القاهرة ــ الأخبار
تشكّل شبه الحيويّة السياسيّة، التي عاشتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، منذ انطلاق عهد الرئيس حسني مبارك حتى الآن، مدخلاً لنوع من الإغراق السياسي، الذي اعتمد على التصريح الرسمي للجماعة بالعمل «شبه العلني»، والذي بدأت عواقبه تظهر منذ فترة، إلى أن وصلت إلى أوائل ذروتها، من خلال التعرّض للأصول الماليّة الإسلاميّة، ولجوء النظام إلى سياسة «التهجير المالي».
وكشفت مصادر مقرّبة من جماعة «الإخوان المسلمين» فى مصر أمس عن وجود تعليمات «ضمنية» وُجّهت إلى رجال أعمال، منتمين إلى «الجماعة»، تقضي بتوجيه أموالهم إلى خارج مصر، والتخفيف من استثماراتهم الداخليّة، في خطوة تمثّل محاولة لتلافي أضرار الحرب المالية، التي تشنّها الأجهزة الأمنية المصريّة على الرؤوس التي تدير أموال «الإخوان».
ومثّل توجيه تهمة غسيل الأموال إلى 29 من قادة «الإخوان»، مبرّراً لصدور قرار النائب العام المصري بالتحفّظ على أموالهم وممتلكاتهم، في ما يقوّم بأقوى ضربة وُجّهت إلى الجماعة منذ بداية حكم الرئيس حسني مبارك.
من جهتها، نفت مصادر «إخوانيّة» أن يكون الهبوط المفاجئ في أسعار البورصه المصريّة، خلال منتصف هذا الأسبوع، بسبب سحب «الإخوان» استثماراتهم، مشدّدةً على أنّ تلك الاستثمارات ليست ضخمة، وتقتصر على اثنين او ثلاثه من رجال الأعمال، أبرزهم عبد الرحمن سعودي، الذي ينتمى إلى عائلة تستحوذ على جزء كبير من صناعة السيارات فى مصر، وينقسم الولاء السياسي لزعمائها بين الحزب الوطني الحاكم و «الإخوان».
وتتباين التقديرات في شأن حجم الأموال التي تديرها الجماعة في السوق المصري، وتشير التقديرات الأمنية إلى أنّها تتجاوز21 مليار جنيه. إلّا أنّ مصادر إسلاميّة تحدّثت عن رقم يقارب سبعة مليارات جنيه، متركّزة في مجال المقاولات والأثاث والبرمجيات ودور النشر والإنتاج فى مجالات الأشرطة الصوتية وصناعة الأدوية.
وتنقسم إدارة أموال «الإخوان» بين الرعيل الأوّل، الفريق الذي هاجر بعد أزمة اعتقال الإسلاميّين عام 1959 إلى بلاد عربية وأوروبية، من جهة، والجيل الجديد الذي كانت نهاية الستينات بداياته، إلا أنّه شهد الانفراج الأوّل مع وصول السادات إلى الحكم، وخلال العمل «شبه العلني» في عصر مبارك.
وبحكم أنّ الاجهزة الأمنيّة تعلم أنّ الأموال تمثّل نقطة قوّة «الإخوان»، تمّ التركيز على أن تكون «الضربة» ماليّة، وباتّجاه مجموعة تجمع بين القيادة السياسية والإدارة المالية. وهو ما يجعل الهجرة المعاكسة حلّاً، إلّا أنّه لا يخلو من صعوبة، تعود إلى العلاقة المتينة للرياض (نقطة الوصول الرئيسيّة) بنظام مبارك، وبالتالي لن تسمح بنشاط موسّع، وإلى حقيقة مفادها أنّ الاتّهام بغسيل الأموال سيُلقي بظلاله على علاقة «الإخوان» بتنظيمات مصنّفة على «القائمة السوداء» في أوروبا والولايات المتحدة.
ويتزامن قرار هجرة الأموال الإسلاميّة مع توقّع إحالة قادة الجماعة، المقبوض عليهم، وعلى رأسهم النائب الثاني للمرشد خيرت الشاطر، ومحمد علي بشر، إلى المحاكمة، وخصوصاً بعد إصرار السلطات المصرية على احتجاز مجموعة «الإخوان»، التي أفرجت عنها محكمة جنايات القاهرة قبل ثلاثة أيام، وصدور قرار اعتقال إداري بحقّها.
وقال محامي «الإخوان»، عبد المنعم عبد المقصود، إنّ الأمور تسير بشكل سيّء، وكلّ الاحتمالات السلبيّة متوقّعّة، في ظلّ معلومات تؤكّد أنّ الشاطر أبلغ زملاءه المعتقلين معه بالاستعداد للسجن، بينما شدّد المرشد محمد مهدي عاكف على أفراد جماعته بالصبر على الشدائد، وأكّد فى رسالته الأسبوعية أنّ الاعتقالات لن تثني «الإخوان» عن هدفهم في المطالبة بالإصلاح، في كلمات تبدو مؤشراً إلى قرار بالتهدئة السياسية، بانتظار مرور التعديلات الدستورية في نيسان المقبل.