علي حيدر
خلُصت لجان التحقيق العسكرية المتعددة التي أوكلت إليها مهمة دراسة وكشف مكامن الفشل خلال العدوان على لبنان، التي من المفترض أن تنهي عملها مع نهاية الشهر الجاري، إلى خلاصات أساسية توزعت بين الخطأ في ترتيب سلم الأولويات خلال السنوات الست التي سبقت الحرب، ومحاولة إسقاط الجيش قوالب التفكير والأداء المطبقة في المناطق الفلسطينية على القتال في جنوب لبنان، إضافة إلى الثقة المفرطة بإمكان حسم الحرب من الجو، وعدم امتلاك القيادة فهماً دقيقاً للواقع الميداني بالإضافة إلى إقرار قادة الجيش بالمفاجأة من قدرات حزب الله وإن هذه الحرب المحدودة كانت أكبر من الجيش الإسرائيليفقد أشارت بعض التقارير إلى أن المواجهات في المناطق الفلسطينية احتلت الأولوية لدى الجيش على ما يجري في الجبهة الشمالية، وهو ما أدى إلى نقص في مواردها وحصولها على عدد أقل من القوات، فضلاً عن تراجع إشراف القيادة العليا على تلك المنطقة. ونتيجة لسلم الأولويات هذا، كان تمسك الجيش بفرضية منع فتح جبهة ثانية في الشمال، في الوقت الذي كان يخوض فيه الجيش مواجهة في الجنوب، إضافة إلى الاهتمام بضمان «سلامة السياح في الأكواخ الخشبية».
وأشار المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، في مقالته التي ضمت الدروس المستخلصة من الحرب، إلى أن جيش الاحتلال «خرج للحرب في أعقاب عملية خطف الجنود في الوقت الذي كانت لا تزال تسيطر فيه على تفكيره المفاهيم (العسكرية) التي تطبق في المناطق الفلسطينية (نشاط أمني جارٍ في مقابل عدو ضعيف) وكان أداؤه بما يتناسب مع هذه المفاهيم. ومن هنا كانت النتيجة بأن فاجأت قدرة حزب الله الجيش الإسرائيلي ومكَّنت الاول من إصابة نقاط ضعف، عبر الاستهداف الدقيق بالصواريخ المضادة للدبابات ولقوات المشاة».
وفي السياق نفسه، خلصت التقارير الناتجة من التحقيقات التي بلغت 40 تحقيقاً، بينها عشرة تحقيقات تتناول قضايا أساسية، إلى أن «العجرفة» الجوية الناتجة من الثقة المفرطة بإمكان حسم المعركة من الجو كانت السبب الأساسي للإخفاقات في الحرب؛ فقد كشف المسؤول عن التحقيق في القيادة العامة للجيش، أودي شني، في تقريره، أن رئيس الأركان دان حالوتس «تمسك بلا مبرر بفكرة الحسم من الجو، وتحفظ عن القيام بعملية برية لمقاومة صواريخ الكاتيوشا في المرحلة التي أصبح من الواضح فيها أن سلاح الجو لا يكفي ورفض رفضاً دائماً الخروج في عملية برية».
ونقل هرئيل عن قادة رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي عينوا لإجراء التحقيقات قولهم إنه «حتى الحرب المحدودة التي خاضها الجيش في مواجهة حزب الله تبين أنها أكبر منا».
وطالت نتائج التحقيقات التصورات الأساسية للقيادة، فرأت أن التصور المتبلور لدى القيادة العليا المستند إلى عدم فهم الوضع في الميدان بشكل دقيق ساهم في اتخاذ سلسلة من القرارات الخاطئة من قبل القيادة نفسها، مثل عدم الاستعداد للخيار البري في موعده، وتأجيل تجنيد فرق الاحتياط.
ونقل هرئيل عن حالوتس اعترافه «بأنه أخطأ عندما لم يضغط على الحكومة للسماح بذلك في مرحلة مبكرة». كما نقل عن قائد سلاح البحرية اللواء دودو بن ــ بعشط قوله إنه رأى إمكان وجود صاروخ بر ــ بحر إيراني لدى حزب الله «سيناريو خيالياً ومدحوضاً» وذهب إلى حد الاعتراف بأنه «بعد يومين ونصف من عملية اختطاف الجنديين كانوا في سلاح البحرية لا يزالون لا يدركون أننا نخوض حرباً».
وكشفت التقارير، بحسب هرئيل، عن تشخيصها لأخطاء ميدانية ومشكلات قيمية لوحظ وجودها في جميع المستويات؛ فهيئة الأركان العامة «لم تعمل كقيادة عليا. فقد اتخذ قرارات مهمة في حلقات ضيقة. وقام بعض من أعضائها بكسر التراتبية المعتادة ووجهوا عبر الهاتف نصائح وأوامر عسكرية إلى قادة الفرق وقادة الألوية في الجبهة، من دون أن يتم ذلك بشكل منظم».
ويعقب هرئيل على كل ذلك بالقول إن «هناك مسألة تكاد التقارير لا تتناولها وهي أداء المستوى السياسي في الحرب، الذي كان يفترض أن تحقق فيه لجنة فينوغراد تحقيقاً عميقاً، وخاصة في الجانب المتصل بانعدام الخبرة الأمنية للقيادة السياسية».
وفي الخلاصة، يرى هرئيل أنه «في ضوء مضامين التقارير يمكن الحديث عن لائحة اتهام شديدة لأداء الجيش ورئيس الأركان خلال عملهما في الحرب. فالفشل هنا واسع، يتجاوز المستويات والقيادات. وفي ضوء هذه الاستنتاجات والشهادات الحرجة وفي ضوء حقيقة أداء الجيش، فلا سبب يدعو إلى انتظار حكم لجنة فينوغراد، ويبدو أيضاً أن الحكم الذي منحه حالوتس لجيشه قبل حوالى شهرين بدرجة متوسط خلال الحرب كان سخياً بدرجة زائدة على الحد».