غزة ــ رائد لافي
حالة الفوضى الأمنية في الأراضي الفلسطينية
وصلت إلى مفترق طرق، وهي مرشحة للانزلاق في أي لحظة إلى مواجهات واسعة، تنقل البندقية الفلسطينية إلى غير وجهتها الرئيسية


باتت الاغتيالات السياسية ظاهرة شبه يومية في الأراضي الفلسطينية، التي تتجه أوضاعها الداخلية إلى مزيد من التأزم، والاقتراب من الاقتتال الداخلي، الذي نشب في أكثر من مكان في قطاع غزة أمس، ما دفع رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية إلى قطع جولته الخارجية والعودة إلى قطاع غزة، مستبقاً بذلك خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، المقرر السبت المقبل، والذي من المقرر أن يدعو خلاله إلى انتخابات مبكرة، رفضتها معظم الفصائل مسبقاً، متهمة السلطة بالسعي إلى تزوير الانتخابات.
واغتال مسلحون مجهولون أمس القاضي بسام عبد المالك الفرّا (35 عاماً)، وهو أحد قادة “حماس” وجناحها العسكري في جنوب قطاع غزة. ويشغل الفرّا منصب مدير الإرشاد الأسري للمحاكم الشرعية في جنوب القطاع.
واتهمت “حماس” صراحة “فتح” بالاغتيال، وقالت، في بيان شديد اللهجة، إن “عصابة معروفة بفرق الموت شكّلها متنفذون في فتح قامت بهذه الجريمة”.
وقال المتحدث باسم كتلة “حماس” البرلمانية، صلاح البردويل، خلال مؤتمر صحافي عقده في منزل الفرا، إننا “لا نخلي المسؤولية عن عباس لكونه يقف صامتاً، ويعطي غطاءً لهذا السلوك ومن يقوم به، بهدف إظهار الحكومة بمظهر العاجز عن توفير الأمن والاستقرار للمواطن الفلسطيني، ومن ثم يسهل عليه إسقاطها”.
وتعهد البردويل بالكشف عن “هؤلاء القتلة المجرمين، الذين يشيعون الفلتان الأمني وقتل الأطفال والقادة في الشوارع لتحقيق أهداف سياسية واضحة”، مشيراً إلى أنهم “يريدون أن يعودوا إلى مناصبهم بأي طريقة كانت، ولم يكن لهم همّ سوى التنسيق مع الاحتلال، ويعزّ عليهم أن يتركوا كراسيهم”.
وأشارت زوجة الفرّا بأصابع الاتّهام صراحة إلى من وصفتهم بـ“الموتورين في جهاز الأمن الوقائي” بالضلوع في جريمة الاغتيال، موضحة أن زوجها تعرض إلى تهديدات عديدة بالقتل من مندوبي جهاز الأمن الوقائي، كان آخرها تهديد تلقاه عبر الهاتف قبل اغتياله بيوم واحد، وتمكن من تسجيل التهديد.
من جهته، انتقد هنية انتشار قوات أمن موالية لعباس في غزة. وقال إن حل العنف يكمن في احترام فوز «حماس» في الانتخابات.
وشدد هنية، في مؤتمر صحافي عقد في العاصمة السودانية الخرطوم، على أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي بعد اغتيال الفرّا. وأوضح أن “قوات أمن الرئاسة ليس لها علاقة مباشرة بالأمن الداخلي... هذا الانتشار يشكل قطعاً للطريق على أداء وزارة الداخلية... يجب أن تمنح وزارة الداخلية الصلاحيات المنصوص عليها دستورياً”.
واستبعد هنية مجدداً إمكان تحوّل العنف المتفاقم إلى حرب أهلية. وقال “نحن نؤكد أن الحرب الأهلية لا توجد في قاموسنا.. ولا في ثقافتنا”.
ومن المقرر أن يصل هنية اليوم الخميس إلى غزة. وقالت مصادر إسرائيلية إنه تقرر إعادة فتح معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر يومي الأربعاء والخميس تلبية لطلب مصري لتمكين هنية من العودة إلى الأراضي الفلسطينية.
بدوره، قال وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار إن حالة «الانفلات الأمني» في الأراضي الفلسطينية هي جزء من «الفوضى الخلّاقة» التي أورثتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لـ“أوليائها في المنطقة”. واتهم “فتح” بالوقوف وراء هذه الحالة.
