غزة ــ رائد لافي
فلسطين على وشك الانهيار، الاقتتال والانقسام السياسي وصلا حداً غير مسبوق، والآتي قد يكون أعظم، وسط حالة تمترس الطرفين خلف مواقف، مدجَّجَين بآلاف العناصر المسلحة، المستعدة للدخول في حرب أهلية شاملة

يبدو أن المحظور الفلسطيني قد وقع، والمخاوف والتحذيرات من الدعوة إلى انتخابات مبكرة لم تنفع في ثني الرئيس محمود عباس عن تعميق الانقسام الداخلي من خلال خطاب القاه أول من أمس، رفضته الحكومة الفلسطينية وحركة “حماس”، مشيرة إلى أنه “دعوة إلى حرب أهلية”. لكن ذلك لم يجد أيضاً في منع عباس من التحضير فعلياً للانتخابات عبر بدء تسجيل المرشحينimg src="/sites/default/files/old/images/p18_20061218_pic2.jpg" title="هنيّة خلال اجتماع مجلس الوزراء في غزّة أمس (أ ف ب)" align="left" width="170" height="250"/>وخرج أنصار حركة “حماس”، التي ترى في الانتخابات المبكرة “انقلاباً” على الحكومة التي ترأسها، إلى الشوارع في تعبير عن سخطهم على قرار عباس (أبو مازن)، في مقابل الآلاف من “الفتحاويين” الذين كانت فرحتهم غامرة بهذا القرار.
ودعت “حماس” أنصارها إلى النزول للشارع في تظاهرات احتجاج. وقال أحمد يوسف، المستشار السياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية: “سننظم تظاهرات عديدة للإثبات للرئيس أن حماس تملك الأكثرية وللقول إن هذه الدعوة لا يقبلها الشعب الفلسطيني”.
ورأى يوسف أن خطاب عباس يشكّل “دعوة إلى حرب أهلية”، مضيفاً أن حركته ستحاول “تجنبها”. وحذر من أن ذلك “سيؤدي إلى نزاع داخلي، ويمكن أن يسبب أيضاً الكثير من الخسائر والهجمات الدموية بين الطرفين”.
أما هنية فوصف دعوة عباس إلى انتخابات مبكرة بأنها خطوة “غير دستورية ومن شأنها إرباك الساحة الفلسطينية”. ورأى أن الخطاب في مجمله “غير وحدوي، وكان تحريضياً وتهكمياً ومستخفاً بصمود ومقاومة شعبنا الفلسطيني”.
وقالت “كتائب الأقصى” التابعة لحركة «فتح»، في بيان: “نعلن تأييدنا الكامل لقرارات عباس من أجل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وسنعمل جنوداً أوفياء لحماية قرارات الرئيس والمشروع الوطني الفلسطيني في حال حاول البعض إفشاله بالأساليب غير الوطنية”.
وفي المقابل، أكدت أجنحة عسكرية تابعة لعدد من فصائل المقاومة، رفضها لدعوة عباس، وقالت إنها «لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي انقلاب على الشرعية الفلسطينية، ولن تسمح لأي كان أن يجر الشعب إلى المستنقع الأميركي والأوروبي».
ووجهت الأجنحة العسكرية رسالة إلى عباس ومن سمتهم «حاشية السوء المحيطة به»، قالت فيها: «كفاكم تلاعباً بمصير شعبنا، فانه أوعى مما تتصورون ولا يمكن أن يأخذ قراره ممن يحقر مقاومته ويطعن في حقه بالكفاح والنضال المسلح ضد الاحتلال».
والأجنحة العسكرية المشار إليها هي كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، وألوية الناصر صلاح الدين الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية، وكتائب شهداء الأقصى (المجلس العسكري) التابعة لحركة «فتح»، وكتائب الشهيد خالد أبو عكر التابعة للجبهة الشعبية ــ القيادة العامة، وقوات العاصفة التابعة لحركة «فتح»، ومقاتلي حركة «فتح» (كتائب التوحيد)، وكتائب الشهيد أحمد أبو الريش (سيف الإسلام) أحد التشكيلات العسكرية لحركة «فتح».
وشددت مصادر مقربة من حركة “حماس”، لـ“الأخبار”، على أنه إذا لم تتمكّن الحركة من منع إجراء الانتخابات المبكرة بالطرق القانونية، فإنها “قد تعمل على تحقيق ذلك ميدانياً”.
