باريس ـــ بسّام الطيارة
لم يعد من الممكن أن تمر مناسبة أو يُعقد لقاء إلا ويكون الوضع اللبناني حاضراً بقوة، إما في البيان الرسمي النهائي أو متسللاً بين طيات المواقف المُعلنة، مثله مثل المسألة الفلسطينية والوضع العراقي، وهو ما يدفع البعض إلى البدء بالحديث عن «مثلث الأزمات» في الشرق الأوسط.
وخص الرئيس الفرنسي جاك شيراك هذه المنطقة بجزء من مداخلته في قمة مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل. ولفت الانتباه إلى أن شيراك حرص، في مدخل خطابه، على التأكيد أن «النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي ليس فقط مصدر العنف بل انه يغذي الشعور لدى العالم الإسلامي كله بغياب العدالة»، الأمر الذي يوجب العمل على «فتح آفاق سياسية وإعادة إحياء دينامية السلام».
ودعا شيراك المجتمع الدولي إلى البدء بالعمل في سياق المبادرة الأوروبية الثلاثية التي أطلقتها باريس وروما ومدريد، راسماً خطوطاً عريضة لتصوره للمبادرة الجديدة التي يجب أن تكون «براغماتية وكريمة».
وتوقف المراقبون أمام هذا الجانب من «البراغماتية في كلام شيراك»، خاصة أنه برره بضرورة «تفضيل الحلول الواقعية» عوضاً عن إشاعة آمال غير قابلة للتحقيق وزرع وعود فارغة.
ويرى البعض في هذا الأمر تأكيداً لتوجه سياسي بدأ منذ نحو ثلاث سنوات، تجسد آنذاك، في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، بالابتعاد عن مقولة «إقامة دولة قابلة للحياة» واستعمال «حق الفلسطينين بإقامة دولتهم». وكان استعمال الفرنسيين لوصف «قابلة للحياة» يرمي إلى انتقاد سياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية التي، كما يقول بعض الخبراء الفرنسيين، «شرّحت تشريحاً أخرق» الأراضي المحتلة بواسطة مستوطنات وشق طرق سريعة ووضع اليد على منابع المياه.
ويتساءل المراقبون هل تعني «البراغماتية» لدى شيراك التقرب من «الواقعية السياسية الأنكلوساكسونية»؟ إذ إن الرئيس الفرنسي يقول إن هذا الطموح يجب أن يمتد ليطاول لبنان لأن «الحكومة الشرعية تتعرض لهجوم حقيقي» بهدف زعزعتها، وهو ما يفرض برأي الرئيس الفرنسي، إعادة تأكيد دعمها «ودعوة اللبنانيين إلى الوحدة». إلا أن العديد من المراقبين توقفوا أمام تعليق الرئيس الفرنسي على مبادرة الأمين العام لجامعة العربية عمرو موسى، إذ إنه ضمن سياق الحديث عن المبادرة، شدد على أن الحل يأتي عبر ثلاثة أمور حددها بما يأتي: «الإنصاف بإنشاء المحكمة الدولية، وفاغلية الحكومة، ووحدة اللبنانيين».
وذهب البعض إلى تفسير هذه الثلاثية بأنها تأكيد لمواقف فرنسا «المعروفة من المحكمة» خاصةً بعد الدعم العلني للحكومة اللبنانية، فيما رأى البعض الآخر في هذه الجملة نوعاً من «الارتعاش» باتجاه الانفتاح على مبادرة عمرو موسى، التي جعلت من تأليف لجنة تدرس الاعتراضات على قانون المحكمة ذات الطابع الدولي، مدخلاً لسلة الحلول التي يحملها بين الفرقاء.
ويقول هؤلاء ان «زج وصف الإنصاف» مع جملة تعقيبية تتعلق بالمحكمة الدولية لا يراد به فقط وصف مبدأ المحكمة، وهو في هذه الحال يكون موجهاً لفريق واحد، بل يراد به قانون المحكمة، بحيث ترفع الاعتراضات عن مشروعها وتكون منطلقاً لبدء حلحلة التأزم اللبناني، خاصة أن فرنسا ما زالت غير محبذة لمحكمة «تفرض على لبنان» من مجلس الأمن الدولي، كما أكد ذلك المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية عندما قال أمس «إننا نفضل فرضية اتفاق مع السلطات اللبنانية، في شأن تأليف المحكمة» قبل أن يستطرد قائلاً «وهذا مهم بالنسبة لفرنسا التي تضع نصب عينيها احترام السيادة اللبنانية».