معمر عطوي
رغم الشعار الذي رفعه قائد الجيش الفيجي الادميرال فوريكي باينيماراما، عنواناً للانقلاب الذي وقع الاسبوع الماضي، وهو “محاربة الفساد”، فإن البعد العرقي الذي يتجذر في المشكلة الفيجية بين هنود وسكان اصليين يطرح نفسه بقوة في “رزمة” اسبابه.
ومعروف أن فيجي تجمع على أراضيها مجموعات عرقية متباينة تضم هنوداً وسكاناً أصليين من الميلانيزين والبولينيزين بينهم مسلمون ينحدرون من أصول هندية وباكستانية.
وبدأت الخلفية العرقية لهذا الانقلاب تتجلى بعد ايام من حدوثه في جمهورية هي عبارة عن أرخبيل مكون من 322 جزيرة، أكبرها فيتي ليفو وفانوا ليفو.
ويمكن تتبع بدايات المشكلة من الانتخابات التشريعية التي شهدها الارخبيل في ايار 2006، والتي شهدت استقطاباً على اساس عرقي في الساحة السياسية؛ فقد فاز فيها حزب فيجي الموحد (ميلانيزيون وقوميون) بزعامة رئيس الوزراء لايسينيا كاراسي، الذي هو الآن رهن الاقامة الجبرية، بـ36 مقعداً في البرلمان الذي يضم 71 مقعداً. وحصل حزب العمال بزعامة م. شودري، الذي يمثل الاقلية الهندية، على 31 مقعداً.
وكان شودري قد أطيح في انقلاب عام 2000 وأزيح عن رئاسة الوزراء، بعدما كان أول هندي يتولى هذا المنصب، ليخلفه كاراسي فيه.
ويبدو أن هذه الوقائع اسست لحالة من التوتر العرقي، ازدادت منذ اشهر، مع تهديدات بحدوث انقلاب عسكري، لوّح به قائد الجيش، الذي يتبع لقومية الميلانيزين، لكنه معروف باعتداله ووقوفه الى جانب الاقلية الهندية؛ فقد طلب الادميرال فوريكي باينيماراما التخلي عن مشروع قانون يعفو عن بعض القوميين الذين دبروا انقلاب عام 2000 الذي كاد يودي بحياته.
ومن المفارقات “المضحكة” للانقلاب الحالي، إعلان الجيش المتواصل عن نيته تنفيذه قبل أشهر من حدوثه، خصوصاً انه الرابع في البلاد التي لا تتجاوز مساحتها 18270 كيلومتراً مربعاً.
اما المفارقة الاخرى فهي تأجيل موعده من يوم الجمعة قبل الماضي الى الثلاثاء بسبب متابعة قائد الجيش والضباط المؤيدين له مباراة “الركبي”، والتي دارت بين الجيش والشرطة، لتكون بمثابة “بروفا” للانقلاب “الابيض” الذي نفذ بسيطرة الجيش على اسلحة الشرطة من دون اي عنف.
والمفارقة الاهم في هذا الانقلاب، تتمثل في الاعلان الذي وضعه الانقلابيون في الصحف المحلية بحثاً عن وزراء للحكومة الجديدة، فيما وصلت صورته “المضحكة” الى اوجها مع اعلان رئيس الحكومة المعيّن من قيادة الجيش الطبيب العسكري البالغ من العمر 77 عاماً، سينيلاغاكالي، أن الانقلاب “غير شرعي”.
غير أن السبب الآخر للانقلاب، والمتمثل بمحاربة الفساد، بدأ يتبلور من خلال طرد العديد من الوزراء المتورطين في صفقات مشبوهة؛ فمنذ وقوع الانقلاب، أعلن النظام العسكري عن إجراء تحقيق في الممارسات الفاسدة لنظام الحكم السابق. وأقال العديد من الشخصيات البارزة في البلاد. وقال قائد الجيش إنه يرغب في أن يلتقي مجلس زعماء القبائل سريعاً من أجل إعادة تنصيب الرئيس راتو جوزيف أيلوليو، الذي كان يتولى سدة الحكم قبل انقلاب عام ألفين.
والجدير ذكره أن المجلس الأعلى للزعماء، وهو الهيئة التقليدية في البلاد التي تمثل أقاليم فيجي الأربعة عشر، يعارض إطاحة الجيش لرئيس الوزراء كاراسي ويصفها بأنها غير مشروعة.
وكان رئيس المجلس، راتو أوفيني بوكيني، الذي وصف الانقلاب بأنه “غير شرعي وغير دستوري”، قال إن زعماء القبائل ما زالوا يعترفون بكاراسي رئيساً للوزراء وبراتو جوني مادراويوي رئيساً للبلاد.
إلا أن قلة من السكان الاصليين، الذين يؤلّفون حوالى نصف سكان فيجي، يدعمون الانقلاب الذي قاده باينيماراما الذي يتحدر من اصول ميلانيزية، ويؤكد انه مدافع عن حقوق الاقلية الهندية التي تؤلّف 37 في المئة من السكان.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا المشهد السياسي الجديد في الارخبيل “الهادئ” عن تداعيات عدم قبول الدول التي تتمتع بنفوذ مباشر في البلاد، خصوصاً استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، التعاون مع الهيئة الحاكمة الجديدة؛ ويبدو أن الانقلابيين استعدوا لهذه المرحلة من وقف وصول الدعم العسكري والاقتصادي، باللجوء الى قوى اقليمية مثل الصين وتايوان وإندونيسيا إذا تعرّض الارخبيل لعقوبات.
لكن، في أي حال، سيترك “تدويل” الازمة انعكاساته على الوضع الداخلي، وبالتالي على طبيعة التحالفات بين الدول الاقليمية، وربما هذا ما دفع استراليا الى رفض التدخل العسكري الذي طلبه رئيس الوزراء الفيجي المخلوع اثناء محاصرته في منزله. فانقلاب “الاقلية” الذي يقوده جنرال منحدر من قومية الاكثرية يترك اكثر من علامة استفهام عن الاهداف والغايات.