العراقيون يقتلون بالقوة... وممنوع عليهم أن يصابوا ويعالجوا؛ فالعنف يصطادهم ثم يلاحق جرحاهم، ليقضي على أي أمل في الحياة في بلاد الرافدين، التي باتت وكأن شعبها ينضب وشوارعها لا تصلح الا والدماء تسير فيها... حتى إشعار أميركي آخر

مع تصاعد العنف الطائفي وتردّي الوضع الأمني وحظر التجول الليلي في العاصمة العراقية بغداد، تعاني عائلات المدينة مشكلات كثيرة من بينها صعوبة معالجة الاطفال لدى تعرضهم لوعكة صحية.
ولا بديل الا «طبيب الحي» الذي لا يكون في معظم الاحيان سوى رجل امتهن التمريض ويتقن بيع مواد طبية بسيطة ومعالجة الجروح وختان الصبيان.
ويقول أبو عقيل (58 عاماً)، الذي أمضى الجزء الاكبر من حياته في مهنة التمريض في وزارة الدفاع المنحلة، «ابيع الادوية وأحقن المرضى عند الحاجة، وأحياناً اصف العلاج لزواري». ويؤكد أنه يقدم «وصفات طبية من دون مقابل مالي بل من اجل بيع الدواء فقط».
ويمارس أبو عقيل عمله في غرفة صغيرة اقتطعها من واجهة منزله الذي يقع في احد الاحياء الجنوبية لبغداد.
وبالمثل، تستقبل ابنته الكبرى، التي تدربت على حقن المرضى ووصف الدواء على يد والدها، النساء داخل المنزل ليضمن ابو عقيل تقديم خدماته الطبية للجميع.
ويعود ذلك على أسرة أبو عقيل بمورد مالي جيد، اذ يزور «عيادته» المتواضعة عشرات المرضى من الجنسين يومياً.
ويتقاضى ابو عقيل وأقرانه عند حقن المريض 750 ديناراً (حوالى خمسين سنتاً) بينما تبلغ اسعار معظم الادوية التي يقدمها لزبائنه اكثر قليلاً منها في الصيدليات الرسمية. لكن الناس يشترونها لأنهم يفضلون تجنب المغامرة بالسير في شوارع خطرة للوصول الى الصيدليات.
وفي حي المنصور الراقي غرب بغداد، فتح الطبيب حسين العوادي الاختصاصي في الامراض الباطنية والاطفال عيادته في غرفة الضيوف في منزله ليستقبل مرضاه بعدما ترك عيادته التي كانت تقع في احد الشوارع الرئيسية بجانب الكرخ (غربي نهر دجلة)، بعد تعرضه لاعتداءات متكررة كان آخرها خطفه وإرغامه على دفع فدية لإطلاقه.
ويقول العوادي: «أستقبل المرضى في منزلي منذ ستة اشهر لسوء الاوضاع الامنية. حتى المرضى يشعرون بأمان اكثر في المنزل منه في عيادات تقع في شوارع عامة». وأعرب عن اسفه لأن «هؤلاء الارهابيين لا يدركون ان اطفالهم وأفراد عائلاتهم قد يحتاجون لطبيب يعالجهم في يوم ما».
وتفتح الصيدليات الرسمية وعيادات الاطباء في بغداد ابوابها من منتصف النهار حتى بداية المساء، ولا وجود لها الا في الشوارع الرئيسية للأحياء.
ويتقاضى الطبيب العام حوالى خمسة آلاف دينار (نحو اربعة دولارات) لدى فحصه مرضاه، بينما يبلغ أجر الطبيب الاختصاصي اكثر من ثلاثة اضعاف هذا المبلغ.
ويقدم أبو مروة (48 عاماً)، الذي فتح «عيادته» الصحية في منزله في مدينة الصدر (شرق بغداد)، بعد خبرة اكتسبها من عمله في التمريض في وزارة الصحة، خدمات طبية وأدوية بأسعار تنافسية.
فهو يحقن أمصالاً مضادة لمرض الانفلونزا ويقدم عقاقير لعلاج هذا المرض مقابل 1500 دينار (قرابة دولار واحد فقط)، حسبما أكد مرضاه.
وفي الوقت نفسه، يستعين عدد كبير من العراقيين بخبرات متوارثة في الاعشاب الطبية التي تباع في محال تجارية، يطلق عليها العراقيون «العطارة».
ويستقبل الطبيب حافظ عبد الأحد (44 عاماً) وزوجته الطبيبة مرضاهما في اي وقت يومياً في منزلهما في حي الزعفرانية (جنوب)، وهو ما يمكِّن العائلات من زيارة عيادته، وهي غرفة جلوس العائلة.
ويقول عبد الأحد، الذي يستقبل صباحاً ومساء عشرات المرضى معظمهم من الاطفال: «العمل في المنزل متعب لكنه اكثر اماناً».
وأمام منزل المعاون الطبي ابو سعد (51 عاماً)، الذي خصص احدى غرف منزله الواقع في حي الامين (جنوب شرق) لاستقبال مرضاه، كان ابو علاء يحمل بين ذراعيه ابنه المريض البالغ من العمر ثلاثة اعوام ويهم بالدخول.
وقال أبو علاء، إن «وجود الممرضين في الاحياء السكنية سهَّّّل لنا الحصول على الدواء ومعالجة اطفالنا». وأضاف «من الصعب حمل الاطفال الى عيادات الاطباء في الشوارع الرئيسية التي تتكرر فيها الانفجارات».
ولم يفلت الاطباء العراقيون، مثلهم مثل اساتذة الجامعات والفنانين والرياضيين، من عمليات العنف.
وطبقاً لأرقام نشرتها وزارة الصحة العراقية في شباط الماضي، قتل 61 طبيباً وأصيب ثلاثون آخرون في اعمال عنف.
وتستقبل المستشفيات في بغداد يومياً عشرات الضحايا جراء اعمال العنف وانفجار عبوات ناسفة وسيارات مفخخة، حتى اصبح من الصعب زيارتها بسبب الاجراءات الامنية المشددة حولها.
(أ ف ب)