محمد بدير
أثار تقرير بيكر ــ هاملتون قلقاً خفياً في إسرائيل من إمكان أن يكون محطة لتغييرٍ في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط يكون على حسابها. وقد تجلى هذا في حظر رئيس الورزاء إيهود أولمرت، أي تصريح رسمي، تحييداً لتل أبيب عن الجدل المتوقع أن يطلقه التقرير

بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أمس، واثقاً من استعداد الرئيس الأميركي جورج بوش، لإجهاض التوصيات التي تضمنها تقرير بيكر ــ هاملتون بشأن العمل على حل الصراع العربي ــ الإسرائيلي، رافضاً الربط بين هذا الصراع وبين الموضوع العراقي.
وقال أولمرت، في أول تعليق رسمي إسرائيلي على التقرير، إن القرار بشأن قبول التوصيات التي وردت فيه هو في يد بوش و«أنا أثق بفكره وحس المسؤولية لديه والزعامة التي يبديها». وأعرب أولمرت، في كلمة ألقاها أمام لجنة رؤساء تحرير وسائل الإعلام الإسرئيلية أمس، عن عدم موافقته على ما تضمنه التقرير بشأن دعوة الولايات المتحدة إلى حل الصراع الشرق أوسطي بين إسرائيل والعرب سبيلاً لتحقيق الأهداف الأميركية في المنطقة. وقال إن لدى إسرائيل رأياً مخالفاً في هذا الخصوص «كما كان للرئيس الأميركي، على حد علمي، رأي مخالف في هذا الموضوع». وأضاف أن «المشكلات الأميركة في العراق منفصلة تماماً عن النزاع الذي نخوضه مع الفلسطينيين»، مشيراً إلى أن «الشرق الاوسط فيه الكثير من المشاكل التي لا علاقة لها بناوتمحور تعليق أولمرت على التقرير حول التوصية التي تتحدث عن ضرورة إعادة الجولان إلى سوريا، وإجراء محادثات معها للتوصل إلى سلام. وقال «ليس علينا بالضرورة أن نتفق مع بيكر، وقد قال الرئيس الأميركي وكل أفراد إدارته إنهم لا يرون إمكاناً لمفاوضات، سواء أميركية ــ سورية أو إسرائيلية ــ سورية»، موضحاً أن فرص استئناف هذه المفاوضات في المستقبل القريب «ضئيلة»، عازياً السبب إلى «سعي سوريا إلى زعزعة استقرار السلطة اللبنانية ودعمها لحماس».
وشدد أولمرت على أنه لم يسمع في الاجتماع الذي عقده مع بوش الشهر الماضي في واشنطن، شيئاً يشير إلى تغير في موقف الولايات المتحدة بشأن عدم التفاوض مع سوريا».
وبدا أولمرت مصرّاً على التشدد حيال سوريا، فرأى أن «السؤال عمّا نحن مستعدّون لتقديمه للسوريين ليس هو السؤال، بل ماذا علينا أن نحصل من سوريا إذا تفاوضنا معهم».
وخلص أولمرت إلى التقليل من أهمية التقرير، معتبراً أنه «لا يعكس موقف الولايات المتحدة، بل رأياً داخلها، وهو شأن أميركي خاص في المقام الأول»، مستبعداً ممارسة ضغوط على إسرائيل على خلفيته.
وكانت مصادر في مكتب أولمرت قد قالت أمس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي «ليس قلقاً» من التقرير لأنه «تلقّى وعداً من بوش خلال لقائه الأخير، بأن الولايات المتحدة لن تحيد عن مبادئ سياستها تجاه العناصر ذات الصلة بالإرهاب، وكذلك تجاه البرنامج النووي الإيراني».
وذكرت صحيفة «هآرتس» أنه برغم اشتمال التقرير على «بنود غير مريحة بالنسبة إلى إسرائيل»، فإن أولمرت قرر ألا يعقّب أي مسؤول رسمي إسرائيلي عليه من أجل عدم زج إسرائيل في بؤرة النقاش الجماهيري المتوقع أن يبدأ في الولايات المتحدة وخارجها فيه، واحتمال أن يربطها، أي إسرائيل، بالأزمة في العراق.
وأشارت «هآرتس» إلى أن خطاب أولمرت الاسبوع الماضي في «سديه بوكر»، الذي أطلق فيه مبادرته السياسية، كان من الناحية العملية فعلاً وقائياً إزاء نشر تقرير بيكر ــ هاملتون وردّاً مسبقاً على النقد الذي سيثور على اسرائيل في سياق توصيات التقرير.