وأعربت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، على لسان عضو مكتبها السياسي رباح مهنا، عن رفضها لدعوة عباس، ووصفتها بأنها “دعوة متسرعة وغير موفقة”.
ورأى عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، صالح زيدان، أنه يجب “إعطاء فرصة لخيار تأليف حكومة وحدة وطنية”.
ورغم دعوات تجنّب الانتخابات، بدأت الرئاسة الفلسطينية التحضير لها. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، إن الانتخابات المبكرة ستتم “في غضون ثلاثة أشهر”.
وأعلن الأمين العام للرئاسة الفلسطينية، الطيب عبد الرحيم، أنه تم الاتفاق مع لجنة
الانتخابات المركزية على فتح باب التسجيل للناخبين مرة أخرى واتخاذ الإجراءات الأخرى في هذا الصدد.
وكان أبو مازن قد دعا في خطابه، الذي قاطعته الحكومة وحركة “حماس”، إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة من دون أن يحدد تاريخاً لتنظيمها.
وقال عباس، أمام حشد من الشخصيات الفلسطينية في رام الله، إنه لجأ إلى هذا القرار من أجل الخروج من أزمة الحصار الذي يرزح تحته الشعب الفلسطيني منذ تأليف الحكومة الحالية، ملوحاً بحقه في حل الحكومة الحالية. وقال: “كما وقعت مرسوم تأليفها، استطيع أن ألغي المرسوم”.
واستهزأ عباس بما سماها “أوهام حماس” لرفع الحصار، مشيراً إلى أن هذه الحركة “تتوهم أن لقاءاتها مع شخصيات لا أهمية لها في أوروبا وأميركا ستؤدي إلى رفع الحصار، من أمثال البريطاني الستر كروك”، الذي وصفه بأنه “أفّاق ومتقاعد لا أهمية له”، وأعضاء في مجالس بلدية أميركية.
وقال عباس إنه يستند في قراره اللجوء إلى انتخابات مبكرة إلى حقه الدستوري، مشيراً إلى أنه “وفقاً لحقي الدستوري، وقّعت على قرار تأليف الحكومة، وأستطيع إقالتها متى أشاء”.
وشدد عباس، في خطابه الذي عكس حدة ملحوظة، على أن “مهمة الحكومة هي مساعدة الرئيس وليس مناكفته ولا يمكن أن يكون هناك رأسان في البلد”. وشن هجوماً عنيفاً على حركة “حماس”، وخصوصاً على وصف محاولة اغتيال هنية بـ“المؤامرة”، مشيراً إلى أنه كان حريصاً على خروج رئيس الوزراء في جولته بشكل كريم، وتأمين عودته بالطريقة نفسها.
ودافع عباس بشدة عن القيادي في حركة “فتح”، النائب محمد دحلان، الذي تتهمه “حماس” بالتآمر والمسؤولية عن محاولة الاغتيال. وقال إن “الكل كان في خدمة هنية لدخوله إلى غزة دخولاً كريماً، وإن النائب محمد دحلان أحد ثلاثة مسؤولين عهدت إليهم ترتيب خروج ودخول هنية إلى غزة”.
وجدد عباس رفضه ربط القضية الفلسطينية بسياسة المحاور. ورأى أن الفلسطينيين لا يزالون يدفعون ثمن موقفهم أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، مشيراً بذلك إلى وقوف “حماس” إلى جانب حزب الله وسوريا وإيران ضد السعودية ومصر والأردن.
وفي رد فوري على الخطاب، قال وزير الشؤون الخارجية محمود الزهار إن الخطاب تضمّن “الكثير من المغالطات التي تحتاج إلى رد صريح وواضح”. وأضاف: “من تعب فليقدم استقالته ثم نجري انتخابات رئاسية”، مجدداً تأكيده على أن “حماس ستفوز فيها”.
ورفض رئيس المجلس التشريعي بالنيابة أحمد بحر دعوة عباس، ووصفها بأنها “غير دستورية وغير قانونية”، مشيراً إلى أن “ما يقوم به عباس مخالف لقانون الانتخابات الفلسطيني، ومخالف للقانون الأساسي”. وقال إن “معنى ذلك أن يتم حل المجلس التشريعي، وهو أمر لا يستطيع أحد عمله لأن المجلس سيد نفسه وهو صاحب الولاية”.
ورأى دحلان، من جهته، أن عباس أوضح خلال خطابه أنه «لا يخاف الانتخابات ويرفض سياسة التخوين، وفي الوقت نفسه ترك الباب مفتوحاً لتشكيل حكومة وحدة وطنية».