وفي سياق حالة الغليان التي تموج بها الساحة الفلسطينية، أطلق مسلحون مجهولون النار على منزل عماد العمصي، أحد قادة “كتائب القسام” شمال القطاع، فيما اعتدى آخرون على النائب محمد شهاب ومرافقيه في مخيم جباليا، ووجهت حركة “حماس” الاتهام أيضاً إلى عناصر من حركة “فتح” بالوقوف وراء هذه الاعتداءات.
وتوعدت «كتائب القسام» بملاحقة قتلة الفرّا، مشيرة إلى “مساعي البعض لإرباك الساحة الفلسطينية وخلط الأوراق فيها”، ووفقاً للناطق باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة، فإن “فرقة الموت المشبوهة التابعة لبعض المتنفذين في حركة فتح وجهاز الأمن الوقائي .. هؤلاء القتلة المشبوهون يقدمون من جديد على اغتيال قادة المقاومة وقادة القسام، الذين عجزت طائرات الاحتلال الصهيوني واجتياحاته عن أن تطالهم، وينفذون مآرب العدو الصهيوني على هذه الأرض”.
وفي سياق حرب التصريحات، شن النائب عن حركة “فتح” محمد دحلان هجوماً لاذعاً على الحكومة، واتهمها “بسرقة الأموال التي تقوم بإدخالها عبر معبر رفح الحدودي مع مصر”. وقال إن «جريمة اغتيال الأطفال الثلاثة يجب أن تفتح كل الملفات من أجل الوصول إلى الحقيقة، وبعدها يمكن الحديث عن حكومة وحدة وطنية قائمة على أساس صالح». وأضاف ان “الظلاميين” لن يتمكنوا من تركيع أحد، “فقد ظنّوا أن فتح قد انهارت ولم يبق سوى أن يُجهزوا عليها، مشيراً إلى أن “وزير الداخلية الفلسطيني يعرف بالإسم من قتل العميد جاد التايه، فليمارس صلاحياته ويأت بهم إلى التحقيق والمحاكمة وسنقدم له تحية، وعندما يأتينا بقتلة الأطفال سنؤدي له التحية مرتين”.
وخلال تظاهرة احتجاج على اغتيال الفرّا في مخيم النصيرات للاجئين، ألقى مجهول قنبلة أنبوبية، ما أسفر عن إصابة أحد أنصار «حماس» بجروح. وأنحى ممثلو الحركة باللائمة على أعضاء بحركة «فتح».
وتمددت حمى الفوضى الأمنية من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، حيث أصيب ثلاثة من عناصر حركة “حماس” خلال اشتباكات مع أنصار حركة «فتح» في رام الله.
ونقلت وكالة أنباء “سما” الفلسطينية المستقلة للأنباء عن مصادر أمنية فلسطينية قولها إن عناصر من حركة «حماس» قامت بإزالة صور الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ووضعت مكانها صوراً لرئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية في رام الله.
في هذه الأثناء، نسبت وكالة “معاً” الفلسطينية المستقلة إلى مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن عباس سيعلن في خطابه السبت المقبل حكومة “حماس” كحكومة تسيير أعمال وعدم إقالتها إلى حين. وأضافت المصادر ان عباس سيعلن رسمياً تنظيم استفتاء شعبي فى شهر آذار المقبل، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، تكون بعد شهرين على الأقل من إجراء الاستفتاء.
إلى ذلك، أعلن ممثلو الفصائل الفلسطينية في دمشق رفضهم الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
وقال قادة الفصائل في بيان صدر بعد اجتماع أمس، إن “التوصية التي اتخذتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقدمتها إلى الرئيس الفلسطيني لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة تخلق المزيد من التوتر والانقسامات في الساحة الفلسطينية”. واتهمت الفصائل اللجنة بالسعي إلى انتخابات جديدة تزوّر فيها النتائج لإقصاء حركة “حماس” عن السلطة.
وفي هذا السياق، أجرى الرئيس المصري حسني مبارك أمس اتصالاً هاتفياً مع عباس، تناول خلاله جهود مصر واتصالاتها لتحقيق الوفاق الفلسطيني وإعادة إطلاق عملية السلام.
وذكر التلفزيون المصري الرسمي أن المباحثات تناولت ما تشهده الساحة الفلسطينية من فلتان أمني.
وفي أحدث خرق لاتفاق التهدئة، استشهد شاب فلسطيني برصاص جيش الاحتلال الاسرائيلي شرقي منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، وهو أول شهيد منذ اتفاق التهدئة.