ورغم حظر التعليق الذي تحدثت عنه الصحيفة، فإنها نقلت عن مصادر سياسية إسرائيلية استياءها وعجبها لاستخدام تقرير بيكر ــ هاملتون لمصطلح حق العودة للاجئين الفلسطينيين بوصفه إحدى قضايا التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين. وبحسب الصحيفة، فإن هذه المصادر أشارت إلى أنه «حتى قرارات القمة العربية في بيروت والمبادرة السعودية امتنعت عن ذكر قضية حق العودة»، معتبرة أن هذا البند في التقرير يتناقض مع «رسالة الضمانات» التي سلمها بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون في نيسان من عام 2004. كما انتقدت المصادر الإسرائيلية معدّي التقرير لتجاهلهم الكامل لمبادرة السلام السعودية وقرارات القمة العربية في بيروت، وأشارت إلى أن أولمرت تطرّق ايجابياً أخيراً إلى المبادرة السعودية.
ومثّل تقرير بيكر ــ هاملتون محور اهتمام لعدد من المعلقين الإسرائيليين الذين أجمعوا على كونه يمثل مصدراً للقلق في تل أبيب. ورأى مندوب إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة دوري غولد، أن «إسرائيل ملزمة الاستعداد لواقع جديد تماماً»، انطلاقاً من تشخيصه أن التقرير «يشير إلى وجود ميل يراكم زخماً في الحزيين الكبيرين في الولايات المتحدة». وهذا الميل، بحسب غولد «يتمثل في النهج المؤيد لانسحاب أميركي من العراق. ومجرد استعداد مُعدّ التقرير للشروع في محادثات مع إيران ومع سوريا، يمثّل تطوراً مقلقاً لأن الولايات المتحدة لا تضع شروطاً مسبقة لهذه المحادثات، ولم تتطرق إلى المشروع النووي الإيراني الذي يتواصل تطويره».
ورأى غولد التقرير «انتصاراً إيرانياً لأن الاميركيين يطلبون مساعدة ايران وسوريا، الدولتين اللتين تثيران المشكلات، والثمن لقاء ذلك سيكون مرتفعاً جداً». وأعرب غولد عن اعتقاده بأنه سيجري اعتماد جزء كبير من التقرير، قبل أن يخلص إلى الاستنتاج بأن التقرير يثبت أن «إسرائيل لم تنجح في نقل رسالة واضحة إلى النخب في الولايات المتحدة إزاء الخطر الإيراني»، ومغزى ذلك، كما يعتقد غولد، أن «إسرائيل ستكون ملزمة أن تأخذ في الحسبان تزايد التأثير الإيراني، لا في سوريا فقط، بل في العراق أيضاً وفي كل مكان فيه سكان شيعة يتجندون لمصلحة إيران».
أما رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند، فقال من جهته إنه «إذا ما تناولنا الجانب الإسرائيلي من التقرير، فإنه يريد رؤية نهاية للصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني». وأضاف أن بوش موجود بين المطرقة والسندان ولن يقدم على تنفيذ شيء سيعدّ استسلاماً «للإرهاب» ولذلك فإن «الولايات المتحدة لا تريد الضغط على إسرائيل أبعد من خط معين».
ورأى سلف آيلاند في منصبه، اللواء احتياط عوزي ديان، أن «التقرير يؤثر مباشرة في استراتيجية الولايات المتحدة، لا إسرائيل. فهو يتحدث عن السياسة الأميركية. والتقرير لا ينبغي أن يثير قلق إسرائيل. فما يُقلق إسرائيل هو غياب القيادة وفقدان الطريق. والتقرير يقول ويدعو لتدخل أميركي أكثر عمقاً. وهو في الواقع يقول إنه يجب على الأميركيين أن يكونوا أكثر تدخلاً في العمليات داخل الشرق الأوسط. فدولة مثل دولتنا، وهي دولة قوية من الناحية الأمنية والاقتصادية، لا ينبغي لها أن تخشى من وضع يشمل تدخل أميركي، إذا عرفنا كيف نستخدم قوتنا، وكيف نوفر الأمن الشخصي، وإذا عرفـنا كيف نستغلّ قوتنا الاقتصادية».