بول الأشقر
صراع هوغو تشافيز مع الإدارة الأميركية لا يقتصر على الدول الأميركية الجنوبية، فهو سيخوض غداً مواجهة جديدة، في عقر داره، مع جورج بوش، لتقرير مصير بقاء توجهاته

يتوجه غداً ناخبو فنزويلا إلى صناديق الاقتراع لاختيار خلف للرئيس هوغو تشافيز. وكل استطلاعات الرأي تدل على أن تشافيز سيكون مرة أخرى الفائز بنسبة كبيرة. ولكنالنتائج قد تكون أقل مما كان يتوقعه الرئيس الفنزويلي قبل أشهر قليلة؛ فهل من الممكن أن يخسر تشافيز الانتخابات الرئاسية، التي تسمح له بتجديد ولايته حتى نهاية عام 2012؟
الجواب هو بالإيجاب، لأن الانتخابات ديموقراطية، رغم صراخ المعارضة المحسوم سلفاً، إذ إن مراقبين دوليين يشرفون عليها، ومندوبو جميع المرشحين موجودون أمام صناديق الاقتراع، أضف إلى ذلك أن غالبية وسائل الإعلام تعارض الرئيس الفنزويلي بشراسة، وأن فنزويلا تعرف حراكاً سياسياً نادراً ما عرفته في تاريخها، كما تدل تظاهرات الملايين المؤيدة لتشافيز والمناوئة له، التي اجتاحت العاصمة في نهاية الحملة. كل هذا يجعل من الصعب وصف فنزويلا بـ«الديكتاتورية»، كما يحلو لبعض المعارضين القول.
وإذا كان السؤال يحاول أن يحدد النتائج، التي ستخرج من صناديق الاقتراع، فالجواب سلبي بحسب الأكثرية الساحقة من استطلاعات الرأي، التي ترجّح انتصار هوغو تشافيز وبفارق كبير، مع أن من الممكن أن تحمل النتائج تغييرات لغير مصلحته في الوضع السياسي الداخلي.
أسباب ترجيح فوز تشافيز بسيطة وشفافة. إنه يعود أولاً إلى السوابق التاريخية الحديثة: منذ أن قرر الضابط الذي تزعم انقلاباً فاشلاً عام 1992 خوض الانتخابات الرئاسية في العام 1998، لم يخسر تشافيز أي استحقاق انتخابي. فاز بالاستفتاء على وضع دستور جديد وفاز بالاستحقاق الذي صدّق على هذا الدستور الجديد، وفاز بالانتخابات الرئاسية التي أعيد تنظيمها في عام 2000 وفق الدستور الجديد. وفاز في جميع الانتخابيات النيابية والبلدية التي جرت بين وصوله إلى الرئاسة عام 1998 وانتخابات الغد.
وأخيراً، فهو تفوّق بفارق كبير في الاستفتاء، الذي دعت إليه المعارضة لإقالته بعد مرور نصف ولايته عام 2004، وواجه خلال كل ولايته، بالوسائل الديموقراطية، حرباً شرسة لإزاحته من السلطة بجميع الطرق، ومن أهم محطاتها الإضراب العام ووقف ضخ النفط، مروراً بالانقلاب العسكري، وصولاً إلى الاستفتاء بعد نصف الولاية، وهي آلية اخترعها شافيز نفسه!
والسبب الثاني يعود إلى الطفرة النفطية أو الريع النفطي. ومعروف أن فنزويلا خامس منتج نفط في العالم، وهو ما يمثل أكثر من ربع الناتج الداخلي للبلد وستين في المئة من مداخيل الدولة. بمعنى أن هوغو تشافيز يقوم بما عجز العالم العربي عن القيام به، أي إنه يقوم باستعمال منهجي لسلاح النفط. يستعمله لمصلحة الفقراء، وهو مصدر أساسي لتمويل برامجه الاجتماعية، التي توصل الصحة والتعليم والبضائع الرخيصة إلى داخل الأحياء الفقيرة. وهو يستعمله أيضاً لتوفير مقومات سياسته الخارجية من خلال بيع النفط بشروط مميزة لعدد من الدول الفقيرة، وخصوصاً في أميركا الوسطى وبحر الكاريبي، فضلاً عن المناطق الأخرى، بما فيها الأحياء النيويوركية الفقيرة.
