في العراق بالتبلور خلال الصيف الماضي، عندما شنّت إسرائيل حرباً على لبنان. ويقول المسؤولون إنّ مجموعة من الرسميّين في إدارة بوش، ممّن يحضرون الاجتماعات العليا بشأن «مكافحة الإرهاب»، اتّفقوا على أنّ الحرب أمّنت مدخلاً لتصوير إيران على شاكلة دولة طامحة لامتلاك الأسلحة النوويّة، وتربط بين «حزب الله» و«القاعدة» و«كتائب الموت» في العراق.
ومن بين الذين يخوضون النقاشات، التي بدأت في آب الماضي، هناك الخبير في شؤون الأمن القومي إيليوت أبرامز، ومستشار شؤون مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي خوان زاراتي، ورئيس مركز الـ «سي أي إي» لمكافحة الإرهاب، وممثّلون عن البنتاغون ومكتب نائب الرئيس ورئيس قسم مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجيّة هنري كرمبتون.
خلال ذلك الوقت، ركّزت سياسة بوش على الدبلوماسيّة، بوصفها الطريق الأسلم للتصرّف مع إيران. وتوجّه بوش إلى الإيرانيين، أثناء إلقائه كلمته أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في 19 أيلول في نيويورك، بالقول «نتوق إلى أن تعيشوا بحريّة، وإلى أن تكون الولايات المتّحدة وإيران صديقتين وشريكتين في قضيّة السلام».
وبعد أسبوعين، طار كرمبتون من واشنطن إلى مركز قيادة القوّات الأميركيّة في تامبا، للقاء قائد القوّات الأميركيّة في الشرق الأوسط جون أبي زيد. وبحسب مصادر مقرّبة، فإنّ السبب الرئيسي للزيارة كان الضغط على أبي زيد للتحضير لحملة هجوميّة على الاستخبارات الإيرانيّة وعمليّاتها العسكريّة في العراق.
ووسعت المعلومات التي جُمعت عبر سياسة «القبض والإفلات» ما مثّل في السابق قاعدة استخباريّة محدودة لمراقبة أنشطة الإيرانيّين في العراق. وساعدت ايضاً على تجنّب أزمة بين واشنطن والحكومة العراقيّة بشأن ما إذا كان على القوّات الأميركيّة أن تحتجز الإيرانيّين، بحسب بعض المسؤولين. كما قللت إمكان قيام الإيرانيين باستهداف الأميركيين مباشرة.
إلّا أنّ مسؤولين رفيعي المستوى أشاروا إلى أنّها خجولة.
«لا نحقق أي تقدم» مع سياسة «القبض والإفلات»، قال أحد المسؤولين في دوائر مكافحة الإرهاب، موضحاً أنّها فشلت في مطاردة الإيرانيّين في العراق أو حتّى مضايقة القيادة في طهران. «هدفنا هو تغيير ديناميكيّتنا مع الإيرانيّين، والمنظار الذي يشاهدوننا ويشاهدون أنفسهم من خلاله. إنّهم بحاجة إلى فهم انّهم لا يستطيعون أن يكونوا طرفاً يعرض حياة الأميركيّين والمصالح الأميركيّة للخطر، مثلما كانوا يفعلون في السابق. يجب أن ينتهي ذلك».
كان مسؤول استخباري رفيع المستوى أكثر قلقاً من الطموحات الاستراتيجيّة. قال «لا علاقة لهذا بالعراق. كلّه بشأن الضغط على الأوراق الإيرانيّة». وعبّر عن وجهات نظر مشابهة بشأن جهود جديدة موجهة نحو إيران، معتبراً أنّ الولايات المتحدة تصعّد تجاه صراع غير ضروري لتحويل الانتباه عن العراق، ولإلقاء اللوم على طهران في العجز المتزايد للولايات المتحدة في السيطرة على العنف هناك.
إلّا أنّ بعض المسؤولين في إدارة بوش يرون أن استهداف قياديي «الحرس الثوري» الإيراني، وخصوصاً وحدةً من الحرس معروفة بـ «قوّة القدس»، يجب أن يمثّل نفس أولويّة محاربة «القاعدة» في العراق.
وترى الاسخبارات الغربيّة أنّ «قوة القدس» مرتبطة مباشرة بمرشد الجمهوريّة الإيرانية آية الله علي خامنئي، لدعم الميليشيات العراقيّة و«حماس» و«حزب الله».
وشبّه مسؤولان رفيعا المستوى في الإدارة، بشكل منفصل، وفي خلال مقابلات، حكومة طهران بالحكومة النازيّة، و«الحرس الثوري» بالغيستابو. وأشارا إلى أنّ عناصر «الحرس إرهابيّون». تصنيفات رسميّة كهذه يمكن أن تحوّل القوّات العسكريّة الإيرانيّة إلى أهداف لما يسميه بوش «الحرب على الإرهاب»، مع إمكان اعتقال أعضائه بصفتهم معتقلين أعداء، و/أو في سجون سرية تابعة للـ «سي أي إي».
وردّاً على سؤال عما إذا كان تطبيق هذه التصنيفات وشيكاً، قال جوندرو، من مجلس الأمن القومي، إنّ «الإدارة، ومنذ فترة، لديها شكوك حول نشاطات الحرس الثوري وتوابعه في الشرق الأوسط ومناطق أخرى»، مضيفاً أنّ «قوّات القدس جزء من أدوات الحكومة الإيرانيّة الداعمة والمنفذة لتلك النشاطات».