غزة ــ رائد لافي
«فتح» تطالب بإقالة الحكومة و «حماس» تحذّر من «خيارات كارثية» وهنية يعود خلال يومين

هزّت الأراضي الفلسطينية أمس جريمة قتل راح ضحيتها ثلاثة أطفال والمرافق الشخصي لوالدهم الضابط في جهاز الاستخبارات الفلسطينية.
طغت هذه الجريمة على الأزمة الداخلية، ودخلت في بعض سجالاتها مع مطالبة نائب من حركة “فتح” باستقالة وزير الداخلية سعيد صيام، في وقت بدا أن رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية يقترب من ختام جولته التي كان من المقرر أن يستكملها أمس في السعودية، إلا أنه انتقل إلى الخرطوم من دون تقديم إيضاحات.
وقالت مصادر محلية وشهود عيان لـ“الأخبار” إن مسلحين مجهولين يستقلون سيارتين مدنيتين اعترضوا طريق السيارة، التي كان يستقلها محمود الهبيل (25 عاماً) وبرفقته ثلاثة من أطفال المقدم في جهاز المخابرات بهاء بعلوشة، وفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة ليخترق نحو 60 عياراً نارياً السيارة أودت بحياة الهبيل والأطفال الثلاثة.
وقالت مصادر طبية فلسطينية إن الاطفال هم: أسامة (9 أعوام)، أحمد (7 أعوام)، وسلام (6 أعوام).
وقال الشهود إن بعلوشة كان ينظر من شرفة شقته في برج السراج في حي الرمال الراقي في المدينة، عندما أطلق مسلحون النار على السيارة على بعد نحو 50 متراً من منزله.
وشيّع نحو عشرة آلاف فلسطيني ضحايا الجريمة في جنازة مهيبة، وسط أجواء من الغضب والحزن الشديدين، مصحوبة مع إطلاق عشرات المسلحين النار في الهواء، مطالبين بالقصاص من القتلة.
وبدا الجو مشحوناً ضد حركة “حماس” والحكومة والمجلس التشريعي، حيث صدحت حناجر المشيعين بهتافات مناوئة للحركة وحكومتها، بينما أطلق آخرون النار في اتجاه المجلس التشريعي، فيما رجح البعض أن يكون عملاء ومتعاونون مع إسرائيل وراء الجريمة، لأن الضابط بعلوشة كان أحد نشطاء صقور “فتح”، الجناح العسكري لحركة “فتح” إبان الانتفاضة الاولى.
وعم الحداد مدينة غزة حيث أغلقت المحال التجارية أبوابها وعلقت المدارس والجامعات التعليم ليوم واحد، فيما تلت المساجد، عبر مكبرات الصوت، آيات قرآنية. وأحرق صبية وشبان غاضبون إطارات السيارات في شوارع غزة الرئيسية.
ودان المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، “بشدة هذه الجريمة النكراء المرفوضة”. ورأى أن “الفاعلين الجناة يتحملون مسؤولية تبعات جريمتهم الهادفة إلى توتير الأجواء في هذه المرحلة الحساسة”، مطالباً الجهات المختصة بـ“الكشف عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة”.
أما النائب عن حركة “فتح”، محمد دحلان، فقد وصف الجريمة بأنها “مذبحة بشعة تشبه إلى حد كبير ما يحدث في الجزائر، ولم ينفذها الاحتلال من قبل”. وقال إن “قوى ظلامية مجرمة تحاول أن تدمر الشعب الفلسطيني”، مضيفاً ان “ذبح الأطفال في شوارع غزة لن يمر من دون عقاب”.
وفي ما بدت كأنها اتهامات مبطنة لحركة “حماس”، قال دحلان إن “الذين قتلوا الشهيد (جاد) التايه (الضابط في المخابرات العامة الفلسطينية) تم تهريبهم الى مصر، والذين قتلوا العقيد الموسى من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية هربوا الى المعبر، والذين حاولوا اغتيال أبو علي شاهين (القيادي في فتح) لم يتم التعرف إليهم”. وتوعد بأن “الرد على تلك الجرائم سيكون غير مسبوق”.
