لا يفوّت المسؤولون الأميركيون فرصة لإعلان دعمهم للحكومة اللبنانية وفريق الأكثرية، باعتبار أن في ذلك “مساعدة لهم”، إلا أن الأمر عادة ما ينعكس تصاعداً في حدة المعارضة، استناداً إلى طبيعة دور الولايات المتحدة غير المشرّف في العالمفتحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ملفات المنطقة، في حديث مطوّل لوكالة “فرانس برس”، جددت خلاله دعمها للحكومة اللبنانية، وشددت على أن “مستقبل لبنان ليس مطروحاً للتفاوض”، في إشارة إلى تقرير “بيكر ــ هاملتون” عن العراق
، الذي حض واشنطن على فتح حوار مع دمشق وطهران، وهو ما جددت رفضه أيضاً، معربة للمرة الأولى عن أسفها لرفضها وقف إطلاق النار خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز الماضي.
وقالت رايس، التي تواجه منذ صدور تقرير مجموعة الدراسات عن العراق دعوات إلى بدء مفاوضات مباشرة مع طهران ودمشق لتثبيث الاستقرار في الشرق الأوسط: “أود أن يكون الأمر واضحاً جداً: مستقبل لبنان ليس مطروحاً للتفاوض مع أي كان”.
وجددت رايس دعمها بقوة للرئيس فؤاد السنيورة، متهمة سوريا بالسعي “لإسقاط” الحكومة اللبنانية المناهضة لها. وقالت: “يجب أن يدرك أصدقاؤنا في الشرق الأوسط والقوى الديموقراطية التي تواجه مصاعب مثل قوى رئيس الوزراء السنيورة وائتلاف الرابع عشر من آذار في لبنان، مثل باقي الأسرة الدولية، أننا ندعمهم بشكل تام وكامل، كما ندعم أهدافهم وشرعيتهم”. وأضافت: “من غير الوارد أن تصل الولايات المتحدة إلى وضع يمكن أن تتصور في ظله سوريا أو إيران أنه من الممكن المساومة على مستقبل لبنان لقاء مصالح أميركية أخرى”.
ورفضت رايس مجدداً فكرة الحوار مع سوريا وإيران بشأن العراق. وقالت: “إذا كان من مصلحة سوريا إرساء الاستقرار في العراق فستفعل ذلك، وإذا لم يكن في مصلحتها ذلك فإنها لن تفعل أو ستسعى للحصول على تعويض، ولا أريد الوصول إلى نقطة نتحدث فيها عن تعويض”.
وشددت الوزيرة الأميركية على أن واشنطن لن تساوم على مشروع إقامة محكمة دولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري. وقالت: “يجب أن تحرز محكمة الحريري تقدماً. أولاً لأن هذا ما يطالب به قرار صادر عن مجلس الأمن، وثانياً لأنها مسألة عدالة، وثالثاً يجب أن يدرك الذين يغتالون قادة أنه لا يمكنهم القيام بذلك بعيداً عن أي عقاب”. وأضافت: “لا مجال إطلاقاً لأن توافق الولايات المتحدة أو الأسرة الدولية على إعادة النفوذ السوري إلى لبنان”.
وعبرت رايس عن أسفها لرفض واشنطن الدعوة إلى وقف لإطلاق النار خلال العدوان على لبنان. وقالت: “عندما أرى كل يوم ما يجري في لبنان، أتذكر المعاناة الفظيعة التي عاشها مدنيون ــ وإسرائيليون ــ خلال هذه الحرب”. وتابعت: “كنت أود أن أتمكن من عمل المزيد لتجنيب مدنيين أبرياء المعاناة، لكنني أعترف أيضاً بأن حزب الله هو الذي أغرق بلداً برمته في الحرب بتصرفه كدولة داخل الدولة”.
وفي الشأن الإيراني، أعربت رايس عن “تفاؤلها” حيال إقرار الأمم المتحدة قريباً مشروع قرار ينص على فرض عقوبات على إيران. وقالت: “ليس هذا مشروع القرار الذي كنا نوده، لكن هكذا تكون المفاوضات”، في إشارة إلى مشروع القرار الذي عرضته فرنسا وبريطانيا على مجلس الأمن. ورأت الوزيرة الأميركية “أنه قرار جيد. وهو يستند إلى الفصل السابع وهذا أهم عنصر فيه بنظري”.
وشددت رايس على أن التصويت سريعاً على النص “سيوضح للإيرانيين أنه لن يكون في وسعهم مواصلة هذا البرنامج والبقاء ضمن النظام الدولي”. وأضافت: “آمل أن يحملهم ذلك على التفكير حتى يعودوا إلى طاولة المفاوضات”، مشيرة إلى أنه في وسع إيران الموافقة في أي لحظة على عرض الحوافز الذي قدم إليها والتخلي عن برنامجها النووي.
إلى ذلك، أعربت وزيرة الخارجية الأميركية عن “اعتزازها” لمساهمتها في إسقاط الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. وقالت: “لست نادمة لمشاركتي في تحرير العراق وإطاحة صدام حسين، بل إنني أعتز بأن بلادي ساهمت في نهاية الأمر في تحرير 25 مليون عراقي من طاغية”.
وأقرّت رايس بأنها تشعر بوطأة “مسؤوليتها الشخصية”، معترفة بأن الوضع في العراق “سيئ جداً”. وقالت: “إنه أمر تصعب مواجهته: عندما تترتب علينا مسؤولية في اتخاذ القرار بإطاحة صدام حسين، نشعر بأننا مسؤولون شخصياً عما يجري يومياً هناك”.
وانتقدت رايس الخطاب الذي ألقاه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان وانتقد فيه السياسة الخارجية الأميركية، معتبرة أن أنان “فشل في هذا الخطاب في التركيز على الدور الإيجابي الذي أدته واشنطن في الأمم المتحدة في السنتين الماضيتين”.
وقالت رايس: “كنت آمل أن يتحدث عن كل العمل الذي قمنا به معاً”، مشيرة إلى الصناديق الدولية من أجل مكافحة الإيدز والديموقراطية وكذلك العمل من أجل وقف العنف في دارفور ووقف إطلاق النار في لبنان الصيف الماضي.
وتطرقت الوزيرة الأميركية إلى قضية الجاسوس الروسي السابق الكسندر ليتفينينكو، الذي مات مسموماً بمادة البولونيوم في لندن، مشيرة إلى أن القضية “مقلقة”، وطلبت من موسكو التعاون بشكل كامل مع التحقيق فيها. وأضافت أن “شخصاً تسمم بالبولونيوم وبدأت تظهر آثاره في عدد من الأماكن المختلفة. يجب أن يقلق هذا الأمر كل الناس: المسؤولون في الأجهزة الأمنية والمسؤولون السياسيون”.
وامتنعت رايس عن اتهام الكرملين بقتل الجاسوس السابق، ولكنها أوضحت أنها ستثير المسألة مع موسكو.
(أ ف ب)