بول الأشقر
لا أحد يعلم الكثير عن طفولة هذا الولد الباهت، ابن العائلة المتواضعة من منطقة فالبريزو، الفرنسية الأصل، والتي أتت الى تشيلي في القرن السابع عشر. كل ما هو معلوم أن أوغيستو بينوشيه، الذي ولد عام 1915، كان في الثامنة والخمسين، وكان يستعد للتقاعد، عندما دعي لقيادة الجيش. دعاه سلفه كارلوس براتس، الذي كان قد أصبح وزيراً للدفاع والذي كان يرى فيه عسكرياً منضبطاً، لا أفكار خاصة تميّزهوافق الرئيس سالفادور ألليندي على هذا القرار، لأنه كان قد سبق أن تعرف إلى بينوشيه في محفل ماسوني وكان ينظر إليه بعاطفة. بعد أسبوعين، كان بينوشيه يخون ألليندي وبراتس ويلتحق بمشروع انقلاب كان يعدّه بعض العسكريين وبعض الصحافيين بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. كانت هذه المشاريع الانقلابية تحظى برضى صامت أو مكشوف من قطاعات واسعة من المجتمع التشيلي.
نفذ الانقلاب في الحادي عشر من أيلول عام 1973، وقصف القصر الرئاسي في لامونيدا، وانتحر ألليندي بالرشاش الذي أهداه له الزعيم الكوبي فيديل كاسترو بعدما بث بصوته رسالة موجهة إلى الشعب. تسلم بينوشيه قيادة الزمرة العسكرية التي كان من المفترض أن تكون تداولية، بصفته قائد الجيش. وبعد سنة، تحوّل إلى «رئيس» حلّ المجلس ومنع الأحزاب.
كان بينوشيه مستلهماً من الدكتاتور الإسباني فرانكو، اكتشف أنه «منقذ التشيلي من براثن الشيوعية». البعض يقول إنه اخترع لنفسه هذا الدور ليغطي خيانته الأصلية. تميّز حكمه باعتقال ثلاثين ألف مناضل ونقابي ومواطنين عاديين، وبتعذيبهم، وقد حفظت ذاكرتهم صورة ملعب كرة القدم المملوء بالمعتقلين السياسيين في الأيام التي أعقبت الانقلاب.
لقد أبادت الـ«دينا»، فرقة البوليس السياسي التي أسسها بينوشيه عام 1974، والتي سلمها إلى أقرب معاونيه، ثلاثة آلاف مناضل، أشهرهم المغني الشيوعي فيكتور خارا، الذي وجدت جثته ويداه مقطعتان. وامتدت عملياتها إلى الدول المجاورة بالتنسيق مع ديكتاتوريات البرازيل والباراغواي وبوليفيا والأوروغواي والأرجنتين حيث لقي كارلوس براتس مصرعه.
سلّم بينوشيه الاقتصادي ميلتون فريدمان شؤون تشيلي، حيث استغل هذا الأخير غياب الأطر النقابية للقيام بأول تجربة نيو ــ ليبرالية في العالم. وعرفت تشيلي معدلات نمو عالية فيما سمح للطبقات الوسطى بأن تحسن مستويات معيشتها.
وعام 1980، دعا بينوشيه إلى استفتاء أقرّ بنسبة 67 في المئة دستوراً جديداً أبقاه رئيساً لولاية جديدة لغاية 1988. في عام 1986، نجا من محاولة لاغتياله نفّذتها مجموعة شيوعية مسلحة. ومع تغيّر الرياح في أميركا اللاتينية وبعد زيارة البابا إلى تشيلي، أراد بينوشيه أن يؤقلم نظامه فأقر عفواً عاماً وسمح بعودة الأحزاب. وأراد تتويج سيرته باستفتاء أخير يعطيه الحق بولاية أخيرة من ثماني سنوات. وبالرغم من الاحتياطات التي اتخذها، فاجأته الصناديق ورفض الشعب التشيلي منحه فرصة إضافية بنسبة 53 في المئة من الأصوات. فأجبر على التخلي عن السلطة عام 1990، لكنه ضمن مستقبله في المحافظة على قيادة الجيش خلال عشر سنوات وعلى مقعد في مجلس الشيوخ مدى الحياة.