حيفا ــ فراس خطيب
لم يكن مساء الخميس اعتيادياً مع غياب الكاتب والصحافي الفلسطيني أحمد أبو حسين. كل شيء يتوقف فجأة بعد فاجعة رحيله. صمت يراوح بين الواقع ورفضه، بين الأقدار وسخريتها. كان لا بدّ من أن تتوقف طابعات الصحف المحلية الأسبوعية أيضاً مساء أمس في انتظار خبر يحمل بين سطوره مناقب الراحل أو رواية عن غياب مبكر.
أصيب أبو حسين بنوبة قلبية حادة لم تمهله كثيراً، نقل إلى المستشفى مباشرةً، لكنّ محاولات الإنعاش لم تجدِ نفعاً، ليُسدَل الستار على حياة غنية مشبعة بالنضال والالتزام والثقافة والإعلام. غاب أبو حسين تاركاً زوجةً وأربعة أبناء. وسيشيع جثمانه اليوم، بعد صلاة العصر في مدينته الفلسطينية أم الفحم.
كان أبو حسين إعلامياً بارزًا ووطنياً من مؤسسي موقع «عرب 48»، وشغل منصب رئيس مجلس الإدارة فيه تطوعاً حتى يومه الأخير. ولد قبل 44 عاماً في بيت وطني لعائلة وطنية. كان أبو حسين أحد القلائل، الذين يكتبون في الشأن السياسي وتأتي نصوصهم ثرية بالأفكار والإحالات، التي تنمّ عن ثقافة صاحبها.
كان أحد القلائل الذين تمتعوا بقدرة متميزة على تحليل الحال الاقتصادية وتأثير الاقتصاد على العمليات السياسية وعلى صناعة القرار. تميّز بشكل خاص بعطاء لا يعرف الحدود للعمل الوطني والثقافي والاعلامي بشكل يمكن القول إنه «نادر» في أيامنا الحالية... فقدانه خسارة من الصعب تعويضها.
تاريخه النضالي حافل لا يتهاون مع المساومين. يعدّ من الشخصيات البارزة في الحركة الوطنية لدى الفلسطينيين في الداخل. كان عضواً في حركة «أبناء البلد»، ثم وقف جنباً إلى جنب، مع عزمي بشارة وقياديين آخرين، عند تأسيس «التجمع الوطني الديموقراطي».
للفقيد عدد من الدراسات والمقالات التي تناول من خلالها الفلسطينيين في الداخل، ودراسات في الشأن الإسرائيلي. له علاقات متشعبة مع كتّاب ومثقفين في العالم العربي، ونشرت مقالاته في الكثير من منابر الخارج. وكان ناشطاً في عدد من الجمعيات الأهلية في الداخل.
رأى الدكتور عزمي بشارة أن المُصاب خسارة فادحة للحياة الثقافية والحزبية، وله شخصياً، «وخصوصاً أنّ المرحوم كان مُحرّكاً أساسياً من مُحرّكات العالم الوطني الإعلامي في الداخل، في مواجهة تُرّهات وسخافات الإعلام الرخيص».
وأشار بشارة إلى أنّ «الفقيد عُرف بعناده وصلابته وسعة ثقافته وتصديه لكل ما هو زائف ومتخلف في الحياة الثقافية والإعلامية»، مضيفاً «لا يمكن التعليق على عُمق المُصاب الشخصيّ بالنسبة إلي، فهذا أمر يصعب التعليق عليه أو شرحه في هذا اليوم لأني لم أستوعب الخسارة بعد».
وقال بشارة «كان أحمد قريباً مني جداً، وكنت أرى أنّه ناطق باسمي في عدة دول عربية، وفي الاتصالات مع الحركات الثقافية والوطنية، حيث تمتع بمكانة، وخصوصاً بين المثقفين والفنانين والأدباء، ولا سيّما في مصر، التي كان بمثابة حلقة الوصل بيننا وبين هذا البلد».
بين سطور هذه السيرة العريضة كان أبو حسين إنساناً يعشق الحياة ويملك روحاً فكاهية لا تعرف الحدود. صوته عالٍ وخشن ولهجته «فحماوية أصلية». بات غيابه حقيقة لكنّ القريبين منه لم يتجاوزوا الصدمة بعد.
وُلد المرحوم أبو حسين عام 1962، وهو متخرّج من جامعة تل أبيب من قسم علوم الإحصاء ومتخرّج من جامعة حيفا في مجال حسابات التخمين. اشتهر بجرأته الكبيرة ومبدئيته غير المُساومة، إلى جانب حسّه المُرهف والكبير، وبكونه محبوباً وذا شعبية كبيرة بين الناس، في ظلّ التزامه الحزبي والوطني الذي اشتهر به.
من مقال أبو حسين الأخير، الذي يحمل عنوان «اغتصاب عقول»، يقول «في ليلة القدر المقدسية هذا العام ظهر المهدي المنتظر بعمامة خضراء حاملاً سجلاً بشجرة عائلته. وبكى المصلون في عكا صبيحة يوم العيد على شعرة الرسول. وقتل شابان من قرية جلجولية. واصطدمت سيارة كانت مسرعة إلى رحلة العيد في باص راح ضحيتها شاب. وغادر عشرة آلاف عربي من الداخل إلى شرم الشيخ للاستجمام في العيد. ونشر موقع دعائي على الإنترنت دعوة عامة لدخول الجنة شروطها وصلت إلى 20 بندا. (مجموعة أخبار محلية تغتصب العقول).
سني، شيعي. مسلم، مسلم سني، مسلم شيعي. أرثوذكس، كاثوليك. بروتستانت، موارنة، مسيحي، مسيحي شيعي، مسيحي سني، أعياد للطوائف الشرقية، أعياد للطوائف الغربية، شيخ، مُفتٍ، مولى، معتكف راهب فرانسيسكان. خوري، أبونا، ماما.. بطرك، بكركي، كنيسة العذراء، البشارة، الناصرة، بيت لحم، مكة المكرمة، المدينة المنورة، الأزهر الشريف، النجف الأشرف، الكعبة المشرّفة، والأقصى الشريف. بيار الجميّل وسمير جعجع وجورج عدوان، أنطون زهرا ونوري المالكي وطارق الهاشمي.. ( كلام ليس له علاقة بهذيان الأنفلونزا.. فقط..)».