غزة ــ رائد لافي
“الفوضى” هي أول بوادر التدهور الأمني في قطاع غزة، بعد انسداد الأفق السياسي، والأيام المقبلة قد تحمل ما هو أخطر ولا سيما مع اقتراب “لحظة الحسم” في خطاب الرئيس الفلسطيني

فتحت جريمة قتل الأطفال الثلاثة في غزة أول من أمس، الباب على مصراعيه أمام الفوضى الأمنية والاشتباكات بين عناصر من “فتح” و“حماس”، والتي أدت أمس إلى إصابة أربعة أشخاص، في وقت ازدادت وتيرة حرب التصريحات بين الطرفين، وسط دعوات غير مباشرة من “فتح” إلى الخروج إلى الشارع، في ما يبدو تحضيراً لخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس السبت المقبل، والذي يرجح أن يدعو إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكّرة.
وتبادلت قوات أمن فلسطينية تابعة لعباس ورجال الشرطة التابعة لحركة «حماس» إطلاق النار في جنوب غزة. وقال مسؤولون في مستشفى إن إثنين من أفراد قوة الأمن التابعة لعباس أصيبا، وإن أحدهما إصابته خطيرة. وقال متحدث باسم قوة شرطة «حماس» إن إثنين من أفراد القوة أصيبا أيضاً وإن أحدهما حالته حرجة.
وذكر مصدر أمني أن “عدداً من أفراد القوة التنفيذية (التابعة لوزارة الداخلية) أطلقوا النار قرب مفترق بلدة بني سهيلة في خان يونس على عدد من المتظاهرين بعدما قام عدد من الصبية برشق الحجارة تجاههم”.
وجاءت الاشتباكات عندما تظاهر العشرات من أفراد الأجهزة الأمنية في مناطق عديدة في القطاع، احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم من جهة، وانتشار ظاهرة الفلتان الأمني من جهة ثانية.
وفي إطار ظاهرة الفلتان الأمني المتصاعدة، قتل مسلحون مجهولون مساء أول من أمس المواطن جمال فريح أبو سليم (35 عاماً) في مدينة خان يونس.
وفي السياق نفسه، أصيب المواطن محمد أبو عرار (22 عاماً) بجروح طفيفة جراء تعرضه لإطلاق نار على أيدي مسلحين مجهولين في حي الشابورة وسط مدينة رفح.
وهاجم مسلحون مجهولون، مساء أول من أمس العميد في التوجيه الوطني والسياسي، فؤاد صميدة، أثناء مروره على الطريق الساحلية غربي بلدة الزوايدة وسط القطاع، وقاموا بالاعتداء عليه، وتركوه مقيداً قرب الشاطئ، حيث عثرت عليه القوة التنفيذية وأوصلته إلى منزله في مخيم جباليا شمال القطاع.
وكان عباس قد أصدر أوامره بنشر قوات الأمن في شوارع القطاع في محاولة لمنع حدوث جرائم مشابهة للجريمة التي أودت بحياة الأطفال الثلاثة، فيما انتشر كذلك أفراد من القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية. وقال الناطق باسم القوة، إسلام شهوان، إنها نشرت عناصرها على امتداد القطاع في محاولة لإلقاء القبض على مرتكبي جريمة قتل الأطفال.
وانتقد وزير الداخلية سعيد صيام عباس قائلاً إنه «لم ينسق معه نشر القوات في غزة».
ورفض اتهامات بأنه يتحمل مسؤولية قتل الأطفال، وقال إن “القضاء على ظاهرة الفلتان الأمني يحتاج إلى قرار سياسي وتعاون جدّي بين كافة الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس عباس ولوزارة الداخلية”.
وسادت أجواء من الحزن والغضب الشديدين في الشارع الفلسطيني، حيث تم تنكيس الأعلام، وأغلقت المحال التجارية أبوابها لليوم الثاني على التوالي.
وألقت أمّ الأطفال القتلى اللوم على كل من «حماس» وعباس. وقالت ليندا بعلوشة (30 عاماً)، وهي تجاهد لحبس دموعها لدى حديثها مع الصحافيين، «فقدت كل شيء». وأضافت انها كانت تتمنى لو ماتت معهم، وتساءلت قائلة «ماذا تفعل الحكومة؟ ماذا يفعل الرئيس؟».
من جهة ثانية، طالب رئيس كتلة حركة “فتح” البرلمانية، عزام الأحمد، برحيل الحكومة “التي لم تأت إلا بالكوارث”. وقال إن “على الحكومة أن ترحل وتتيح المجال لغيرها، لا لفتح، ولكن لمن هم أكثر قدرة وكفاءة والتزاماً بالقانون والنظام”.
وفي دعوة صريحة للتظاهر والخروج الى الشوارع، قال الأحمد “يريدون إعادتنا إلى العصور الوسطى، وأنا أطالب الشعب بالتحرك من دون انتظار أحد”. وحذّر من «تحوّل الأراضي الفلسطينية إلى جزائر وأفغانستان أخرى».
وأشار الأحمد إلى أن الرئيس الفلسطيني وافق على توصيات اللجنة السداسية، وسيعلن في خطابه المرتقب السبت المقبل عن عدد من التوصيات أهمها إجراء انتخابات مبكرة، أو توافق وطني.
‏وفي رد غير مباشر على الأحمد، قال وزير شؤون اللاجئين الفلسطينيين، عاطف عدوان، إن الانتخابات المبكرة مرفوضة شكلاً وموضوعاً، وتفتقر إلى القانونية والبعد الدستوري.
وأوضح أنه “لا يوجد في الدستور أو حتى في القواعد القانونية الدنيا ما يخوّل عباس القيام بهذه الخطوة”.
إلى ذلك، حذر عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كايد الغول، من أن عدم متابعة ما تشهده الساحة الفلسطينية من “فلتان أمني وجرائم منظّمة سيؤدي إلى مزيد من القتل الذي لن ينجو منه أحد”.
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، أن رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير سيصل إلى رام الله في 18 كانون الأول للقاء عباس.
وكان بلير قد رأى، في مؤتمر صحافي عقده في لندن أمس، أن لا شيء أهم حالياً على مستوى السياسة الدولية من عملية السلام في الشرق الأوسط. ووجه دعوة إلى المعتدلين في المنطقة كي يتّحدوا لمحاولة التوصل إلى السلام، معتبراً أن الوضع في فلسطين أصبح “يائسا”.