بغداد ــ الأخبار
الفقر، ذلك الغول الذي لا يستطيع أحد أن يقف في وجهه، يلاحق الآلاف من العائلات العراقية التي دفعت ضريبة العيش في بلاد ما بين النهرين، وأصبحت تعاني مرارات البؤس، بعدما فقدت العنف التي لا تهدأ في معظم أنحاء العراق.
وتروي المواطنة فاطمة جاسم (ربة بيت) «بين ليلة وضحاها فقدت زوجي وبيتي، بعدما هدّدَنا إرهابيون بالنزوح من دارنا، ولم يمهلونا حتى نجد مكاناً بديلاً حتى هجموا علينا واقتادوا زوجي، الذي عثر على جثته في الليلة التالية، واضطُررت لأن أرحل وأسكن في البدء في بيت أهلي الذي لا يتسع لنا والآن ـ كما ترون ـ في هذه المدرسة».
وتتحدث فاطمة عن الواقع الذي آلت إليه ظروفها بعدما طالتها مأساة القدر، قائلة «بعدما فقدت زوجي، وأبنائي لا يزالون صغاراً، بات أمرنا صعباً ولا نحسد عليه، وحاولت مراراً أن أعمل، لكني فشلت في إيجاد عمل مناسب، حتى وصل الأمر إلى قيامي ببيع الحلويات أمام باب المدرسة، وهذا العمل لا يسد الجوع».
وترى النائبة سميرة الموسوي، رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب، أن «الأوضاع في العراق تنذر بأن تكون هناك جيوش من المواطنين تحت خط الفقر».
وتشير الموسوي الى أن «الأوضاع المتردية وغير المستقرة في العراق أفرزت أنواعاً كثيرة من الأسر، منها الأسر المهجّرة والمرحّلة قسراً، وأسر ضحايا الإرهاب وأعمال العنف الذي خلّف آلاف الأرامل والأيتام، ما ينذر بانحدار هذه الأسر المتضررة الى دون خط الفقر».
ويقول عبد الله شراد (60 عاماً) «ما مرّ علينا كعراقيين لم تره أمة من قبل، من الحروب إلى الحصار الى الإرهاب؛ ففي الحرب مع إيران فقدت ولدي فاضل، ولم يبق عندي غير رحمن، إلا أن يد الإرهاب اختطفته وتركتنا نحن العجزة نعيش البؤس والشقاء والحسرة على حظنا في هذه الدنيا». ويضيف شراد «وضعنا المعيشي يسير بنا من سيئ الى أسوأ، وليس لنا مردود سوى منحة الرعاية الاجتماعية التي تتبخر فرحتها بإيفاء أول دائن».
وتقول نورا طارق (طالبة جامعية) إن «الدنيا ضاقت في صدري، ولم أعد أجد فيها شيئاً جميلاً». وأضافت «بعد مقتل أبي، أعتقد أنني سأترك دراستي وأبحث عن عمل لأعيل عائلتي، فهو كان سدّنا المنيع، وما كنا نحسب لجوع يقترب منا وهو موجود. أما الآن، فلا مصدر لدينا للرزق، وأخي لا يزال صغيراً لا يقوى على العمل».
وتسرد نورا «استشهد أبي قبل ثلاثة أشهر في انفجار عبوة ناسفة على طريق مطار بغداد الدولي، وتركني أنا وأمي وأخي الصغير، ولا يوجد أحد يقوم بمساعدتنا في مواجهة مصاعب الحياة». وأشارت الى أن «هناك الكثير من العائلات التي حدث لها ما حدث لنا بالتأكيد، ما سيولد، حسب اعتقادي، مجتمعاً من الأرامل واليتامى في هذا البلد الذي طحنته الحروب والقتل».
وتشير بعض الإحصائيات الى أن أكثر من تسعين امرأة تترمل يومياً، إلا أن هذه النسبة لا يعوّل عليها كثيراً إذا ما أخذنا بالاعتبار جرائم القتل الخفية التي يتعذر تسجيلها.
وتقرّ وكيلة وزارة المهجرين والمهاجرين، حمدية أحمد نجف، بأن «الأوضاع الاستثنائية، التي يعيشها العراق، أبرزت إلى الساحة ربع مليون نازح عراقي جراء العنف الطائفي والعرقي». وتوضح أن «أوضاع هؤلاء المهجرين سيئة للغاية، فمنهم من يعيش داخل خيام تعيسة لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة، ومنهم من افترش الأرض ونام مع عائلته لعدم توفر الخيام، وهناك من لجأ الى أقاربه في مدن أو قرى بعيدة»، مشيرة الى أن «حركة عودة هذه العوائل المهجّرة شحيحة للغاية وتكاد تكون معدومة».