غزة ــ رائد لافي القاهرة ــ خالد محمود رمضان

لا بارقة تهدئة في الوضع الميداني الفلسطيني، حيث القتال مرشح للتمدّد، وسط فشل المساعي الحوارية، مع التهديد المصري بالانسحاب من الوساطة، واتهام إيران وسوريا بالعمل لتأجيج الوضع الداخلي لمنع مسيرة “العملية السلمية”

بدت غزة مدينة شبه مهجورة، إلا من المسلحين، حيث مكث سكانها في المنازل وأغلقت المحال التجارية أبوابها، بفعل الصدامات الدامية بين حركتي “فتح” و“حماس”، التي أودت بحياة 26 فلسطينياً منذ مساء الخميس الماضي.
وخلت شوارع غزة من المارة، الذين التزموا منازلهم، ومنعوا أبناءهم من الذهاب إلى المدارس والجامعات. وانتشرت قوات الحرس الرئاسي والأجهزة الأمنية الموالية للرئيس محمود عباس في الشوارع والمفترقات الرئيسة، وأقامت مواقع وسواتر ترابية ومكعبات اسمنتية في عدد من الطرق المؤدية إلى منزل عباس.
وأغلقت قوات من الأمن الوطني وأجهزة أمنية أخرى تابعة للرئاسة عدداً من الشوارع القريبة من منزل القيادي “الفتحاوي” البارز محمد دحلان في حي الرمال وسط المدينة، وفي محيط مقر قيادة الأجهزة الامنية المعروف باسم “السرايا”، وغيرها من المناطق، في وقت اختفى فيه عناصر القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية من الطرقات.
وقتل أربعة فلسطينيين مساء أول من أمس في حادثين منفصلين شمال قطاع غزة، بينهم طفل، وعنصران من القوة التنفيذية. وقالت مصادر طبية إن الطفل محمد بدر أبو القرايا (11 عاماً) قتل وأصيب والده بجروح، كما قتل المواطن رمزي أبو العيش خلال اشتباكات مسلحة في بلدة بيت حانون شمال القطاع.
وفي حادثة منفصلة، أعلنت مصادر فلسطينية عن مقتل الشابين معاذ دويك، وزميله أحمد بحر، وهما من عناصر القوة التنفيذية، جراء انفجار غامض في منطقة السودانية.
وارتفعت حصيلة الصدامات الدامية بين الحركتين منذ مساء الخميس الماضي، إلى 26 فلسطينياً، وأكثر من 60 جريحاً، عدد منهم في حالة خطرة، بحسب المصادر الطبية.
وفي سياق الفوضى الداخلية، فجّر مسلحون مجهولون الطابق الأرضي من منزل مسؤول مرافقي دحلان الواقع في مدينة غزة.
وامتدت الاشتباكات الدامية من شمال القطاع إلى جنوبه، حيث قتل أمس الناشط في “حماس” عمر شراب (22 عاماً) في خان يونس. كما حافظت مدينة غزة على وتيرة متصاعدة من العنف بين الجانبين، منذ مقتل ثلاثة من كوادر حركة “حماس” في مسجد الهداية في حي تل الهوا، بينهم القيادي ومسؤول الدعوة في الحي المهندس زهير المنسي.
وأمطر مسلحون من “حماس” مقر جهاز الامن الوقائي بوابل من قذائف الهاون، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة لم تتوقف سوى لساعات معدودة منذ مساء الجمعة وحتى فجر الأحد.
وأطلق مسلحون قذائف “آر بي جي” على منزل مدير الأمن الوقائي العميد رشيد أبو شباك، فيما رد مسلحون موالون لحركة “فتح” بإطلاق قذيفة على منزل وزير الخارجية الدكتور محمود الزهار، على بعد نحو 500 متر من منزل أبو شباك.
ورأى رئيس الوزراء إسماعيل هنية استهداف منزل الزهار بأنه “عملية هي الأخطر من نوعها وتمثل مساساً بالحكومة”. ودعا، في افتتاح اجتماع طارئ للحكومة أمس في مدينة غزة، عباس إلى اتخاذ “قرار سريع وعاجل بسحب كافة المسلحين ورفع الحواجز العسكرية”. وقال إن “المجتمع الفلسطيني ليس بحاجة إلى مزيد من العسكرة”، كما أن “وزارة الداخلية هي المسؤولة عن فرض النظام والأمن”.
وشدد هنية على أن الحكومة “ستتخذ التدابير والخطوات التي تكفل احتواء هذه الأزمة العميقة”، موجهاً النداء إلى جميع أبناء الشعب الفلسطيني بضرورة حماية الوحدة الوطنية وتغليب لغة الحوار وإبعاد السلاح من الشارع، وإنهاء مظاهر الاحتقان.
وفي هذا السياق، طالب القيادي في “حماس” يحيى موسى، أمس، بمحاكمة محمود عباس وفق أحكام القانون، متهماً إياه بالعمل لمصلحة أجندة أميركية صهيونية.
وقال موسى إن عباس “هو من عطّل الحوار الوطني الفلسطيني، ووقف في وجه تأليف حكومة الوحدة الوطنية”. وشدد على أن محمد دحلان “يقف خلف الجرائم التي ترتكب بحق أبناء الشعب الفلسطيني”. وقال “هذا النكرة يقف وراء كل عمليات القتل في الأراضي الفلسطينية”.
أما الحوار الوطني، الذي كان من المقرر أن تعقد جلسته الثانية مساء أمس، فلا يزال معرّضاً للفشل، بعد قرار “حماس” تعليق كل أشكال الحوار والمشاورات مع “فتح”.
في هذا الوقت، هددت مصر بتعليق جهودها الرامية إلى رأب الصدع بين “حماس” و“فتح”. وقالت مصادر مصرية إن القاهرة وجهت خلال الساعات القليلة الماضية رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى قيادتي “فتح” و“حماس” بضرورة التدخّل لوقف معارك الشوارع، والا اضطرت القاهرة إلى نفض يديها من محاولة التوسط بين الطرفين.
وأشارت المصادر نفسها الى أن التحذير المصري يعتمد على تصور لوجود عناصر اقليمية تعمل في اتجاه معاكس للمساعي المصرية، مؤكدة أن هذا التصور يستند إلى معلومات استخبارية تلقّتها القاهرة تفيد بأن ثمة جهات فلسطينية في الداخل تتلقى دعماً من إيران وسوريا لإشعال الموقف السياسي والعسكري في الأراضي الفلسطينية، لإحباط المبادرة التي كان الرئيس المصري حسني مبارك أعلن عنها بخصوص إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وقالت مصادر مصرية رسمية لـ “الأخبار” إن الوضع الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة تقف وراءه ما سمتها “أياد خارجية مشبوهة” لتعطيل مسيرة السلام وإشعال حرب أهلية فلسطينية.
إلى ذلك، اغتالت القوات الاسرائيلية الخاصة أمس القائد في سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الاسلامي، أسيد مصطفى عمور (30 عاماً)، في بلدة رمانة، غرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية.