strong>“لا ننوي العودة إلى لبنان مهما حصل”، هذا ما قاله نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، في موقف هو الأوضح منذ الانسحاب من لبنان، ويقطع الطريق على حديث الصفقات، الذي فاح بعد المأزق الأميركي في العراقشدد نائب الرئيس السوري فاروق الشرع أمس على أن سوريا، فيما لو أرادت التدخل في الشؤون اللبنانية، لكانت قادرة على “حسم الموضوع منذ اليوم الأول للتظاهرات”، معترفاً في الوقت نفسه ومُقرّاً بتضرر علاقات دمشق بعدد من الدول العربية بسبب الوضع في لبنان، ومتهماً الرئيس الفرنسي جاك شيراك بـ “محاولة عزل” بلاده واستصدار قرار يدينها في مجلس الامن.
وقال الشرع، في كلمة أمام مؤتمر أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية المؤلفة من 10 أحزاب بزعامة حزب البعث الحاكم، “نحن لا نتدخل في لبنان، ولو أردنا التدخل لحسمنا الموضوع منذ اليوم الاول للتظاهرات”. أضاف “صدقوني نحن لا نتدخل، لدينا قرار في سوريا ألّا يعود جيشها إلى لبنان مهما حصل، لكن ما يربط سوريا ولبنان من أواصر تاريخ وعلاقات وجغرافيا سياسية ومصالح مشتركة اقتصادية وغير ذلك كاف لجعل العلاقات من أقوى العلاقات، التي عرفتها الدول العربية”.
وتابع الشرع “سيستمر هذا الصراع في لبنان إذا استمر البعض في استيراد إرادة سياسية من الخارج، من الوصاية الدولية، وهذا لن يؤدي إلى بناء لبنان واحد مستقل، وهذا لا علاقة لسوريا به”.
وأشار الشرع إلى أن علاقات سوريا ولبنان بعد انسحاب الجيش السوري “ستكون أقوى مما سبق، إذ إننا لسنا بحاجة إلى وجود عسكري هناك”. أضاف “لا أحد يستطيع أن ينزع العاطفة من الجانبين، أنا لا أتحدث عن فئة صغيرة مغمورة هزيلة مريضة، بل اتحدث عن فئة كبيرة”.
وقال الشرع “هل تتصورون أن جندياً لبنانياً يطلق النار على جندي سوري أو العكس”، مضيفاً “من لا يفهم هذه المسألة فلا مستقبل له”.
وأشار الشرع إلى أن قوى خارجية “تتدخل الآن في لبنان ضد سوريا فقط”. وقال “يريدون قطع أي صلة بين سوريا ولبنان، اذا تواصلنا مع أي لبناني، فنحن نتدخل في الشأن اللبناني، أما هم فيأتون ويذهبون في الليل والنهار ويقابلون من يريدون ويحذفون ويُقصون من يريدون وهم لا يتدخلون أبداً”.
أضاف الشرع “ينتصر اللبنانيون في جنوب لبنان على إسرائيل، ويأتي بعض الجهابذة السياسيين في لبنان ويقول: هُزمنا وإسرائيل انتصرت، فيما تؤلّف إسرائيل لجنة تحقيق في شأن هزيمتها”.
وأقرّ الشرع بأن علاقات سوريا بدول عربية أخرى قد ساءت في الآونة الأخيرة بسبب الموقف في لبنان. وقال “لدينا جميعاً قلق من تراجع العلاقات السورية السعودية والسورية المصرية. العلاقة بالسعودية فيها الكثير من الشخصانية كعلاقتنا بالرئيس (الفرنسي جاك) شيراك. نحن عرب نغضب بسرعة ونهدأ بسرعة. نأمل أن ننجح في ألّا نتيح للآخرين أن ينزلقوا باتجاه عداء طويل الأمد، فهو ليس في مصلحة أحد”.
وميّز نائب الرئيس السوري بين استئناف العلاقات الدبلوماسية مع العراق والعلاقات المحتملة مع لبنان، مشيراً إلى “أنه ليس هناك عبر التاريخ مثل هذه العلاقة بين دمشق ولبنان”، إلا أنه أضاف “نحن نوافق من حيث المبدأ عندما تكون الأجواء مناسبة، وخصوصاً أن البعض يريد خلق حالة عداء” بين الجانبين. أضاف “حين يكون لبنان قادراً على احترام مثل هذه العلاقات، سيكون لنا قنصليات من طرابلس إلى صور وصيدا”.
وأعرب الشرع عن أسفه لأن قوى الاكثرية في لبنان “تطلق الاتهامات جزافاً ضد سوريا قبل أن يصل التحقيق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري إلى نتيجة”. واتهمهم “بالعيش على إرث الحريري، وهو شخصية سياسية ومالية مهمّة جداً تتجاوز حدود لبنان”.
وعلّق الشرع على كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون أنه لن يبقى ضد سوريا ما دامت خرجت من لبنان، بالقول إن “كلامه صحيح ومنطقي وعقلاني”.
وعن التحركات الأوروبية الأخيرة في سوريا، قال الشرع “إن الاتحاد الأوروبي بصدد مراجعة سياسته الخارجية بشكل عام وسياسته حيال سوريا بشكل خاص، ولا سيما أنه صدم بنتائج الحرب الأميركية على العراق، التي انضموا اليها بشكل أو بآخر”.
وفي إشارة مباشرة إلى فرنسا، قال الشرع “نعبّر عن الأسف لأن أهم دولة أوروبية تناصبنا العداء”، مضيفاً إن “رئيس جمهوريتها” في إشارة الى جاك شيراك “يتصل بأعضاء دائمين وغير دائمين في مجلس الامن لتمرير قرار ضد سوريا في مجلس الأمن، وكأن سوريا تشكّل هاجسه الرئيس”.
وأشار الشرع إلى أن “أحد الموفدين الأوروبيين، الذين قدموا أخيراً إلى دمشق، قال له إن شيراك طلب مني ألا أذهب” إلى العاصمة السورية. وقال الشرع لقد “توصلنا إلى موقف واحد مع هذه الدولة قبل الحرب على العراق، وكانت الحماسة الفرنسية كبيرة جداً لدرجة أن فرنسا بدأت تشكّل تحالفاً مع بعض الدول الأوروبية ضد الحرب على العراق”. أضاف إن “الأمور عادت إلى مجاريها بين باريس وواشنطن على حسابنا”.
وقال الشرع إن “بعض الأوروبيين الذين يزوروننا يكررون مطالب الولايات المتحدة، وبعضهم الآخر يكرر جزءاً من هذه المطالب، بينما يخجل بعضهم ويستمع إلى وجهة النظر السورية”.
وفي شأن الموقف السوري من المؤتمر الدولي حول العراق، قال الشرع إن “دولاً أوروبية كثيرة تطرح هذا المؤتمر، ومن ضمنها فرنسا واسبانيا وايطاليا وقبلها بريطانيا”. أضاف “هناك أطراف عديدة تطرح هذه الفكرة من دون ان تحدد ما المطلوب منها”. وأشار الى أن بلاده “تريد أن تعرف نتائج الحوار والمؤتمر، إذ إن انعقاده ليس الغاية بل الغاية معرفة النتائج التي يأمل أن يتم التوصل إليها”.
من جهة ثانية، استقبل الرئيس السوري بشار الاسد أمس رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصل إلى دمشق لاجراء محادثات حول آخر التطورات في المنطقة، وخصوصاً في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية.
وشدد الاسد واردوغان بعد اللقاء على ضرورة “بذل الجهود لتخفيف حدة التوتر في المنطقة”، حسبما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسية (سانا).
وقالت “سانا” إن “الاسد واردوغان استعرضا الأوضاع على الساحة العراقية والفلسطينية واللبنانية وعلاقات التعاون والصداقة بين البلدين، وخصوصاً في المجال الاقتصادي”. واشارا إلى “ضرورة استمرار التنسيق والتشاور بين البلدين في ما يخص قضايا المنطقة والأمور ذات الاهتمام المشترك”.
(سانا، د ب ا، يو بي آي، رويترز)