وطالبت كتلة “فتح” البرلمانية عباس بإقالة الحكومة في أعقاب الجريمة. ودعا النائب عن كتلة حركة “فتح” في المجلس التشريعي، عبد الحميد العيلة، أعضاء المجلس إلى تقديم استقالتهم الجماعية بعد “الفشل الذريع في حفظ الأمن”.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني، خالد أبو هلال، إن “وزير الداخلية أصدر تعليمات واضحة لكل الأجهزة الامنية، بما فيها القوة التنفيذية، للوصول إلى نتائج سريعة تكشف عن هوية مرتكبي هذه الجريمة”.
ورأت حركة “حماس” أن “مسلسل الجرائم الدامية يهدف إلى إرباك الساحة الفلسطينية الداخلية”. وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، إن الحركة “تنظر بخطورة بالغة إلى الجريمة البشعة والنكراء”، مشدداً على أنه “من المحال أن يكون منفذوها من أبناء شعبنا”.
وفي الخرطوم، دان رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية الجريمة، وقال إن الحكومة لا يمكنها الصمت في مواجهة تلك الجريمة البشعة.
وأعلن هنية، لقناة “العربية” التلفزيونية، أن السلطات الإيرانية وعدت بتقديم مساعدة بقيمة 250 مليون دولار لحكومته، أثناء زيارته إلى طهران. وقال: “قدموا عدداً من المشاريع التي تشكل دعماً مالياً واقتصادياً مباشراً للحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني منها على سبيل المثال تخصيص مبلغ 120 مليون دولار كدعم مالي لسنة 2007”. وتابع: “وثانياً، تبني صرف رواتب الموظفين في ثلاث وزارات من وزارات السلطة الفلسطينية ولمدة ستة أشهر”.
وفي ما يتعلق بالأزمة الداخلية، اتهم هنية عباس بمحاولة إطاحة حكومته. وقال هنية إن إجراء انتخابات جديدة من شأنه أن يزيد تفاقم الموقف. وأعرب عن انفتاحه على “أي مبادرة” لمعالجة الأزمة السياسية الفلسطينية يطرحها السودان.
إلى ذلك، أعلن مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني، أحمد يوسف، أن هنية سيختتم جولة استمرت أسبوعين شملت دولاً عربية وإيران وسيعود إلى قطاع غزة بعد يومين.
ومن المقرر أن يعود هنية إلى العاصمة المصرية القاهرة اليوم الثلاثاء وبعدها يستعد للعودة براً إلى قطاع غزة. وشملت جولة هنية زيارة كل من مصر وسوريا وقطر والبحرين
والسودان وإيران، ولم يتمكن من زيارة السعودية والكويت وسلطنة عمان والأردن.
واستبقت حركة “حماس” الخطاب المرتقب للرئيس محمود عباس السبت المقبل، ورفعت من وتيرة تهديداتها، محذرة عباس شخصياً من كون “الانقلاب على القانون سيكون له خيارات كارثية”.
وشدد نائب رئيس كتلة “حماس” البرلمانية، يحيى موسى، على أن عباس “ليس فوق القانون ونحن لسنا في زمن الديكتاتوريات والحكم الفردي، وإنما نعيش في زمن الديموقراطيات”. وحذر من أن “خيارات الاعتداء والانقلاب على القانون هي خيارات كارثية لا يمكن للرئيس ولا غيره أن يتحمل عواقبها”.


الذين قتلوا الشهيد (جاد) التايه (الضابط في المخابرات العامة الفلسطينية) تم تهريبهم إلى مصر، والذين قتلوا العقيد الموسى من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية هربوا إلى المعبر، والذين حاولوا اغتيال أبو علي شاهين (القيادي في فتح) لم يتم التعرف إليهم