فالنفط هو الطاقة التي تجعله تشافيز، المعروف للعالم اليوم بأنه المناوئ الأول للولايات المتحدة، والمواجه الأول لامتداد نفوذها في أميركا الجنوبية وبعض مناطق أفريقيا.
في المقابل، الأسباب التي تجعل انتصار تشافيز أصعب هذه المرة هي أيضاً جليّة: تعود أولاً إلى سوء إدارة البلد وتفشي الفساد الذي تزايد مع «أدلجة» تشافيز الدائمة، وأيضاً مع طبيعة المعارضة «الحربجية»، التي لم تتركه يحيا يوماً هادئاً خلال ولايته الأولى.
وتعود أيضاً إلى التضخّم، الذي يعانيه الفقراء، والذي هو الوجه الآخر لارتفاع أسعار النفط. وأيضاً إلى حالة الأمن المتردية في فنزويلا بشكل عام، والتي تجعل من كاراكاس إحدى أعنف المدن في العالم.
وقد عرفت فنزويلا حادثة خطف ثم قتل منذ أشهر قليلة، ذهب ضحيتها ثلاثة أشقاء من عائلة لبنانية بترونية الأصل كانوا يعودون من المدرسة، أثارت موجة استنكار عارمة، وحركت الانقسامات التقليدية في المجتمع الفنزويلي.
وترجيح الخسارة، يعود أخيراً إلى نجاح المرشح المعارض الأساسي، حاكم ولاية زوليا النفطية مانويل روزاليس، في القيام بحملة انتخابية مميزة، تمكّن خلالها من تجميع المعارضة المشتتة حول شعار «الوقاحة»، وفي استقطاب عدد من المترددين من خلال العرض عليهم، ليس فقط إزالة تشافيز، بل أيضاً برنامج اجتماعي بديل يقوم على توزيع 20 في المئة من مداخيل النفط على البرامج الاجتماعية، وبالكف عن توزيع موارد البلد إلى دول أخرى، وهو ما يلقى صدى في صفوف الفقراء.
بهذا المعنى يمكن القول إن تشافيز نجح هذه المرة في فرض روزنامته للانتخابات، حتى لو أدى هذا الفوز إلى زيادة أصوات خصمه.
كان تشافيز يحلم بأن يحصل على عشرة ملايين صوت ليربح المعركة بالضربة القاضية، ولا سيما أنه حصل على أقل من أربعة ملايين صوت عند انتخابه في العام 2000 (أكثر من 59 في المئة من الأصوات)، وعلى حوالى ستة ملايين في الاستفتاء الأخير الذي أراد إزاحته عن السلطة، (59 في المئة من الأصوات).
وتشافيز للحقيقة لا ينافس روزاليس، ولا يسميه باسمه، بل الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي يعتبره «الأصل» و«الإمبراطورية» كما يقول.
ولهذه المهمة، صار من الأسهل على «وريث بوليفار» أن يحصل على أنصار في الخارج بسهولة أكثر من الداخل.
وبسبب طبيعة المعارضة، وبسبب طابع تشافيز «الصدامي»، تعيش فنزويلا منذ ستة أعوام حرباً أهلية كلامية عنيفة جداً؛ ففي عدد كبير من العائلات، الشقيق يقاطع شقيقه أو الابن أباه بسبب هذه الخلافات السياسية.
وقد وصف أحد مستشاري الرئيس البرازيلي اغناسيو لولا دا سيلفا ما يحصل في فنزويلا بالقول: «لو أن الكلمات تقتل، لتخطى عدد القتلى في فنزويلا المليون».
إذا حصل شافيز غداً على أكثر من 60 في المئة من الأصوات، فهو انتصار مدوٍّ، وإذا حصل روزاليس على أكثر من 40 في المئة من الأصوات، فهي نتيجة طيبة له.
هذه التقديرات قد تكون الأقرب إلى التحقق، ولا سيما أن شعار تشافيز أنه «لا يصارع ضد روزاليس بل بوش»، وهو ما يجعله قادراً على جمع كل الذين يعارضون الرئيس الأميركي وأكثرية الفقراء الساحقة.